Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 7-15)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } إلى قوله : { إِلاَّ قَلِيلاً } الآيات . أي : ولله كل من في السماوات والأرض عبيداً له وأنصاراً له على أعدائه ، ولم يزل الله ( عزيزاً لا يغلبه غالب ) ، حكيما في تدبيره خلقه . ثم قال : { إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } . انتصبت الثلاثة الألفاظ على الحال ، وهي حال مقدرة . أي : مقدرين بشهادتك يا محمد ( على أمتك يوم القيامة ) ومقدرين تبشيرك أمتك بما أعد الله لهم من النعيم . إن أطاعوك ومقدرين إنذارك من كفر بك ما أعد الله له من العذاب إن مات على كفره . ثم قال : { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } . أي : فعل الله ذلك بك يا محمد / ليؤمن بك ( من سبق في علم الله ) أنه يؤمن . قال ابن عباس : تعزروه : يعني الإجلال ، وتوقروه هو التعظيم . قال قتادة : وتعزروه : تنصروه ، وتوقروه : تفخموه . وقال عكرمة : تعزروه : تقاتلون معه بالسيف . وقال ابن زيد : وتعزروه وتوقروه : هو الطاعة لله تعالى . وقال المبرد : تعزروه : تبالغوا في تعظيمه ، ومنه عزر السلطان الإنسان ؛ أي : بالغ في أدبه فيما دون الحد . وقال علي بن سليمان : معنى وتعزروه : تمنعون منه وتنصرونه . قال الطبري : معنى التعزير في هذا الموضع المعونة بالنصر . وقرأ الجحدري : تعزروه بالتخفيف . وقرأ محمد اليماني : وتعزّروه بالزاءين ، من العز ؛ أي : تجعلونه عزيزاً ويقال : عززه يعززه جعله عزيزاً وقواه ، ومنه قوله : { فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ } [ يس : 13 ] . وقيل إن قوله : وتعزروه وتوقروه لله . وقيل هو للنبي صلى الله عليه وسلم فأما " وتسبحوه " فلا تكون إلا لله . وتنزهوا الله عن السوء في بعض القراءات وتسبحوا الله . وقوله : { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي : ظرفان تصلون لله في هذين الوقتين . ثم قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } أي : إن الذين يبايعونك يا محمد بالحديبية ، وذلك حين حبس المشركون عثمان بن عفان بايع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يفروا عند لقاء العدو ، ثم صرفهم الله عن المشركين وقتالهم ، لئلا يهلك من بمكة من المسلمين ولا يعلم بهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو قوله : { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ } [ الفتح : 25 ] إلى قوله : { أَلِيماً } [ الفتح : 25 ] . وقوله : { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } أي : إنما يبايعون ببيعتهم إياك الله ، لأن الله ضمن لهم الجنة . وقوله : { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } أي : يده فوق أيديهم عند البيعة . وقيل : قوة الله فوق قوتهم في نصرتهم رسوله . وقيل : معناه يد الله في الثواب والوفاء لهم فوق أيديهم في الوفاء بما بايعوك عليه . وقيل : معناه يد الله في الهداية لهم فوق أيديهم في الطاعة . ثم قال : { فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } أي : من نكث البيعة ولم يف بما بايع عليه فإنما نكثه راجع عليه لأنه يحرم نفسه الأجر الجزيل ، والعطاء العظيم في الآخرة . ثم قال : { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ } في إيمانه . { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } أي : ومن أوفى ببيعتك وما عهد على نفسه من نصرك يا محمد فسيؤتيه [ الله ] أجراً عظيماً وهو الجنة والنجاة من النار . ثم قال : { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا } . نزلت هذه الآية في الأعراب الذين حول المدينة من مزينة وجهينة وأسلم ، وغيرهم تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، فلما رجع النبي / وظفر وسلم أتوه يسألونه الاستغفار لهم وفي قلوبهم خلاف ذلك ، ففضحهم الله . أي : سيقول لك يا محمد إذا رجعت إلى الحديبية الذين ( تخلفوا في أهليهم ) . وقعدوا عن صحبتك والخروج معك إلى مكة معتمرين كما خرجت ، معتذرين عن تخلفهم عنك : شغلتنا عن الخروج معك معالجة أموالنا ، وأصلاح معائشنا وأهلينا فاستغفر لنا ربك لتخلفنا عنك ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الخروج إلى مكة معتمراً استنفر العرب ، الذين حول المدينة ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت ، ثم أحرم بالعمرة ، وساق الهدي ليعلم الناس أنه لم يخرج لحرب فتثاقل عنه كثير من الأعراب فتخلفوا عنه ، ففيهم نزل هذا . وقال مجاهد : هم أعراب المدينة من جهينة ومزينة تخلفوا عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة غداة الحديبية ثم أنزل الله تكذيبهم في عذرهم فقال : { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } أي : يسألونك يا محمد الاستغفار من فعلهم من غير توبة تنعقد عليها قلوبهم ، ولا ندم على فعلهم . وجاء بلفظ " ألسنتهم " توكيداً وفرقاً بين المجاز والحقيقة . ثم قال : { قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي : قل يا محمد لهؤلاء الأعراب الذين تخلفوا عن الخروج معك إلى مكة ، من يملك لكم من الله شيئاً . { إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } / أي : من يدفع عنكم الضر إذا أراده الله بكم حين عصيتم رسوله وتخلفتم عن الخروج معه ، واعتذرتم بما لا تعتقده قلوبكم . ثم قال : { بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } أي : بل [ لم ] يزل الله ذا خبر بما تعملون وما تعتقدون ، لا يخفى عليه شيء من ذلك . ثم قال : { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً } . هذا خطاب للأعراب الذين تخلفوا عن الخروج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة لما اعتذروا وكذبوا في اعتذارهم ، فأكذبهم الله ثم أعلمهم بما علم من اعتقادهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فقال : بل ظننتم أيها الأعراب أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لا يرجعون إلى المدينة أبداً من غزوتهم ، فلذلك تخلفتم عن الخروج معهم لأنكم شغلتكم أموالكم وأهلوكم كما زعمتم في عذركم . ثم قال : { وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ } أي : زين لكم الشيطان ذلك ، وقال لكم لا يرجع النبي والمؤمنون إلى المدينة أبداً ، وأنهم سيهلكون في غزوهم ، وظننتم أن الله لا ينصر نبيّه ومن أطاعه ، وذلك ظن السوء . ثم قال : { وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } أي : هلكى باعتقادكم وظنكم . والبور في اللغة : الشيء الذي لا قيمة له ولا فائدة فيه كـ لا شيء " . قال قتادة بوار : فاسدين . قال ابن زيد البور : الذي لا خير فيه . قال مجاهد بوراً : هلكى . ثم قال : { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ [ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً ] } . أي : ومن لم يؤمن منكم أيها العرب ومن غيركم بالله ورسوله فقد كفر ، وقد اعتدنا لمن كفر سعيراً من النار يسعر عليهم ( في جهنم ) إذا وردوها يوم القيامة . يقال سعرت النار : إذا أوقدتها سعراً ، ويقال : سعرتها أيضاً إذا حركتها ومنه قولهم أنه ( لمسعر حرب ) : أي : محركها وموقدها . ثم قال : { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ } . أي : له سلطان ذلك ، فلا أحد يقدر على رده عما يريد من تعذيبه من أراد تعذيبه ولا عن ستر من أراد الستر عليه وإدخاله الجنة ، وهذا تنبيه وحق لهؤلاء الأعراب الذين تخلفوا عن رسول الله على التوبة والمراجعة إلى أمر الله وأمر رسوله : أي : بادروا إلى التوبة فإن الله يغفر لمن تاب ، لا يرده عن ذلك راد . { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } أي : لم يزل ذا عفو عن عقوبة التائبين وذا رحمة لهم . ثم قال : { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا } . أي : سيقول لك يا محمد ولأصحابك هؤلاء الأعراب الذين تخلفوا عن محبتك والخروج معك إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها { ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ } يعني ما وعد الله به المؤمنين من غنائم خيبر ، وعدهم ذلك بالحديبية وهو قوله : { وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } وهو فتح خيبر فأعلم الله نبيه عليه السلام أن المتخلفين عنه سيقولون له إذا خرج إلى فتح خيبر وأخذ غنائمها دعنا نتبعك . ثم قال : { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ } / أي : يريدون أن يغيروا وعد الله الذي وعده أهل الحديبية ، وذلك أن الله وعدهم غنائم خيبر بالحديبية عوضاً من غنائم أهل مكة إذا أنصرفوا على صلح . قال مجاهد : رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة فوعده الله مغانم كثيرة فعجلت له خيبر ، فأراد المتخلفون أن يتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذوا من المغانم فيغيروا وعد الله الذي خص به أهل الحديبية . وقيل إن معنى قوله : { يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ } أي : يريدون أن يخرجوا معك في غزوك ( وقد قال الله ) : { فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [ التوبة : 83 ] . قال ابن زيد : أرادوا أن يخرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم وأن يبدلوا كلام الله الذي قال لنبيه : { فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } [ التوبة : 83 ] وذلك حين رجع من غزوة تبوك . وأنكر هذا القول الطبري ؛ لأن غزوة تبوك كانت بعد فتح خيبر وبعد فتح مكة ، قال : والصواب الذي قاله قتادة ومجاهد : أنهم يريدون أن يغيروا وعد الله الذي خص به أهل الحديبية ، وذلك : مغانم خيبر وغيرها . وقوله : { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ } أي : كذلك قال لنا الله من قبل مرجعنا إليكم من الحديبية ان غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية / دون غيرهم ممن لم يشهدها ، فليس لكم أن تتبعونا لأنكم تخلفتم عن الحديبية . ثم قال : { فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا } أي : تحسدوننا أن نصيب معكم من الغنائم ، فلذلك تمنعوننا من الخروج معكم . ثم قال : { بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي : لا يعقلون عن الله ما له عليهم إلا يسيراً ، ولو كانوا يعقلون ما قالوا ذلك .