Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 106-108)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } الآية . وهذه الآية - عند أهل المعاني - من أشكل ما في القرآن إعراباً ! ومعنى وحكماً . فقوله : { شَهَادَةُ } رفع بالابتداء ، و { ٱثْنَانِ } الخبر ، والتقدير : فيه شهادة اثنين ، ثم حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه . وقيل : التقدير : عدد شهادة بينكم اثنان ، ثم حذف ، و " ما " محذوفة مع " بينكم " ، تقديره : ما بينكم ، و [ " ما " المحذوفة ] إشارة إلى التنازع والتشاجر . وقيل : { ٱثْنَانِ } رفع بفعلهما ، والتقدير : ليكن منكم أن يشهد اثنان . وقيل : { إِذَا حَضَرَ } خبر الشهادة : لأنها مستأنفة ليست واقعة لكل الخلق ، و { ٱثْنَانِ } - على هذا - رفع بفعلهما ، تقديره أن يشهد اثنان ، ودل على ذلك { شَهَادَةُ } المتقدم ذكرها . قوله : { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ } { آخَرَانِ } : ارتفعا بفعل مضمر ، و { يَقُومَانِ } نعت ، و { ٱلأَوْلَيَانِ } بدل من { آخَرَانِ } أو من المُضمر في { يَقُومَانِ } . روى اسحاق الأزرق عن أبي بكر عن عاصم ( شهادةٌ ) بالتنوين ، ( بينكم ) بالنصب ، وهي مروية عن الأعرج . ورُوي عن أبي عبد الرحمن المقريُ { شَهَادَةَ } بالنصب والتنوين على : " ليشهد اثنان شهادةً " ، فهو مصدر . ( و ) روى عبد الله بن مسلم { وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ } بالنصب فيهما وتنوين ( شهادةً ) على معنى : لا نكتم الله شهادةً . وقيل تقديره : ولا نكتم شهادة والله ، فلما حذفت الواو تعدى الفعل [ إلى ] المُقسم به فنصب . وقرأ الشعْبي ( شهادةً ) بالتنوين ، ( اللهِ ) بالخفض على القسم ، أعمل الحرف وهو محذوف ، وقد أجازه سيبويه ، ومنع ذلك غيره . وقرأ أبو عبد الرحمن { وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ } بالمد ، جعل ألف الاستفهام عوضاً من حرف القسم ، فخفض بها كالحرف . وقرأ ابن محيصن : [ ( إنا إذاً لملاثمين ) ] أدغم النون في اللام ، وهو بعيد في العربية ، وهو مثل ( عادً [ لوُلَى ] في قراءة نافع ، وإنما بعد ، لأن اللام حكمها السكون ، والحركة التي عليها إنما هي للهمزة ، والمدغم لا يدغم أبداً إلا في متحرك أصلي ، وليست اللام بأصلية الحركة . ومعنى الآية : يا أيها الذين آمنوا ليشهد بينكم - إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية - اثنان ذوا عدل منكم ، ( أي من المسلمين وقيل : من أهل الموصي . والأول أكثر . قال الحسن : { ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } أي : من العشيرة ، لأن العشيرة أعلم بالرجل وماله وولده ، وأجدر ألا ينسوا ما يشهدون عليه ، فإن لم يكن من / العشيرة أحد ، فآخران من غير العشيرة ، فإن شهدا - وهما عدلان - مضت شهادتهما ، وإن ارتيب في شهادتهما حبسا بعد صلاة العصر فيقسمان بالله { لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ } ، فتمضي شهادتهما إذا حلفا ، وإنما استُحلفا ، لأنهما وصيان شاهدان ، فإن اطلع - بعد ذلك - أنهما شهدا بزور ، حلف وليان من الورثة ، واستحقا ما حلفا عليه ، وهو معنى قوله : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً } أي : ( حلفاً ) زوراً ، { فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا } أي : مقام الشاهدَيْن ، { فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا } أي : لَيمَينُنا أحق من يمينهما ، { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ } ، أي : يأتي الشاهدان بالشهادة على حقها ، ولا يغيّرانها . وهذا منسوخ عند أكثر العلماء . وقال الحسن : يحلف الشهود ، وليس بمنسوخ . ومن قال : إن معنى { ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } من المسلمين ، ( قال : أو ) من غيركم : من غير المسلمين لتصح المحاذاة ، لأن نقيض المسلم الكافر . ومن قال : معنى : { ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } من قبيلتكم أو من عشيرتكم أو من أهليكم ، قال : معنى : ( [ من ] غيركم ) : من غير قبيلتكم أو من غير عشيرتكم أو [ من ] ( غير ) أهليكم ، فهو كله ( في المسلمين ) لتصح المحاذاة في الطرفين ، ثم يقع الاختلاف في النسخ على ما ذكرنا وما نذكر على اختلاف هذه المعاني . والشهادة ( هنا ) بمعنى الإشهاد على الوصية ، فالاثنان يشهدان على الوصية . وقيل : الشهادة هنا بمعنى الحضور ، أي : ليشهد اثنان ، أي : ليحضر اثنان حين الوصية ، فهما وصيان لا شاهدان ، واستدل الطبري على أنه غير الشهادة التي تؤدي للمشهود له ، أنْ قال : إنا لا نعلم لله حكماً يجب فيه على الشاهد اليمين ، فيكون جائزاً أن يصرف الشهادة في هذا ، وتكون هي التي يقام بها عند الحاكم للمشهود له ، ( و ) في حكم اله باليمين على ذوي العدل [ أو ] على من قام مقامهما باليمين - يقول : { تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ } - أَوُضَحُ دليل على أنه ليس يراد به الشهادة التي يقضى بها للمشهود له . وقوله : { أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ } قال ابن المسيب : معناه : من غيركم ، أي : من أهل الكتاب . وقال ابن جبير : أي : من غير أهل ملتكم ، وقال الحسن : معناه : شاهدان من قومكم أو من غير قومكم . وقيل : معناه : من غير حيّكم . قوله : { إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ } أي : سافرتم ذاهبين وراجعين ، فنزل بكم الموت . وقوله : { تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَة } هذا خطاب للمؤمنين ، والمعنى : إذا ضربتم في الأرض ، فأصابتكم مصيبة الموت ، فأوصيتم إلى اثنين عدلين ، وفي الكلام حذف واختصار ، تقديره : ودفعتم إليهما ما معكم من مال ثم متم ، وذهبا إلى ورثتكم بالتركة ، فارتابوا في أمرهما واتهموهما ( وادعوا ) عليهما خيانة ، فإن الحكم في ذلك أن [ تحبسوهما ] ، أي : تتوثقوا منهما بعد الصلاة ، وفي الكلام حذف أيضاً وهو ما ذكرنا ، فيقسمان بالله لا نشتري بأيماننا ثمناً ، ( أي ) لا نحلف كاذبين على عرض نأخذه من حق هؤلاء الورثة ، { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } يقسمان / بالله لا نشتري بأيماننا ثمناً قليلاً ولو كان الذي نقسم له به ذا قرابة منا . قال ابن عباس : إنما هذا لمن حضره الموت في سفر ولم يجد مسلمين ، فأمره الله بشهادة رجلين من غير المسلمين ، فإن ارتيب في شهادتهما ، استحلفا بعد العصر : بالله لم نشتر بشهادتنا ثمناً . فقوله : { تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ } ( - على قول ابن عباس - من صفة الآخرين ، والمعنى : أو آخران من غيركم تحبسونهما من بعد الصلاة ) إن ارتاب الورثة في مال الميت ، فيقسمان بالله لا نشتري بأيماننا ثمناً ، ولو كان ذا قربى . والصلاة - عند أبي موسى الأشعري وابن جبير - صلاة العصر . وقيل : هي صلاة من صلاة أهل دينهم . قال السدي وغيره : أمر الله المؤمنين أن يُشهدوا عند الموت في الحضر شاهدْين ( من المسلمين ) فيما عليه وله ، وأمرهم أن يشهدوا في السفر شاهدين من غير ملتهم إذا عدموا أهل ملتهم ، كانوا يهوداً أو نصارى أو مجوساً ، فإذا دفع إليهما ماله ، ( فإن أتهمهما ) أهل الميت حبسوهما بعد الصلاة وحلفا : بالله لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ، وذلك صلاة أهل ملتهما ، ويقولان بعد ذلك : { وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } ، إن صاحبكم لبهذا أوصى ، وإن هذه التركة ، ( ويخوفهما ) الامام قبل اليمين ، فـ { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ } . قال ابن زيد : " لا نشتري به ثمناً " لا نأخذ به رشوة . قال : الهاء في " به " تعود على القسم ، وهو اليمين ، وقيل : بل تعود على الله جل ذكره . قوله : { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً } أي اطلع على أنهما خانا بعد حلفهما ، وأنهما حلفا كاذبين في أيمانهما ( ما خنا ) ، فيقوم آخران من ورثة الميت حينئذ مقامهما ، فيحلفان أنه كان كذا وكذا ، ويستحقون ما حلفوا عليه . وقال ابن عباس : يحلفان : إن شهادة الكافرين كانت باطلاً ، وأنّا لم نَعْتَدِ في دعوانا ، إذا اطلع أنهما كذبا في يمينهما وخانا ، فترد شهادة الكافرين وتجوز شهادة المؤمنين . وقيل : إنما يحلف أولياء الميت إذا أدعى الشاهدان أنه أوصى بما لا يجوز في دين الإسلام ، كقولهم : أوصى بماله كله " ، فيحْلف اثنان من أولياء الميت : إن صاحبنا ( ما كان يرضى بهذا ولا نرضى به ، وإنهما ) يكذبان . وشهادتنا أحق من شهادتهما . والأكثر على أن الأولياء يحلفون إذا وجدوا خيانة بعد يمين الكافرين ، أو قيل لهم ( إنهما ) غير مرضيين ، فيحلفان : لشهادتنا أحق من شهادتهما ، وإنه لقد ترك كذا وكذا ، وما أوصى بكذا ونحوه . وقيل : إنما ألزم الشاهدان اليمين ، لأنهما زعما أن الميت أوصى لهما بكذا وكذا ، فإن عثر على أنهما كاذبان في ذلك ، حلف آخران من أولياء الميت : لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا . وجماعة من العلماء يقولون : كان هذا ثم نُسخ . ولا تجوز شهادة كافر على مسلم ، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة ، وهي منسوخة عندهم . وقيل : ذلك جائز إذا كانت وصية ، وهو قول ابن عباس وغيره . وقيل : الآية كلها / في المسلمين ، والآخران من المسلمين ، وهو قول الزهري والحسن . وقيل : الشهادة - هنا - بمعنى الحُضور ، وقد تقدم ذكره . وقيل : الشهادة - هنا بمعنى اليمين ، فمعنى " شهادة أحدكم " : أي : يمين أحدكم أن يحلف اثنان ، وهو اختيار الطبري . فال ابن عباس : كان تميم الداري وعدي يختلفان إلى مكة للتجارة - نصرانيين - ، فخرج معهما رجل من بني سهم ، فتوفي بأرض ليس بها مسلم فأوصى إليهما ، فوصّلا تركته إلى أهله ، وحبسا جَاماً من فضة مُخَوَّصاً بالذهب ، ففقده أولياء الميت السهمي ، فأتوا النبي ، فاستحلفهما : " ما كتمنا ولا اطلعنا " ، ثم عُرفَ الْجامُ بمكة ، [ فقالوا ] : اشتريناه من تميم وعدي ، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله إن هذا لَجَامُ السهمي ، ولشهادتُنا أحقُّ من شهادتهما وما اعتدينا ، إنّا إذاً لمن الظالمين ، وأخذا الْجَامَ ، ففيهم نزلت الآيات . والروايات في هذا الخبر كثيرة مختلفة الألفاظ ، ترجع إلى معان يقرب بعضها من بعض . وتقدير قراءة من قرأ بضم التاء وقرأ ( الأوليان ) أنه أراد : فآخران من أهل الميت - الذين استحق المؤتمنان على مال الميت الإثم منهما - يقومان مقام [ المُسْتَحِقَّيِ ] الإثم منهما لخيانتهما . و ( من قرأ ) بفتح التاء ، فتقديره : فآخران يقومان [ مقام ] المؤتمَنيْن اللَّذَين عثر على خيانتهما .