Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 19-19)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ … } الآية . { بَغْياً بَيْنَهُمْ } منصوب بفعل دل عليه ( اختلف ) كأنه : اختلفوا بغياً بينهم ، وقال الأخفش : [ نصبه ] باختلف ، هذا الظاهر تقديره : ( وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغياً بينهم ) . وهو حال عند الجميع . وقيل : مفعول من أجله . ومن كسر إن فعلى الابتداء ، ومن فتح رده على شهداء أي : ويشهد بأن الدين . وقال ابن كيسان : إن الثانية بدل من الأولى ، لأن الإسلام تفسير بمعنى [ الدين ] الذي هو التوحيد . وعن ابن عباس : شهد الله إنه ، بالكسر فجعله خبراً وتفتح أن الدين برفع الشهادة عليها . وقد ألزم من قرأ بالفتح في أن الدين أن يقرأ : أن الدين عنده الإسلام ، لأن الإظهار يستغنى عنه ، وقد منع النحويون : شهدت أن زيداً عالم ، وأن زيداً بصير ، والثاني هو الأول . وقال المحتج للكسائي : وقع الإظهار هنا للتعظيم والتفخيم كما قال : لا أرى الموت يسبق الموت ( شيء ) . على التعظيم للموت . والذي هو أحسن من هذا ، أن النحويين إنما منعوا الإظهار [ فيما يمكن أن يتوهم أن الثاني غير الأول فيخاف الالتباس عند الإظهار ] ، والآية لا يمكن ذلك فيها ، لأن هذا الاسم ليس هو إلا لواحد لم يتسم به غيره ، لا إله إلا هو ، فإظهاره مرة بعد مرة لا يوهم أن الثاني غير الأول ، وإظهار زيد مرة [ بعد مرة ] يوهم أن الثاني غير الأول . فليست الآية تشبه ما يقع في الكلام من الإظهار بعد الإظهار ، إذ زيد وغيره يصلح لكل أحد ، وأما الموت فإنما ظهر في الثاني لأنه لا لبس فيه ، إذ ليس ثم غير موت واحد ، فليس يتوهم أن الثاني غير الأول وفي الإظهار مع زوال الالتباس معنى التعظيم والتفخيم كما تقدم . والدين : الطاعة ومعنى الإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله ، والإقرار بما جاء من عند الله . وأصل الإسلام : الخشوع والانقياد . وروى ابن عمر عن النبي عليه السلام أنه قال : " بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان " . وفي هذه الآية دلالة على ضعف قول من يفرق بين الإسلام والإيمان ، ويجعل الإيمان أفضل من الإسلام ، إذ أخبر الله جل ذكره { إِنَّ الدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } فهو الإيمان بعينه ، إذ لا يرضى الله من خلقه بما هو أدون ، ويدل على ذلك قوله : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [ آل عمران : 85 ] . فالإسلام : هو الإيمان إذا استوى الباطن والظاهر ، فإن خالف الظاهر الباطن فيهما فليسا بدين يتقبله الله ، نحو قوله : { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } [ الحجرات : 14 ] ونحو قوله { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } [ البقرة : 8 ] لم يحصلوا على شيء لما خالف باطنهم ظاهرهم . وقد قيل : " إن الإسلام أعم من الإيمان ، لأن الإيمان ما صدق به الباطن ، والإسلام ما صدق به الباطن ونطق به الظاهر . ومعنى { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } أي : الإنجيل ، وهم النصارى الذين اختلفوا في محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : في عيسى للبغي من بعدما جاءهم العلم ، فعلوا ذلك طلباً للرياسة والدنيا ، قوله : { سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي : أحصى كل شيء بلا معاناة ولا عدد . وقال الربيع : { ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ } هم اليهود ، و { ٱلْكِتَابَ } : التوراة ، وذلك أن موسى على نبينا وعليه السلام ، لما حضرته الوفاة دعا سبعين حَبْراً من أحبار " بني إسرائيل ، فاستودعهم التوراة ، واستخلف عليهم يوشع بن نون ، فلما مضت ثلاثة قرون بعد موسى صلى الله عليه وسلم وقعت الفرقة والاختلاف بين أبناء أولئك السبعين تنافساً في الدنيا ، وطلباً للملك والرياسة .