Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 60-61)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَٱلْقَوَاعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّلاَتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً } إلى قوله : { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ، أي : واللواتي قعدن من النساء عن التزويج وعن الولد من الكبر ، ولا يرجون نكاحاً ، ولا يرغب في نكاح مثلهن ، فلا إثم عليهن ، أن يضعن القناع الذي يكون فوق الخمار ، والرداء عند أولي المحارم من الرجال غير متبرجات بزينة . خفف الله تعالى عنهن في وضع ثيابهن ، إذ لا يرغب في النظر إليهن الرجال ، ولا في نكاحهن ، والنظر إلى شعورهن وما هو عورة منهن ، لا يجوز لأحد فعله بمثل الشابة . وإنما خفف الله تعالى ذلك عنها ولم يبح للرجال النظر إلى شيء من عوراتهن من شعر وغيره ، وإن كن لا يرغب في نكاحهن . واحدتهن قاعد بغير هاء وحذفت الهاء عند البصريين على النسبة . وقال الكوفيون : لما كان لا يقع إلا لمؤنث حذفت الهاء . وقيل : حذفت منه الهاء ليفرق بينه وبين القاعدة التي هي الجالسة . وقوله تعالى : { وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ } ، أي : ألا يضعن ذلك خير لهن . وقال مجاهد : معناه : أن يلبسن جلابيبهن فلا يضعنه خير لهن . { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } ، أي : يسمع ما تنطق ألسنتهم عليم بما تضمره صدورهم . ثم قال : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } ، الآية . هذه الآية نزلت ترخيصاً للمسلمين أن يأكلوا مع العميان والعرج / والمرضى ، وأن يأكلوا في بيوت غيرهم ، وعلى بمعنى " في " وذلك أنهم تحرجوا من ذلك لما نزلت { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } ، قاله ابن عباس . وقال الضحاك : كان أهل المدينة قبل النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالطهم في طعامهم أعمى ، ولا أعرج ، ولا مريض على طريق التقزز . وقيل : على طريق التحرج . لأن المريض لا يستوفي الطعام كما يستوفي الصحيح ، والأعرج المحتبس لا يستطيع المزاحمة على الطعام ، والأعمى لا يبصر طيب الطعام ، فأنزل الله تعالى إباحة ذلك في هذه الآية . وقيل : نزلت ترخيصاً لأهل الزمانة في الأكل من بيوت من سمى الله في هذه الآية . لأن قوماً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا إذا لم يكن عندهم في بيوتهم ما يطعمونهم ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو بعض من سمى الله ، وكان أهل الزمانة يتحرجون أن يطعموا ذلك الطعام ، قال ذلك مجاهد . وقيل : نزلت ترخيصاً لأهل الزمانة أن يأكلوا من بيوت من خلفهم في بيوته من الغزاة . وكان الغزاة يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون : قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا ، فكانوا يتحرجون من ذلك . قاله الزهري . وقيل : بل عني بذلك الجهاد ، أي لا إثم عليهم في التخلف عن الجهاد . ثم ابتدأ كلاماً آخر فقال : { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } ، قاله ابن زيد . وقيل : إنها منسوخة بقوله تعالى : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ } [ النور : 27 ] ، فإذا فرض عليهم ألا يدخلوا حتى يستأذنوا ، فالدخول والأكل آكد ألا يفعل إلا بعد إذن ، ولا يأكل حتى يدخل ، وقد فرض عليه ألا يدخل إذا لم يجد فيها أحداً ، فالأكل ممتنع لامتناع الدخول فهو ناسخ له . قال ابن زيد في قوله تعالى : { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ } ، الآية . هذا شيء قد انقطع ونسخ ؛ إنما كان هذا في أول الإسلام ، ولم تكن لهم أبواب ، وكانت الستور مرخاة ، فربما دخل الرجل البيت ولا أحد فيه ، وهو جائع فيجد طعاماً فسوغه الله أن يأكله ، وقد ذهب ذلك ، اليوم البيوت فيها أهلها وإذا خرجوا أغلقوها ولا يحل لأحد أن يفتح باب أحد ، فليأكل متاعه بإجماع . وأكثر أهل النظر على أن الآية منسوخة بقوله : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } [ البقرة : 188 ] ، وبقوله : { لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ } [ الأحزاب : 53 ] وبقول النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه " . وقيل : نزلت ترخيصاً لمن كان يتقي مؤاكلة الزمنى . فالآية على قول ابن زيد : منسوخة ، وهي ناسخة لتحرجهم عن الأكل مع الزمنى على قول ابن عباس المتقدم ، وهو قول جماعة من أهل العلم . وقوله { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ } ، يعني وكيل الرجل وقيِّمه في ضيعته أنه لا بأس أن يأكل من الثمر ونحوه . قاله ابن عباس . قال أبو عبيد : هذا كله إنما هو بعد الإذن لأن الناس توقفوا أن يأكلوا لأحد شيئاً بإذن أو بغير إذن لما نزلت : { وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَاطِلِ } [ البقرة : 188 ] . وقيل : عني به منزل الرجل نفسه . أنه لا بأس عليه أن يأكل منه . وقال مجاهد : يعني خزائن الرجل ومتاعه . وقرأ قتادة : { مَّفَاتِحهُ } وهي لغة ، ومفتح أكثر من مفتاح والمفتح : الخزانة . وقرأ ابن جبير : { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ } ، على من لم يسم فاعله ، ومعنى { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } ، ولا عليكم أيها الناس . ولما اجتمع مخاطب وغير مخاطب غلب المخاطب . فقوله { تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } ، وما بعده من المخاطبة ، يراد به جميع من ذكر من الأعمى ، والأعرج ، والمريض ، وأصحاب البيوت . وقوله : { أَوْ صَدِيقِكُمْ } ، قال قتادة : فلو أكلت من بيت صديقك من غير أمره لم يكن بذلك بأس . وقوله : { أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ } ، وما بعده ، ولم يذكر بيوت الأبناء يدل على أن بيت الابن داخل في بيت الرجل ، فهو داخل في قوله : { أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } ، فبيت ابن الرجل مثل بيته ، فدل ذلك على صحة قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنت ومالك لأبيك " . فمال ابن الرجل كمال الرجل ، إلا ما أحكمته السنة في غير المأكول في بيت الإبن ، وهذه الآية تدل على أن / للرجل أن يأكل من بيت ابنه بغير إذنه ، كما يأكل من بيته نفسه ، لأن له أن يأخذ ماله ويستحل كسبه ، وهو غني عن ذلك ، فإن كان الأب فقيراً ، فليس له على الابن إلا ما أحكمته السنة من النفقة بالمعروف . ثم قال : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } ، أي إثم وحرج أن تأكلوا جميعاً أي مع الفقراء والزمنى { أَوْ أَشْتَاتاً } أي متفرقين ، وأشتاتاً نصب على الحال ، وكذلك جميعاً . قال ابن عباس : كان الرجل الغني يدخل على الفقير ، من ذوي قرابته وصداقته فيدعوه إلى الطعام ، فيتحرج أن يأكل معه ، لأنه فقير ، فأمروا أن يأكلوا جميعاً أو أشتاتاً . وقيل : عني بذلك حي من العرب ، كان لا يأكل أحدهم شيئاً وحده ، ولا يأكل إلا مع غيره ، فأذن الله أن يأكل من شاء منهم وحده ، ومن شاء مع غيره . وعن ابن عباس أيضاً قال : كانوا يأنفون أن يأكل الرجل وحده حتى يكون معه غيره ، فرخص الله لهم في ذلك . وقال ابن جريج : كانت بنو كنانة يستحي الرجل منهم أن يأكل وحده ، حتى نزلت الآية . وقال الضحاك : كانوا لا يأكلون متفرقين ديناً لهم فأنزل الله إباحة ذلك . وقيل : عني به قوم من الأنصار . كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم فرخص الله لهم أن يأكلوا كيف شاءوا . روي في ذلك عن أبي صالح وعكرمة . وروى مطرف عن مالك عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب : أنه كان يقول في هذه الآية : إنها نزلت في ناس كانوا إذا خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه وضعوا مفاتيح بيوتهم عند الأعمى ، والأعرج ، والمريض ، وعند أقاربهم ، وكانوا يأمرونهم أن يأكلوا مما في بيوتهم ، إذا احتاجوا إلى ذلك ، فكانوا يتقون أن يأكلوا منها ، ويقولون : نخشى ألا تكون أنفسهم طيبة بذلك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية أباح لهم الأكل منها . وقوله : { مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ } ، ولم يذكر الأبناء ، يدل على أن بيت الابن بيت الأب مع قول النبي صلى الله عليه وسلم " أنت ومالك لأبيك " ، ولما كانت بيوت الأب لا يملكها الابن قال : { أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ } ، لو كان يملكها لكانت كبيته وبيت أبيه . وقوله عن أم مريم : { إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً } [ آل عمران : 35 ] يدل على أن الرجل يملك أمر ابنه وماله حتى يبلغ ، إذ لم تنذر أم مريم إلا فيما تملك ، فإذا بلغ الولد فعل بنفسه ما شاء بالإجماع على ذلك . ثم قال تعالى : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } ، أي يسلم بعضكم على بعض ، أي سلموا على أهليكم وعيالكم . قال عمرو بن دينار : فإن لم يكن في البيت أحد فقل السلام على النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، السلام على أهل البيت ورحمة الله . وقال ابن عباس : يقول إذا لم يكن في البيت أحد : السلام علينا من ربنا . وعن ابن عباس أنه : عني به المساجد تسلم إذا دخلت فإن لم يكن فيها أحد قلت : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . وقال النخعي : إذا لم يكن في المسجد أحد فقل : السلام على رسول الله ، وإذا لم يكن في البيت أحد ، فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين . وقال الحسن معناه : إذا دخلتم بيوتاً من بيوت المسلمين فليسلم بعضكم على بعض . وقيل معناه : إذا دخلتم بيوتاً لا أحد فيها : فسلموا على أنفسكم . وقوله : { تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ } ، أي ليحيي بعضكم بعضاً ، والتحية البركة ، ويكون في غير هذا الملك نعتت بطيبة لأن سامعها يستطيب سماعها . ثم قال تعالى : { كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَٰتِ } ، أي هكذا يفصل لكم معالم دينكم ، لعلكم تعقلون عنه أمره ، ونهيه ، وأدبه .