Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 1-2)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا } ، إلى قوله : { طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . سورة مرفوعة على إضمار مبتدأ ، أي هذه سورة ، وأنزلناها نعت للسورة ، وقبح رفعها على الابتداء لأنها نكرة ، ولا يبتدأ بالنكرات إذ لا فائدة فيها ، وقد أجازه أبو عبيدة . وقرأ عيسى بن عمر بالنصب على معنى : اتل سورة ، أو على معنى : أنزلنا سورة أنزلناها . ومن شدد { فَرَضْنَاهَا } جعله بمعنى : فضلناها ، فجعلنا فيها فرائض مختلفة . وقيل : معنى التشديد أنه فرضها على من أنزلت عليهم ، وعلى من بعدهم إلى يوم القيامة ، فشدد ليدل على معنى التكثير من المأمورين . ومن خفف جعله على معنى : أوجبنا ما فيها من الأحكام فجعلناه فرضاً عليكم . وقوله : { قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِيۤ أَزْوَاجِهِـمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ الأحزاب : 50 ] ، يدل على اختيار التخفيف ، لأنه فيه معنى تكثير المأمورين ، لأنه فرض علينا وعلى من بعدنا ومن قبلنا ، وفيه فرائض مختلفة أيضاً ، وقد أجمع على تخفيفه . قال ابن عباس { فَرَضْنَاهَا } بيناها . وقيل { فَرَضْنَاهَا } فرضنا العمل بما فيها ، وهذا يدل على التخفيف . وقول ابن عباس يدل على التشديد . وقوله : { وَأَنزَلْنَا فِيهَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ } ، أي دلالات وحجج على الحق ، واضحات لمن تأملها وآمن بها . قال ابن جريج : آياتٍ بينات : يعني الحلال ، والحرام ، والحدود . { لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } ، أي تذكرون بهذه الآيات التي أنزل عليكم . ثم قال تعالى : { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ } . كل القراء على الرفع إلا عيسى بن عمر فإنه قرأ بالنصب ، وهو اختيار الخليل وسيبويه لأن الأمر بالفعل أولى ، وسائر النحويين على خلافهما في هذا الاختيار ، واستدل المبرد على خلافهما ، بإجماع الجميع على الرفع في قوله : { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا } [ النساء : 16 ] وإنما اختار النحويون الرفع لأنه مبهم لا يقصد به شخص بعينه ( زنى ) ، وتقدير الرفع عند سيبويه والخليل " وفيما يتلى عليكم الزانية والزاني ، ويحسن الرفع بالابتداء وما بعده خبره ، والمعنى من زنى من الرجال والنساء ، وهو حر بكر غير محصن فاجلدوه ضرباً مائة جلدة . { وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ } أي رقة ، ورحمة عند الجلد في دين الله ، أي في طاعة الله فيما أمركم به من إقامة الحدود ، فكل من أقام الحد . فهو ممن لا تأخذه رأفة في حدود الله . والرأفة من الآدميين ، رقة القلب ، وهي من الله تعالى رحمة وإنعام ولا يجوز عليه رقة القلب . وقوله : { إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } لأن لا تقصروا في إقامة الحدود . { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } وهذا يدل على أن إقامة حدود الله من الإيمان بخلاف ما تدعيه المرجئة من أن الإيمان قول بلا عمل . وقال ابن المسيب والحسن : معناه لا تخففوا الضرب ولكن أوجعوا ، قالا : هو الجلد الشديد . وقيل : معناه انزعوا الثياب عنهما قبل الجلد ، قاله حماد . وقال الزهري : يجتهد في حد الزاني والفرية ، ويخفف في حد الشارب . وقال قتادة : يخفف في الشارب والفرية ، ويجتهد في الزاني فهذا حد الزاني ، وليس في كتاب الله تعالى دلالة على كيفية الجلد ، ولكن أجمع العلماء على أن الجلد بالسوط سوط بين السوطين . وروي أن عمر رضي الله عنه أتي برجل وجب عليه حد فدعا بسوط فقال : إيتوني بألين منه ، فأتي بألين منه ، فقال : إيتوني بأشد ، فأوتي بسوط بين السوطين ، فقال : اضرب ولا ترين إبطك ، وأعط كل عضو حقه . والزنا من أعظم الكبائر والفواحش . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : بلغنا أنه يرسل يوم القيامة على الناس ريح منتنة حتى تؤذي كل بر وفاجر حتى إذا بلغت من الناس / كل مبلغ ، وكادت أن تمسك بأنفاس الناس ناداهم مناد يسمع صوته كلهم : أتدرون ما هذه الريح التي آذتكم ؟ فيقولون : لا ندري غير أنها قد بلغت منا كل مبلغ ، فقال : ألا إنها ريح فروج الزناة الذين لقوا الله بزناهم لم يتوبوا منه ، ثم ينصرف بهم ولم يذكر جنة ولا ناراً . وهذه الآية ناسخةٌ للآيتين اللتين في سورة النساء ، قوله تعالى { وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ } [ النساء : 15 ] إلى { رَّحِيماً } [ النساء : 16 ] . ورأى عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وأبو عبيدة بن الجراح ، وابن مسعود والمغيرة ابن شعبة : أن لا يجرد ثوب المضروب ، وبه قال الشعبي والنخعي وطاوس وقتادة . وعن عمر بن عبد العزيز أنه ضرب قاذفاً مجرداً . وقال الأوزاعي : الإمام مخير إن شاء نزع ، وإن شاء ترك . وقال مالك : لا تجرد المرأة ، ويترك عليها ما يسترها . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : يضرب الرجال قياماً ، والنساء قعوداً ، وهو قول الثوري ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق . وقال مالك : يضرب المرأة والرجل وهما قاعدان ، ومنع ابن مسعود والحسن والثوري وابن حنبل من مد المضروب . وقال الشافعي : لا يمد ويترك له يد يتقي بها ولا يربط . وأمر عمر بضرب امرأة ، فقال : اضرباها ولا تحرق جلدها . وقال الحسن : يضرب السكران ضرباً غير مبرح . وقال مالك : يضرب ضرباً لا يشق ولا يضع سوطاً فوق سوط . قال الشافعي : لا يبلغ أن ينهمر الدم في شيء من الحدود والعقوبات ؛ لأنه من أسباب التلف ، وليس يراد بالجلد التلف ، إنما يراد به النكال والكفارة . وقال عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، يعطى كل عضو من الضرب حقه . قال الشافعي : ويترك الجلاد في الوجه والفرج . وقال الشافعي : يجلد العليل المضني بأنكول النخل ، ولم يرد ذلك مالك ، ولا أرى أنه يبرئ الرجل من يمينه إذا حلف على ضربات وإن كان فيه قضبان كثيرة . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : نفي البكر ، والزاني بعد جلد مائة ، وكذلك فعل أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي . وروي ذلك عن ابن عمر ، وأبيّ بن كعب ، وبه قال عطاء ، وطاووس ، ومالك ، والثوري ، وابن أبي ليلى ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور . وروي عن ابن عمر أنه رأى نفي المملوك البكر إذا زنى ، وهو قول الشافعي ، وأبي ثور . وقال الشافعي ، وحماد بن أبي سليمان ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق : لا نفي على المملوك . ونفى عمر إلى فدك . وقال الشعبي : ينفى الزاني عن عمله إلى عمل غير عمله . وقال ابن أبي ليلى : ينفى سنة إلى بلد غير البلد الذي فجر فيه . وقال مالك : يغرب عاماً في بلد يحبس فيه لئلا يرجع إلى البلد الذي نفي منه . ثم قال تعالى : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . قال مجاهد وابن أبي نجيح : أقل الطائفة رجل ، وكذلك قال النخعي . وقال الحسن ، والشعبي : الطائفة رجل فما زاد . وقال عطاء ، وعكرمة : أقل الطائفة هما رجلان . وقال الزهري : الطائفة ثلاثاً فصاعداً . وقال قتادة : هم نفر من المسلمين . وقال ابن زيد : الطائفة هنا أربعة ، وكذا قال : مالك ، والليث . وإنما جعلت الطائفة أربعة ليشهدوا أنه محدود على الزنا متى قذفه أحد بالزنا ، فسقط حد القذف عن القاذف بتلك الشهادة ، والزنا لا يقبل فيه أقل من أربعة ، ومنع الزجاج أن تكون الطائفة واحداً ، لأن معناها معنى الجماعة ، ولا تكون الجماعة لأقل من اثنين ، واختار الطبري قول من رأى أن أقل الطائفة رجل واحد . قال : واستحب أن لا يقصر على أربعة عدد ، من تقبل شهادته على ذلك لأنه إجماع . وأجاز جماعة من أهل اللغة أن يقال للواحد طائفة ، وللجماعة طائفة ، لأن معنى طائفة : قطعة ، يقول : أكلت طائفة من الشاة ، أي قطعة منها . واستدل من قال : إن الطائفة تقع على الواحد بقوله تعالى : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } [ التوبة : 123 ] ولم يختلف أن الواحد إذا نفر من جماعة لطلب العلم والتفهم / في الدين : أنه يجزئ : فهو طائفة .