Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 58-58)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } الآية . قال زيد بن أسلم : نزلت الآية في ولاة أمور المسلمين . قال مكحول في وقوله : { وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } : هم أهل الآية التي قبلها في قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأَمَانَاتِ إِلَىۤ أَهْلِهَا } . وقال ابن زيد : قال أبي : هم الولاة أمرهم الله عز وجل أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها . وقال ابن جريج : خوطب بهذا النبي عليه السلام أن يرد مفاتيح الكعبة على عثمان بن طلحة كان المفتاح لآبائه من قصي ، وكان أبوه قتل يوم بدر فورثه من أبيه طلحة . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا عثمان خذ المفاتيح على أن للعباد معك نصيباً ، فأبى أن يأخذه حتى نزلت الآية ، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشرك معه أحداً ، فهو اليوم في ذريته الأمثال فالأمثال . وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذها منه يوم فتح مكة ، ففتح البيت ودخله ، ثم خرج وهو يتلو هذه الآية ، فدعا عثمان بن طلحة فدفع إليه المفاتيح " . وقيل : نزلت لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة من شيبة بن عثمان . وروى أهل التفسير أن العباس عم النبي عليه السلام سأل النبي عليه السلام أن يجمع له السقاية والسدانة ، وهي الحجابة ، وهو أن يجعل له مع السقاية فتح البيت وإغلاقه ، فنازعه شيبة بن عثمان فقال : " يا رسول الله : اردد علي ما أخذت مني " ، يعني مفاتيح الكعبة فرده صلى الله عليه وسلم على شيبة . وقال الحسن : " لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دعا عثمان بن طلحة فقال : " أرنا المفتاح " ، فلما أتاه به قال عباس : " يا رسول الله اجمعه لي مع السقاية ، فكف عثمان يده مخافة أن يدفعه إلى العباس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فأرني المفتاح " . فقال : هاك في أمانة الله عز وجل ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففتح باب الكعبة ، ثم دخل ، فأفسد ما كان في البيت من التماثيل ، وأخرج مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم فوضعه حيث وضعه ، ثم طاف بالبيت مرة أو مرتين ، ونزل جبرئيل عليه السلام بالآية يأمره أن يرد المفتاح إلى أهله ، فدعا عثمان فقال : هاك المفتاح إن الله يقول : " أدوا الأمانات إلى أهلها وقرأ الآية كلها " . وقال ابن عباس : الآية على العموم في كل من ائتمن على شيء فعليه رده إلى أهله . واختار أهل النظر أن يكون خطاباً لولاة أمور المسلمين أن يؤدوا الأمانة . فيما ائتمنوا عليه من أمور المسلمين في أحكامهم والقضاء في حقوقهم بكتاب الله ، والقسم بينهم بالسوية ، ويدل على صحة ذلك أن الله تعالى أمر المسلمين بطاعتهم بعد ذلك فقال : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ } فحض الولاة على العدل والإنصاف بين المسلمين ، وحض المسلمين على طاعة الولاة . قوله : { إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } أي : نعمه العظيمة يعظكم بها يا ولاة أمور المسلمين ، في أداء ما ائتمنتم عليه من أموال المسلمين { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعاً } أي : لم يزل سميعاً لما تقولون وتنطقون وتحكمون في رعيتكم { بَصِيراً } بما تعملون فيما ائتمنكم عليه من الحكم والإنصاف ، لا يخفى عليه شيء من أفعالكم . وهذا كان لولاة أمور المسلمين ومن قام مقامهم من الحكام ، وقد حض على ذلك في غير موضع من كتابه فقال : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } [ النحل : 90 ] . وقال : { يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ ص : 26 ] . وقال : { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ المائدة : 47 ] ، { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [ المائدة : 47 ] ، و { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } [ المائدة : 45 ] . وقال : { كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ للَّهِ وَلَوْ عَلَىۤ أَنْفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } [ النساء : 135 ] . وقال صلى الله عليه وسلم " المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمان ، وكلتا يديه - جلت عظمته - يمين هم الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وأموالهم " . وقال صلى الله عليه وسلم : " إن أحب الناس إلى الله عز وجل وأقربهم إليه سبحانه وتعالى - إمام عادل " وقال : " إن أبغض الناس إلى الله جل ذكره وأشدهم عذاباً إمام جائر " وقال صلى الله عليه وسلم : " إن أفضل عباد الله منزلة إمام عادل رقيق ، وإن شر عباد الله تعالى منزلة يوم القيامة إمام جائر " . وقال معقل المزني عند موته : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليس من ولي أمة قلَّت أو كثرت لم يعدل فيهم إلا كبه الله على وجهه في النار " . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ما من أمير عشرة إلا وهو يجيء يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه حتى يكون عمله هو الذي يطلقه أو يوبقه ، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " . وقال صلى الله عليه وسلم : " سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله : إمام مسقط ، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل حتى توفاه الله على ذلك ، ورجل ذكر الله في خلا ، ففاضت عيناه من خشية الله عز وجل ، ورجل كان قلبه متعلقاً بالمسجد حين يخرج منه حتى يرجع إليه ، ورجل قال أحدهما للآخر : إني أحبك في الله ، وقال الآخر : إني أحبك في الله ، فتصادرا على ذلك ، ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب إلى نفسها فقال : إني أخاف الله رب العالمين ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته : " أصحاب الجنة ثلاثة : ذو سلطان مقسط ، ومصدق مؤمن ، ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ، ورجل عفيف فقير " . قال ابن مسعود ، إذا كان الإمام عادلاً فله الأجر وعليكم الشكر ، وإذا كان جائراً فعليه الوزر وعليكم الصبر . وقال بعض الحكماء : عدل الحكام أنفع من خصب الزمان .