Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 169-170)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } . معناها : ولا تظنن أن من قتل بأحد من أصحابكم أمواتاً لا يلتذون ، ولا يحسون شيئاً بل هم أحياء بما آتاهم الله من فضله مستبشرين بثوابه وعطائه . وقال ابن عباس رضي الله عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " " لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش معلقة يجاوب بعضها بعضاً بصوت لم تسمع الخلائق مثله يقولون : ليت إخواننا الذين خلفنا من بعدنا عملوا مثل الذي عملنا ، فيسارعوا إلى مثل الذي سارعنا فيه ، فإنا قد لقينا ربنا ، فرضي عنا ، وأرضانا ، فوعدهم الله عز وجل ليخبرن نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك ، فيخبرهم فأنزل الله { وَلاَ تَحْسَبَنَّ } الآية " وقيل : إنهم لما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ، ولا ينكلوا عن الحرب قال الله تعالى : أنا أبلغكم عنكم ، فأنزل الله هؤلاء الآيات . " قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله رضي الله عنه وكان قد قتل أبوه عبد الله بأحد : " يا جابر ألا أبشرك أن أباك حيث أصيب بأحد أحياه الله فقال : ما تحب يا عبدالله بن عمر أن أفعل بك ؟ فقال : يا رب أحب أن تردني في الدنيا ، فأقاتل فيك فأقتل مرة أخرى " . ولما أتى جابر بن عبد الله رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم حزيناً قال له النبي صلى الله عليه وسلم : أتحزن على رجل نظر الله إليه كفاحاً ؟ ثم عاد فأقعده بين يديه فقال له : سلني ما شئت ؟ فقال : أسألك يا رب أن تعيدني إلى الدنيا حتى أقاتل في سبيلك فأقتل ، قالها ثلاثاً ، فقال له الله إني قضيت على نفسي ألا أرد خليقة قبضتها إلى الدنيا فقال أبو جابر : يا رب ، فمن يبلغ قومي ما صنعت بي فقال الله عز وجل : أنا أبلغ قومك ، فأنزل الله عز وجل { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ } الآية . ودفن عبد الله بن جابر يوم أحد مع عمرو بن الجموح بقبر واحد ، فروي أنهما أخرجا بعد خمسين سنة ، فإذا هما وطاب لم ينثنوا ولم يتغيروا ، ويد عبد الله على جرحه في وجهه إذا نزعت يده على وجهه يشخب الجرح دماً ، وإذا تركت رجعت إلى الجرح ، فحبست الدم ، ووجد عمرو بن الجموح ويده على رأسه إذا نزعت يشخب الجرح دماً ، وإذا تركت رجعت على الجرح . قال ابن مسعود رضي الله عنه : " أرواحهم في طير خضر تسرح في الجنة في أيتها شاءت ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش قال : بينما هم كذلك اطلع عليهم ربك اطلاعة فقال : سلوني ما شئتم ؟ فقالوا : يا ربنا ماذا نسألك " ونحن في الجنة نسرح في أيها شئنا ، فلما رأوا أنهم لم يتركوا من [ غير ] أن يسألوا قالوا : نسألك " أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا حتى نقتل في سبيلك . فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا ، تركوا " " . وقال قتادة : قال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : يا ليتنا نعلم ما فعل إخواننا الذين قتلوا يوم أحد ، فأنزل الله عز وجل { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ } الآية . قال الضحاك : [ كان ] المسلمون يسألون الله عز وجل يوماً كيوم بدر ، فيبلون فيه خيراً ، ويرزقون فيه الشهادة ، فلقوا المشركين يوم أحد فاتخذ الله منهم شهداء وهم الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ } الآيات . قيل معناه : { أَمْوَاتاً } أي : في دينهم بل هم أحياء كما قال : { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ } [ الأنعام : 122 ] . وروي : أن عبد الله بن عمرو أبا جابر رضي الله عنه قال لابنه جابر يوم أحد : يا بني كن مع أخواتك ، - وكن تسعاً - فلا ندري ما يكون ، فإن رزقت الشهادة كنت أنت معهن وإن سلمت رجوت أن يثيبك الله عز وجل ثواب من حضر ، واستشهد رحمه الله بأحد ، قوله : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ } أي : يفرحون بهم وبكونهم على الجهاد في ذات الله عز وجل ، وأنهم إن قتلوا نالوا من الكرامة مثلما نال هؤلاء . وقال ابن اسحاق : { وَيَسْتَبْشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم } أي : يفرحون بهم إذا لحقوهم على ما تركوهم عليه من جهاد عدوهم فهم شهداء مثلهم لا خوف عليهم ولا حزن . وروي أنهم يقول بعضهم لبعض : تركنا إخواننا فلاناً وفلاناً يقاتلون العدو ، فيقتلون إن شاء الله ، فيصيبون من الرزق والكرامة والأمن ما لنا .