Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 39, Ayat: 22-28)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } - إلى قوله - { لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . في هذه الآية حذف واختصار لدلالة الكلام عليه على مذاهب العرب . والتقدير : أفمن شرح الله صدره فاهتدى ، كمن طبع على قلبه فلم يهتد لقسوته . ثم بيّن ذلك بقوله : { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } ، أي : عن ذكر الله عز وجل فلا يثبت ذكر الله سبحانه فيها . وقيل : الجواب والخبر : { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } . وقوله : { فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } معناه : على بصيرة ويقين من توحيد ربه . ويروى أن قوله : { أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } نزلت في حمزة وعليّ رضي الله عنهما . وقوله : { فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ } نزلت في أبي لهب وولده قال قتادة : { فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } ، يعني به : كتاب الله عز وجل ، المؤمن به يأخذ وإليه ينتهي . " وروي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالو له : " أَوَ يَنْشَرِحُ القَلْبُ " ! ؟ قال : نَعَمْ . إذاَ أَدْخَلَ الله فِيهِ النُّورَ انْشَرَحَ وَانْفَسَحَ . قالوا : فَهَلْ لِذَلِكَ مِنْ عَلاَمَةٍ تُعْرَف ؟ قال : نَعَمْ ، التَّجَافي عَنْ دَارِ الغُروُرِ ، وَالإِنَابَةِ إِلَى دَارِ الخُلُودِ وَالاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ قَبْلَ المَوْتِ " . قال المبرد ، يقال : ( قسا وعتا ) إذا صلب ، وقلب قاس لا يلين ولا يرق . فالمعنى : فويل للذين جَفَتْ قلوبهم عن قبول ذكر الله عز وجل وهو القرآن فلم يؤمنوا به ولا صدّقوه . قال الطبري : " مِنْ " هنا ، بمعنى : " عن " ، أي : عن ذكر الله . فيكون المعنى : غلظت قلوبهم وصلبت عن قبول ذكر الله . وقيل : " من " على بابها . والمعنى : كلما تلي عليهم من ذكر الله قست قلوبهم . ثم بين حالهم فقال : { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ، أي : في ضلال عن الحق ظاهر . ومن جعل جواب : { أَفَمَن شَرَحَ } محذوفاً وقف على { نُورٍ مِّن رَّبِّهِ } . ومن جعل الجواب : { أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ } لم يقف عليه . ثم قال : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ } ، أي : يشبه بعضه بعضاً لا اختلاف فيه ولا تضاد ، هذا قول قتادة والسدي . وقال ابن جبير : يشبه بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضاً ويدل بعضه على بعض . وقوله : { مَّثَانِيَ } معناه : ثنى فيه الأخبار والقصص والأحكام والحجج . وقال الحسن وعكرمة : " ثنى الله عز وجل فيه القضاء " . وقال قتادة : ثنى الله فيه ذكر الفرائض والقضاء والحدود . وقال ابن عباس : ثنى الله عز وجل ( الأمر فيه ) مراراً . وقيل : مثاني : ثنى فيه ذكر العقاب والثواب والقصص . وقيل : المثاني ، كل سورة فيها أقل من مائة آية أي : ثنى في الصلاة . ثم قال تعالى : { تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } ، أي : تقشعر من سماعه إذا تلي وذكر فيه العذاب والعقاب خوفاً وحذراً . وقوله : { رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ } ، أي : إلى العمل بما في كتاب الله عز وجل والتصديق به . وقيل : تلين إلى ذكر الثواب والرحمة والمغفرة ، وتقشعر إلى ذكر ( العقاب والعذاب ) . روى ابن عباس أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : يا رسول الله ، لو حدثتنا . فنزلت : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ } الآية . ثم قال تعالى : { ذَلِكَ هُدَى ٱللَّهِ } ، أي : ما يصيب هؤلاء القوم من اقشعرار جلودهم عند سماع العقاب ولينها عند سماع الثواب هو هدى الله / وفقهم لذلك . { يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ } ، أي : يهدي بالقرآن من يشاء . وقيل : ذلك هدى الله إشارة إلى القرآن ، فيكون المعنى : ذلك القرآن بيان الله يوفق به من يشاء . ثم قال تعالى : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } ، أي : من يخذل الله عن التوفيق فما له من موفق . وقوله : ( مثاني ) وقف إن قطعت " تقشعر " مما قبله . وإن جعلته نعتاً " للكتاب " لم يجز الوقف على " مثاني " . ثم قال تعالى : { أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } " من " بمعنى " الذي " مرفوعة بالابتداء والخبر محذوف . والتقدير عند الأخفش : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب أفضل ، أم من يتقيه . وقيل : التقدير : أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب خير أم من ينعم في الجنان . وقيل : التقدير : كمن يدخل الجنة ، وقيل : التقدير : كمن هداه الله فأدخله الجنة ، وقيل : التقدير : كمن لا يصيبه العذاب . وهذه المعاني كلها قريب بعضها من بعض وإن اختلفت الألفاظ . ( وقيل معنى ) الآية : أفمن يرمى به مكبوباً على وجهه في جهنم . قال مجاهد : " يجر على وجهه في النار " . وقيل : المعنى : إنه ينطلق به إلى النار مكتوفاً ثم يرمى به فيها . فأول ما تمس النار وجهه ، روى ذلك عن ابن عباس . وقيل : يرمى بالكافر في النار مغلولاً فلا يقدر أن يتقي إلا بوجهه . وقيل : الإتقاء في هذا بمعنى الاستقبال كرهاً . وخصّ الوجه لأنه أعز ما في الإنسان على الإنسان وفيه الحواس الخمس . تقول العرب : اتقيت فلاناً بحقه ، أي : استقبلته به . وقد كان الإنسان في الدنيا يتقي عن وجهه السوء بجميع جوارحه لشرفه وعزته عليه . فأعلمنا الله عز وجل أن الوجه هو أعز الجوارح به يتقي الكافر سوء العذاب يوم القيامة ، فما ظنك بجميع الجوارح التي هي دون الوجه ، أعاذنا الله من ذلك ونجّانا منه . ثم قال تعالى : { وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } ، أي : وقيل للظالمين أنفسهم ذوقوا عقاب كسبكم في الدنيا معاصي الله سبحانه . وهذا فعل ماض عُطِفَ ، وليس قبله ما يُعْطَفُ عليه ، لكنه محمول على المعنى والحكاية . والتقدير : ويقال ذلك يوم القيامة . ثم قال : { كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ ٱلْعَـذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } أي : كذبت الأمم رسلهم من قبل هؤلاء المشركين فجاءهم عذاب الله من حيث لا يعلمون بمجيئه . { فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، أي : عجّل لهم الهوان والعذاب في الدنيا قبل الآخرة ، ولعذاب الله إياهم في الآخرة أكبر من العذاب الذي نالهم في الدنيا لو كانوا يعلمون ذلك . والخزي ، أصله : المكروه ، وهو أشد الهوان وأبلغه . قال المبرد : " يقال لكل ما نال الجارحة من شيء قد ذاقته ، أي : وصل إليها كما تصل الحلاوة والمرارة إلى الذائق لهما " . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } ، أي : ولقد مثلنا للناس ، يعني : المشركين في هذا القرآن من كل مثل من مثال القرون الخالية تخويفاً وتحذيرا { لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } فيرجعون عمّا هم عليه من الكفر والشرك . ثم قال : { قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } . نصب " قرآناً " عند الأخفش على الحال . وقال علي بن سليمان : " عربياً " هو الحال ، " وقرءاناً " توطئة للحال ( كما تقول مررت بزيد رجلاً صالحاً ، " فصالح " هو المنصوب على الحال ورجلاً توطئة للحال ) . قال الزجاج : " عربياً " . منصوب على الحال ، " وقرآناً " توكيد . وقوله : { غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } . قال مجاهد : معناه ، " غير ذي لبس " وقال الضحاك غير مختلف . وقال ابن عباس : غير مخلوق . ثم قال : { لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } أي : يتّقون ما حذّرهم الله عز وجل من بأسه وعذابه .