Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 97-99)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } الآية . المعنى : إن الذين تقبض الملائكة أرواحهم ظالمين أنفسهم أي مكتسبين غضب الله عز وجل وسخطه { قَالُواْ } : أي : قال لهم الملائكة { فِيمَ كُنتُمْ } أي : أي شيء كنتم من دينكم ؟ وقيل المعنى : قالت لهم الملائكة : أكنتم في المشركين ، أم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فأجابوا الملائكة بأن قالوا : { كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ } في أرضنا بكثرة العدو ، وقوته قالت لهم الملائكة ، { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا } أي : تخرجوا من بين أظهر المشركين إلى أرض الإيمان . { فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } أي : هؤلاء الذين هذه صفتهم مصيرهم إلى جهنم وهي سكناهم { وَسَآءَتْ مَصِيراً } أي : ساءت جهنم مصيراً لأهلها . وروي أن هذه الآية نزلت في قوم كانوا أسلموا والنبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، فلما هاجر النبي عليه السلام أقاموا بمكة ، فمنهم من ارتد إلى الشرك فتنه أبوه وعشيرته حتى ارتد ، ومنهم من بقي على حاله . فلما خرج المشركون لنصرة غيرهم إلى بدر خرجوا مع المشركين ، وقالوا إن كان محمد في كثرة ذهبنا إليه ، وإن كان في قلة بقينا في قومنا . فلما التقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، في بدر نظروه في قلة فبقوا في قومهم فقتلوا ، فتوفتهم الملائكة ظالمي أنفسهم ، فاعتذروا بأنهم استضعفوا بمكة ، ثم استثنى فقال : { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ } وهو من عجز عن الهجرة ، ولا طاقة له بالخروج قد استضعفهم المشركون { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } أي لا يعرفون طريقاً يخلصهم من المشركين ، لا قوة لهم ولا معرفة طريق { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ [ عَنْهُمْ ] } أي إن هؤلاء المستضعفين لعل الله أن يعفو عنهم للعذر الذي هم فيه وهم مؤمنون . { وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } أي : بعباده قبل أن يخلقهم ومعناه : لم يزل كذلك . وقيل : إن ( كان ) من الله بمنزلة ما في الحال . فالمعنى والله عفو غفور . وروي أن هاتين الآيتين ، والتي بعدهما نزلت في أقوام من أهل مكة كانوا قد أسلموا ، وآمنوا ، وتخلفوا عن الهجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر ، وعرض بعضهم على الفتنة فافتتن ، وشهد مع المشركين حرب المؤمنين ، فلم يقبل الله تعالى معذرتهم وقولهم " كنا مستضعفين في الأرض " . وقال ابن عباس : كان قوم من أهل مكة أسلموا وأخفوا الإسلام فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم لقتال المسلمين ، فأصيب بعضهم فقال المسلمون : كان أصحابنا هؤلاء مسلمين ، وأكرهوا فاستغفروا لهم ، فأنزل الله عز وجل : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ } الآية فكتب المسلمون إلى من بقي بمكة : ألا عذر لهم بهذه الآية ، فخرجوا من مكة فلحقهم المشركون ، فأعطوهم الفتنة فنزلت فيهم { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ } [ العنكبوت : 10 ] فكتب بها المسلمون إليهم ، فخرجوا ، ويئسوا من كل خبر فنزل فيهم { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ } [ النحل : 110 ] الآية ، فكتبوا إليهم بذلك إن الله قد جعل لكم مخرجاً ، فخرجوا ، فأدركهم المشركون فقاتلوهم حتى نجا من نجا وقتل من قتل . ومعنى : { ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ } يعني الشيخ الكبير . قال السدي : " لما أسر العباس ، وعقيل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس : " افْدِ نفسك ، وابن أخيك " فقال : يا رسول الله ، ألم نصل [ لـ ] قبلتك ونشهد شهادتك ؟ قال : " يا عباس : إنكم خاصمتم فخصمتم " ، ثم تلا عليه هذه الآية : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } " فيوم نزلت هذه الآية كان من أسلم ولم يهاجر فهو كافر حتى يهاجروا { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } أي : لا يعرفون طريقاً إلى المدينة . قال ابن عباس : كنت أنا من الولدان . وروى عنه أنه قال : كنت أنا وأمي من المستضعفين . قال السدي : الحيلة المال ، والسبيل الطريق إلى المدينة .