Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 28-31)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ } ، إلى قوله : { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ، أي فإن لم تجدوا في البيوت التي تستأذنون فيها أحداً يأذن لكم بالدخول فلا تدخلوها ، لأن دخولها لا يحل إلا بإذن أهلها ، فإن قال لكم أهل البيوت : ارجعوا عنها فارجعوا ولا تدخلوها { هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ } ، أي الرجوع أزكى لكم : أي أطهر لكم عند الله . ثم قال : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } ، أي بما تعملون من رجوعكم إذا قيل لكم ارجعوا ، وطاعتكم لما أمركم به . ثم قال : { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } ، أي ليس عليكم إثم أن تدخلوا بيوتاً لا يسكنها أحد بغير استئذان . قال محمد بن الحنفية : هي الخانات التي تكون في الطرق ، والخانات : الفنادق . وقال قتادة : هي الخانات وبيوت أهل الأسفار . وقال الضحاك : هي البيوت التي تكون في الطرق والخربة . وقوله : { فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } ، أي منفعة للمسافرين في الشتاء والصيف يأوي إليها . وعن ابن الحنفية : أنها بيوت مكة . وقال ابن جريج : سمعت عطاء يقول : هي الخرب ، ومعنى { فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } ، يعني الخلاء ، والبول ، والاستتار فيها . وقال ابن زيد : هي بيوت التجار فيها أمتعة الناس يعني الحوانيت والتي في القياسير . وتحقيق الآية : لا حرج على من دخل بيتاً لا ساكن له ، ولا دافع عنه من غير أن يستأذن ، فبيوت التجار مملوكة لهم لا يحسن دخولها إلا بإذنهم إلا أن يكون قد علم منهم أنهم إنما فتحوها ليدخل عليهم فلا يستأذن ، لأن فعلهم كالإذن . ثم قال : { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ } ، أي ما تظهرون من الاستئذان على أهل البيوت المسكونة { وَمَا تَكْتُمُونَ } ، أي ما تضمرون في صدوركم عند فعلكم ذلك ؛ أطاعة الله تريدون أو غير ذلك . ثم قال تعالى : { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ } ، أي يكفوا عن نظر ما لا يحل لهم والنظر إليه { وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } ، أن يراها من لا يحل له أن يراها . أي يلبسوا ما يسترها عن أبصارهم . وقيل لا يستمتعون إلا لمن يحل لهم من زوجة أو ملك يمين . ولما كان استعمال الفرج فيما لا يحل منهياً عنه ، لم تدخل " من " فلم يقل ويحفظوا من فروجهم ، ولما كانت النظرة الأولى لا تملك ، قال : { مِنْ أَبْصَارِهِمْ } فدخلت " من " للتبعيض . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن من خير عين تنشر يوم القيامة عين رجل من بني إسرائيل ، بينما هو قائم يصلي نظر إلى امرأة بإحدى عينيه ، فهوى إلى الأرض فأخذ عوداً ففقأ به العين التي نظر بها إلى المرأة " . ثم قال : { ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ } ، أي حفظها ، وغض أبصارهم أطهر لهم عند الله ، { إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا / يَصْنَعُونَ } ، أي ذو خبر بما يصنعون مما أمركم به من غض البصر ، وحفظ الفرج . قال أبو العالية : كل فرج ذكر في القرآن فهو من الزنا إلا في هذه الآية ، يريد أنه إنما أمروا أن يستروا فروجهم لئلا يراها من لا يحل له رؤيتها . ثم قال : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } ، يعني التستر . قال ابن عباس : يغضوا من أبصارهم عن سوآتهم . قال ابن زيد : يغض من بصره أن ينظر إلى ما لا يحل له ، إذا رأى ما لا يحل له ، غض بصره ، ولا ينظر إليه ، ولا يستطيع أحد أن يغض بصره كله ، إنما قال : " يغضوا من أبصارهم " ، يريد أن النظرة الأولى لا يقدر أحد أن يملكها ، فالنهي إنما وقع على النظرة بعد النظرة الأولى ، ولذلك قال : { مِنْ أَبْصَارِهِمْ } ولم يقل : يغضوا أبصارهم ؛ لأن النظرة الأولى لا يقدر على الكف عنها ، لأنها فجأة . قال بعض العلماء : حرم الله على المسلمين نصاً أن يدخلوا الحمام بغير مئزر . وأجمع المسلمون أن السوءتين عورة من الرجل ، وأن المرأة كلها عورة ، إلا وجهها ويديها ، فإنهم اختلفوا فيهما . وأكثر أهل العلم : على أن من سرة الرجل إلى ركبته عورة ، لا يجوز أن ترى . و " سأل جرير بن عبد الله النبي صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة ، فقال : اصرف بصرك ، لأنه لو لم يصرف بصره لكان تاركاً لما أمره الله به ، ناظراً اختياراً " . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه قال لعلي بن أبي طالب يا علي : إن لك كنزاً في الجنة ، وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة ، فإنما لك الأولى ، وليست لك الآخرة " . وروي عن أم سلمة : زوج النبي عليه السلام : أنها قالت : " استأذن ابن أم مكثوم ، وأنا وعائشة عند النبي عليه السلام ، فقال لنا : احتجبن فقلنا : أو ليس بأعمى لا يبصرنا ، فقال : أفَعَمْيَاوَانِ أنتما " . قال أبو محمد : وهذه الآية تضمنت خمسة وعشرين ضميراً بين مرفوع ومخفوض ، كلها تعود على المؤمنات ، أولها الضمير المرفوع في { يَغْضُضْنَ } وآخرها الضمير المخفوض في قوله تعالى : { مِن زِينَتِهِنَّ } ولا أعلم لهذه الآية نظيراً في القرآن في كثرة ضمائرها فاعلمه . ثم قال : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } ، أي ولا يظهرن لمن ليس بذي محرم زينتهن في بيوتهن ، كالخلخال ، والسوارين ، والقُرْطِ ، والقلادة . ثم قال : { إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } . قال ابن مسعود : هي زينة الثياب ، وكذلك قال النخعي ، والحسن . وقال ابن عباس : هو الكحل ، والخاتم . وقال ابن جبير : هو الوجه والكف . وقال عطاء : الكفان والوجه . وقال قتادة : الكحل ، والسوار ، والخاتم . وعن ابن عباس أنه قال : الزينة الظاهرة الوجه ، وكحل العين ، وخضاب الكف ، والخاتم ، قال : فهذا ما تظهر في بيتها لمن دخل عليها من الناس . وقالت عائشة رضي الله عنها : هو القُلْبُ والفَتْحَة ، يعني السوار والخاتم . وقيل : الفتحة حَلَقٌ من فضة ، تجعلها النساء في أصابعهن . وقول من قال : هو الوجه والكفان أحسنها ، لأن العلماء قد أجمعوا أن للمرأة أن تكشف وجهها ، وكفيها في صلاتها ، وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه أباح لها أن تبدي من ذراعيها إلى قرب النصف ، فالكحل ، والخاتم ، والخضاب ، والبنان داخل تحت هذا ، فإذا كان لها ذلك مباحاً في الصلاة علم أنها ليس بعورة ، وإذا لم يكن عورة جاز لها إظهاره ، كما أن ما ليس بعورة من الرجل جائز له إظهاره ، فيكون هذا مما استثناه الله جل ذكره . ثم قال تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } ، أي وليلقين خمرهن ، وهو جمع خمار على جيوبهن ، ليسترن شعورهن وأعناقهن . ثم قال تعالى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ } ، وما بعد ذلك من القرابة ، يعني الزينة التي هي غير ظاهرة كالخلخال والدملج والقرط ، وما أمرت أن تغطيه بخمارها من فوق الجيب ، وما وراء ما أبيح لها كشفه وإبرازه في الصلاة للأجنبيين من الناس ، من الذراعين إلى ما فوق ذلك / . وقال قتادة : يبدين لهؤلاء الرأس . قال ابن عباس : الذي يبدين لهؤلاء هو قرطاها ، وقلادتها وسوارها ، وأما خلخالاها ومعضداها ، ونحرها وشعرها ، فإنه لا تبديه إلا لزوجها . وقال ابن مسعود : أي هو الطوق والقرطان . وقيل : معنى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } ، أي ليغط شعرها وصدرها وتوائبها ، وكلما زين وجهها ، ومعنى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ } ، ومن بعدهم أي لا يضعن جلابيبهن ، وهي المقانع التي فوق الخمار ، إلا لهؤلاء المذكورين . وقوله : { أَوْ نِسَآئِهِنَّ } يعني بذلك نساء المسلمين ، يعني المؤمنات منهن . قاله ابن جريج ، قال : ولا يحل لمسلمة أن تري مشركة عورتها ، إلا أن تكون لها ، فذلك قوله : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } ، وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة ابن الجراح رضي الله عنهما " أما بعد فإنه بلغني ، أن نساء يدخلن الحمامات ، معهن نساء أهل الكتاب ، فامنع ذلك وحل دونه " ، ثم إن أبا عبيدة قام في ذلك المقام متبتلاً ، فقال : اللهم أيما امرأة تدخل الحمام من غير علة ، ولا سقم ، تريد البياض لزوجها ، فسود وجهها يوم تبيض الوجوه . وقوله تعالى ذكره : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } ، يعني المماليك ، لها أن تبدي له من الزينة ، ما تبدي لغيره من ذوي المحارم ، وهو قول عائشة وأم سلمة جعلتا العبد بمنزلة ذي المحرم في هذه الآية ، فلا يحل له أن يتزوج سيدته ، وهو في ملكها ، لأنه ما دام مملوكاً فهو بمنزلة ( ذوي المحارم ) ، وهذا هو قوله : { لِيَسْتَأْذِنكُمُ ٱلَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ وَٱلَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ ٱلْحُلُمَ مِنكُمْ } [ النور : 58 ] . وقيل : إنه ليس للعبد أن يرى منها إلا ما يرى الأجنبي . قال ابن عباس : لا ينظر عبدها إلى شعرها ولا إلى نحرها وهو مذهب : ابن مسعود ، ومجاهد ، وعطاء ، فأما الخلخالان عند ابن عباس فلا ينظر إليه إلا الزوج ، فيكون التقدير على هذا القول الثاني : أو ما ملكت أيمانهن غير أولي الإربة أو التابعين غير أولي الإربة ثم حذف . وقيل : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } ، إنما هو للإماء خاصة . قال ذلك ابن المسيب . وقيل : للصغار خاصة . وقوله : { أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ } ، أي والذين يتبعونكم لطعام يأكلونه عندكم ممن لا أرب له في النساء من الرجال . قال قتادة : " هو الرجل يتبعك ليصيب من طعامك " . وقال ابن عباس : هو الأحمق الذي لا حاجة له في النساء ، وقاله الزهري . قال مجاهد : هو الذي يريد الطعام ولا يريد النساء ، ولا يهمه إلا بطنه ولا يخاف منه على النساء . وقالت عائشة رضي الله عنها : " كان رجل يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة ، فدخل عليه النبي يوماً ، وهو عند بعض نسائه ، وهو ينعت امرأة ، فقال : إنها إذا أقبلتْ ، أقبلتْ بأربع ، وإذا أدبرتْ أدبرتْ بثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأرى هذا يعلم ما ها هنا ، لا يدخلن عليكم فحجبوه " . وقال عكرمة : " غير أولي الإربة " ، هو المخنث ، الذي لا يقوم له : يريد العنين . وقيل : هو الشيخ الهرم ، والخنتى ، والمعتوه ، والطفل ، والعنّين . والإربة والأرب : الحاجة . ومن نصب غيراً نصبه على الحال . وقيل : على الاستثناء ، ومن خفضه جعله نعتاً للتابعين . وقوله : { أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ } ، أي الذين لم يكشفوا عن عورات النساء لجماعهن فتطلعوا عليها . قال مجاهد : الذين لم يدروا ما هي من الصغر قبل الحلم ، وقيل : لم يظهروا : لم يطيقوا ذلك ، كما يقال : ظهر فلان على فلان : أي قدر عليه وغلبه . والطفل هنا بمعنى الأطفال ، دل على ذلك نعته بالذين . ثم قال تعالى : { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ } ، أي لا يجعلن في أرجلهن من الحلي ما إذا مشين أو حركنهن علم الناس ما يخفين من ذلك . قال ابن عباس : هو أن تقرع الخلخال بالآخر عند الرجال أو يكون في رجليها خلاخل فتحركهن عند الرجال / فنهى الله جل ثناؤه عن ذلك لأنه من عمل الشيطان . وقال السدي : عن أبي مالك : كانت المرأة تلبس في رجليها الخلاخل ، وتمر على المجلس ، فتضرب برجليها ليسمع صوت خلاخلها ، فنزلت هذه الآية في ذلك . وعن ابن عباس أنه قال : لا تضرب إحدى رجليها بالأخرى ليقرع الخلخال الخلخال فيظهر صوته . ثم قال : { وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } ، أي ارجعوا إلى طاعة الله فيما أمركم به ونهاكم عنه من غض البصر ، وحفظ الفرج ، وترك دخول بيوت غيركم إلا بعد الاستئذان ، وغير ذلك من أمره ونهيه . { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } أي لعلكم تدركون طلباتكم عنده بالنجاة والبقاء في النعيم . روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الندم على الدنيا توبة " . وروى ابن مسعود : أن النبي عليه السلام قال : " لله أفرح بتوبة عبده إذا تاب إليه من رجل ضلت منه راحلته بداوية قفر عليها طعامه وشرابه ، فطلبها حتى إذا جهده الطلب ، قال : أرجع فأموت في موضع رحلي ، فجاء موضع رحله فوضع رأسه فبينما هو كذلك ، إذا هو براحلته عليها طعامه ، وشرابه عند رأسه " .