Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 13-18)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } إلى آخر السورة الآيات . أي : خلقناكم من آدم وحواء ، يعني من ماء ذكر وماء أنثى . قال مجاهد : خلق الله عز وجل الولد من ماء الرجل وماء المرأة . ثم قال : { وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ } . أي : وجعلناكم متناسبين يناسب بعضكم بعضاً فيعرف بعضكم بعضاً ، فيقال فلان ابن فلان من بني فلان فيعرف قرب نسبه من بعده فالأفخاذ أقرب [ من القبائل والقبائل أقرب ] من الشعوب . قال مجاهد : شعوباً هو النسب البعيد ، والقبائل دون ذلك . وكذلك قال قتادة والضحاك . قال ابن عباس : الشعوب الجماع ، والقبائل البطون . وقال ابن جبير : الشعوب الجمهور ، والقبائل الأفخاذ . وواحد الشعوب شعب بالفتح ، والشعب عند أهل اللغة : الجمهور مثل مضر تقسمت وتفرقت ، ثم يليه القبيلة لأنها يقابل بعضها بعضاً ، ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ وهو أقربها . وقيل : إن الشعوب الموالي ، والقبائل العرب . ثم قال : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ } . أي : أفضلكم عند الله أتقاكم لارتكاب ما نهى الله سبحانه عنه ، وأعمالكم لما أمر الله تعالى به ليس فضلكم بأنسابكم إنما الفضل لمن كثر تقاه . قال النبي صلى الله عليه وسلم وقد سأل عن غير الناس فقال : " آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأوصلهم للرحم وأتقاهم " . قال أبو هريرة : ينادي مناد يوم القيامة إنا جعلنا نسباً وجعلتم نسباً إن أكرمكم عند الله أتقاكم ليقم المتقون ، فلا يقوم إلا من كان كذلك . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أخير الناس من طال عمره وحسن عمله " . وروي عن ابن عباس أنه قرأ : " لتعرفوا أن أكرمكم عند الله بفتح " أن " وتعرفوا على مقال تضربوا ، على معنى جعلهم شعوباً وقبائل لكي يعرفوا أن أكرمهم عند الله أتقاهم ، ومجاز هذه القراءة : جعلهم كذلك ليعرفوا أنسابهم ؛ لأن أكرمهم عند الله أتقاهم ؛ لأن : " تَعْرِفُوا " عملت في : " أن " لأنه لم يجعلهم شعوباً وقبائل ليعرفوا أن أكرمهم عند الله أتقاهم ، إنما جعلهم كذلك ليعرفوا أنسابهم . وكسر " أن " أولى وأتم في المعنى المقصود إليه بالآية . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } . أي : ذو علم ، بأتقاكم عنده وأكرمكم ، وذو خبر بكم وبمصالحكم . ثم قال : { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا } . أي : قالت جماعة الأعراب صدقنا بالله وبرسوله ، قل لهم يا محمد لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا وخضعنا وتذللنا . والإسلام في اللغة الخضوع والتذلل لأمر الله جل ذكره والتسليم له . والإيمان : التصديق بكل ما جاء من عند الله . وللإسلام موضع آخر وهو الاستسلام خوف القتل ، قد يقع الإسلام بمعنى الإيمان وقد يكون بمعنى الاستسلام . والإيمان والإسلام يتعرفان على وجهين إيمان ظاهر / لا باطن معه نحو قوله : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ } [ البقرة : 8 ] وإيمان باطن وظاهر وهو المتقبل ، وإسلام ظاهر لا باطن معه كالذي في هذه السورة . والإسلام أعم من الإيمان لأن الإسلام ما صدق به باطن [ ونطق به الظاهر والإيمان ما صدق به الباطن ] ، فإن كان الإسلام ظاهراً غير باطن فليس بإيمان إنما هو استسلام ولا هو إسلام صحيح . وهذه الآية نزلت في أعراب من بني أسد ، وهم من المؤلفة قلوبهم أسلموا بألسنتهم خوف القتل والسباء ولم تصدق قلوبهم ألسنتهم . فرد الله عليهم قولهم " آمنا " إذ لم يصدقوه بقلوبهم ، وقال بل قولوا أسلمنا : أي : استسلمنا في الظاهر خوف القتل ، فالإسلام / قول ، والإيمان قول وعمل . قال الزهري : الإسلام قول والإيمان عمل . قال ابن زيد قوله : { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } أي : لم تصدقوا قولكم بعملكم . ثم أخبر تعالى بصفة المؤمنين فقال : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ } . قال النخعي : ولكن قولوا أسلمنا : أي : استسلمنا . وعن ابن عباس : أن هذه الآية نزلت في أعراب أرادوا أن يتسموا باسم الهجرة قبل أن يهاجروا فأعلمهم الله عز وجل أن لهم أسماء الأعراب لا أسماء المهاجرين . وقيل إنهم منوا على النبي صلى الله عليه وسلم بإيمانهم فأعلمهم الله عز وجل أن هذا ليس من خلق المؤمنين إنما هو من خلق من استسلم خوف السباء والقتل ، ولو دخل الإيمان في قلوبهم ما منّوا به ، ودليله قوله بعد ذلك { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ } . وقال قتادة : لم تعم هذه الآية كل الأعراب ، بل فيهم المؤمنون حقاً ، إنما نزلت في حي من أحياء العرب امتنوا بإسلامهم على نبي الله فقالوا آمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان . ثم قال تعالى ذكره : { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } . أي : ولما يدخل العلم بشرائع الإيمان وحقائقه في قلوبكم ، وهو نفي قد دخل . ثم قال : { وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً } . أي : إن أطعتم الله ورسوله فيما تؤمرون به لا ينقصكم الله ( من ثواب أعمالكم شيئاً في الآخرة ) ولا يظلمكم . قال ابن زيد معناه : " إن تصدقوا قلوبكم بفعلكم يقبل ذلك منكم ، وتجاوزا عليه " . يقال : أَلَتَهُ ويَأَلِتْهُ وَلآتَهُ يَلِيتُه لغتان بمعنى : نَقَصَه ، فمن قرأ " لاَ يَلِتْكُمْ " فهو من لاَتَ يَلِيتَ ، وتصديقها في المصحف أنها بغير ألف بعد الياء ، ولو كانت همزة لم تختصر من الخط . ومن قرأ " يَأْلِتْكُمْ " فهو من أَلَتَ يَأْلِتُ . فأما قوله : { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم } [ الطور : 21 ] فهو من أَلَتَ يَأْلَتُ ، ( ولو جاء على اللغة ) الأخرى لقيل ، وما أَلَتْنَاهُمْ . وهذه لغة هذيل . وبذلك قرأ ابن مسعود وأُبي ، وهذه القراءة شاهدة لقراءة من قرأ هنا " يَلِتْكُمْ " من لاَتَ يَلِيْتُ ، لكنها مخالفة للخط ؛ لأن الخط في " والطور " بألف قبل اللام ، لكن من جعله هنا من لات وفي " الطور من ألت " فإنما جمع بين اللغتين واتبع الخط في الموضعين ، ومثله مما أجمع عليه قوله : { فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ } [ الفرقان : 5 ] ، فهذا من أَمْلَى يُمْلِي . ثم قال في موضع آخر : { فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ } [ البقرة : 282 ] ، فهذا من أمثال ، يقال أَمْلَى عليه وَأَمَال عَلَيْه : لغتان ، ومثله قوله : { سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً } [ النساء : 56 ] فهذا من أمليت . وقال في موضع آخر { ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ } [ الحاقة : 31 ] فهذا من صليت . ومثله قوله : { كَيْفَ يُبْدِئُ ٱللَّهُ ٱلْخَلْقَ } [ العنكبوت : 18 ] من أبدأ ، وقال : { كَيْفَ بَدَأَ ٱلْخَلْقَ } [ العنكبوت : 19 ] من بدأته ، يقال : أَبْدَأَهُ وَبَدَأَهُ لغتان . وقد قرأ ابن كثير : أَلِتْنَاهُمْ بكسر اللام ، وهي لغة أيضاً . يقال : أَلِتَ يَأْلِتُ وَأَلَتَ يَألَتُ . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . أي : غفور للذنوب لمن تاب منها رحيم أن يعذب أحداً بعد توبته . ثم قال : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } . أي : صدقوا بما أنزل الله ، وبرسول الله بقلوبهم ، وأقروا به بألسنتهم ، وقبلوا ما أمروا به ، وانتهوا عما نهوا عنه ، ثم لم يُشكوا في ذلك . { وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ } أي : هم الذين صدقوا في قولهم / إنا مؤمنون . ثم قال : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ } أي : أتعلمونه بطاعتكم وما أضمرت قلوبكم ، وهو يعلم ما غاب عنكم في السماوات والأرض . لا يخفى عليه شيء من ذلك ، فكيف يخفى عليه ما تخفي صدوركم . { وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي : ذو علم بجميع الأشياء . ثم قال : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ } . أي : يمنون عليك يا محمد بإسلامهم ، قل لهم : لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم بهدايته لكم إلى الإيمان ، ولولا توفيقه لكم ما أسلمتم ، فالمنة له لا إله إلا هو إن كنتم صادقين في قولكم ( أنكم آمنتم ) ، فالمنة في ذلك عليكم لله عز وجل ، ولا منة لكم على الله ، وذلك " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفضل المهاجرين بالعطاء ليستألفهم على الإسلام فكرهت الأنصار ذلك وتكلمت ، فأنزل الله عز وجل { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ } الآية ، فلما نزلت أتى الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم يبكون فقالوا يا رسول الله جئتنا ونحن ضلال فهدانا الله بك ، وجئتنا ونحن أذلة فهدانا الله بك ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم لئن قلتم إنك جئتنا ذليلاً فأعززناك ومطروداً فآويناك ، فقالت الأنصار بل لله ورسوله المنة علينا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الناس دثاري وأنتم شعاري ، ولو سلك الناس وادياً وسلكت الأنصار وادياً لسلكت وادي الأنصار ولولا الهجرة لكنت أحداً من الأنصار " " . ثم قال : { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : يعلم ما غاب فيها لا يخفى عليه [ شيء ] ، فهو يعلم الصادق منكم من الكاذب في دعواه ، فلا يخفى عليه ما تكنه صدوركم . ثم قال : { وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي : ذو بصر بأعمالكم لا يخفى عليه منها شيء فهو محصيها عليكم حتى يجازيكم بها إن خيراً فخير وإن شراً فشر .