Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 71-88)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : تعالى ذكره : { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ } ، إلى آخر السورة - أي ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون حين قال ربك للملائكة { إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ } ، يعني بذلك خلق آدم صلى الله عليه وسلم . ثم قال : { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } ، أي : سويت خلقه وصورته ونفخت فيه من روحي ، قال الضحاك : من روحي : من قدرتي . والأحسن في هذا وما جانسه أن يقال : إنه تعالى أضاف الروح إلى نفسه لأنه إضافة ( خلق إلى خالق ) . فالروح خلق الله أضافه إلى نفسه ، على إضافة الخلق إلى الخالق ، كما يقال : { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ } [ لقمان : 11 ] و { أَرْضُ ٱللَّهِ } [ النساء : 97 ] و " سماء الله " ، وشبهه كثير في القرآن ، فهو كله على هذا المعنى . هذا قول أهل النظر والتحقيق فافهمه . قوله : { فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } ، أي : خروا له سجوداً . { فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } ، يعني : ملائكة السماوات والأرض . { إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ } ، أي : تعاظم وتكبَّر عن السجود . { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } ، أي : ممن كفر في علم الله السابق ، قاله ابن عباس . ثم قال : { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } ، أي : قال الله عز وجل لإبليس : ( يا إبليس ) ، أي : شيء منعك من السجود لآدم الذي خلقته بيدي . قال ابن عمر : خلق الله أربعة بيده : العرش وعدن والقلم وآدم ، ثم قال لكل شيء كن فكان . والذي عليه أهل العلم والمعرفة بالله أن ذكر اليد وإضافتها إلى الله سبحانه ليست على جهة الجارحة ، تعالى الله عن ذلك ، ليس كمثله شيء . وذكر اليد في مثل هذا وغيره صفة من صفات الله لا جارحة . وقد اختلف في الترجمة عن ذلك : فقيل : معناه : لما خلقت بقدرتي . وقيل : بقوتي . وقيل : معناه : لما خلقته . وذكر اليدين تأكيد ، والعرب إذا أضافت الفعل إلى الرجل ذكروا اليدين . تقول لمن جنى : هذا ما جنيته ، وهذا ما جنته يداك . وقد قال الله عز وجل : { فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [ الشورى : 30 ] بمعنى : بما كسبتم . ( فيضاف الفعل إلى اليد والمراد صاحب اليد ) . وإنما خُصَّتِ اليد بذلك لأن بها يبطش وبها يتناول . فجرى ذلك على عادة العرب . وقوله : { أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } ، أي : أتعاظمت عن السجود لآدم أم كنت ذا علو وتكبر على ربك سبحانه ومعنى الكلام التوبيخ . قال ابن عباس : كان إبليس من أشراف الملائكة وكان خازن الجنان ، وكان أميناً على السماء الدنيا والأرض ومن فيها ، فأعجبته نفسه ورأى أن له فضلاً على الملائكة ، ولم يعلم بذلك أحد إلا الله عز وجل يعني : علمه في سابق علمه قبل خلقه للأشياء ، وعلمه متى يكون ، وعلمه وقت حدوثه في نفس إبليس . فلما أمر الله عز وجل الملائكة بالسجود لآدم امتنع وتكبر . ثم قال تعالى حكاية عن قول إبليس : { أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } ، أي : لم أترك السجود استكباراً عليك ، ولكن تركته لأني أفضل منه وأشرف ، إذْ خَلْقِي من نار وخَلْقُه من طين ، والنار تأكل الطين . وهذا كله تقريع من الله جل ذكره وتوبيخ للمشركين إذ أبوا الانقياد والإذعان لما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم واستكبروا عن أن يكونوا تَبَعاً له ، فأعلمهم الله عز وجل قصة إبليس وهلاكه باستكباره وترك إذعانه لآدم . ثم قال تعالى : { قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } ، أي : أخرج من الجنة فإنك مرجوم ، أي ملعون ، وقيل : مرجوم بالكواكب والشعب . { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } ، / أي : عليك إبعادي لك وطردي لك من الرحمة ومن الجنة إلى يوم يُدَانُ الناس بأعمالهم . { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } ، أي : قال : إبليس : يا رب أخِّرْنِي وَلاَ تَهْلِكني إلى يَوْم بعث خلقك من قبورهم . قال الله : { فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } ، أي : من المؤخرين { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } ، فأخره الله عز وجل إلى وقت هلاكه وهو يوم يموت جميع الخلق ولم يؤخر إلى وقت بعث الخلق كما سأل . فأخره الله سبحانه تهاوناً له لأنه لا يضل إلا من تقدم في علم الله ضلاله . ثم قال تعالى حكاية عن قول إبليس : { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } ، أي : قال إبليس : فبقدرتك وسلطانك ، لأضلنهم باستدعائي إياهم إلى المعاصي . { أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } ، أي : إلا عبادك الذين أخلصتهم لعبادتك وطاعتك ، فلا سبيل لي إليهم . ومن كسر اللام ، فمعناه : إلا عبادك الذين أخلصوا دينهم لك . ثم قال تعالى : { قَالَ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ } ، أي : قال الله : فاتبعوا الحق ، ( أو : فاستمعوا ) الحق . فهو مفعول به . ونصب " والحق أقول " على إعمال " أقول " ، أي : وأقول الحق وقيل : نصبه على معنى : أحق الحق . وأجاز الفراء وأبو عبيد أن ينتصب على إعمال " لأملأن " ، كأنه قال : لأملأن جهنم حقا . ومنعه غيرهما لأن ما بعد اللام لا يعمل فيها قبلها ، ولا يجوز عند أحد : زَيْداً لأَضْرِبَنَّ . ومن رفع " فالحقُ " فعلى الابتداء ، والخبر محذوف ، أي : فالحق مني . أو على إضمار مبتدأ ، أي : فأنا الحق . ويجوز أن يكون خبره " لأملأن " . وأجاز الفراء " فالحقِّ " بالخفض على حذف حرف القسم كما تقول : الله لأفعلن ، وأجازه سيبويه ، وقيل : الفاء بدل من حرف القسم ، قال مجاهد : معناه : أنا الحق والحق أقول . وقال ابن جريج : الحق مني والحق أقول . وقال السدي : " هو قسم أقسم الله به " . { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ } ، أي : من نفسك ومن ذريتك ، وممن تبعك من بني آدم كلهم . ثم قال تعالى : { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } ، أي : قل يا محمد لمشركي قومك : ما أسألكم على ما جئتكم به من القرآن ثواباً وجزاءً . { وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } ، أي : ممن يتكلف القول من عند نفسه ويتخرصه . { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } ، أي : ما هذا القرآن الذي جئتكم به من عند الله إلا ذكر من الله يتذكر به جميع الخلق من الجن والإنس . { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } ، أي : ولتعلمن يا قريش وغيرهم من المشركين خبر هذا القرآن وحقيقته وما فيه من الوعد والوعيد يوم القيامة . قال ابن زيد : نَبَأَهُ ، أي : صِدقَ ما جئتكم به من القرآن والنبوة . قال قتادة : بعد حين : " بعد الموت " . قال الحسن : " ابن آدم ، عند الموت يأتيك الخبر اليقين " ، وعن السدي : بعد حين : يوم بدر ، قال ابن زيد : بعد حين : " يوم القيامة " .