Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 36-45)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ } إلى آخر السورة الآيات . أي : وكثيراً من القرون الماضية أهلكنا قبل هؤلاء المشركين من قريش هم أشد من قريش بطشاً . ثم قال : { فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } قال ابن عباس معناه فأثروا في البلاد . وقال مجاهد ضربوا في الأرض . وقيل معناه ضربوا وتوغلوا في البلاد ( يلتمسون محيصاً ) من الموت فلم يجدوا منه مخلصاً . والقرن مأخوذ من الأقران وهو مقدار أكثر ما يعيش أهل ذلك الزمان . قال الفراء : { هَلْ مِن مَّحِيصٍ } ( أي : فهل كان لهم من الموت محيص ) وحذف " كان " للدلالة . وقرأ يحيى بن يعمر فنقِّبوا : على الأمر ، ومعناه : التهدد والوعيد لقريش ، أي : فطوفوا في البلاد وتوغلوا وفروا بأنفسكم فيها هل تجدون محيصاً من الموت . وقراءة الجماعة إنما هي على الإخبار عما فعلت القرون الماضية فالوقف على ( قراءة الجماعة على محيص ) . وعلى قراءة ابن يعمر على " بطشاً " . ثم قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } . أي : إن في إهلاكنا القرون الماضية قبل قريش بكفرهم لذكرى يتذكر بها ويتعظ بها من كان له عقل من قريش وغيرهم ، فينتهي عن الفعل الذي أهلكت القرون الماضية من أجله وهو الكفر بالله ورسله عليهم السلام وكتبه . قال قتادة : { لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } يعني من هذه الأمة . قال : يعني بذلك القلب الحي . فالتقدير لمن كان له عقل يعقل به ما ينفعه وكني عن العقل بالقلب لأنه محله . ثم قال : { أَوْ أَلْقَى ٱلسَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } ( أي : وألقى بسمعه لأخبار الجزاء عن القرون الماضية التي أهلكت بكفرها وعصيانها ) . وهو شهيد : أي : متفهم لما يخبر به عنهم معرض عما يخبر به ، هذا معنى قول أبن عباس والضحاك وغيرهما . وقال قتادة : عني بذلك أهل الكتاب ، فالمعنى وهو شهيد على ما يقرأ في كتاب الله من نعمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو قول معمر . وقال الحسن هو منافق استمع ولم ينتفع . وقال أبو صالح هو المؤمن يسمع القرآن وهو شهيد على ذلك . ثم قال { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } أي : خلقنا جميع ذلك في ستة أيام ، أولها الأحد ، وآخرها الجمعة وما مسنا من إعياء . روي : " أن هذه الآية نزلت في يهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : أخبرنا ما خلق الله ( من الخلق ) في هذه الأيام الستة ، فقال ( خلق يوم الأحد والاثنين الأرض ) ، وخلق الجبال يوم الثلاثاء [ وخلق المدائن والأقوات والأنهار وعمراتها وخرابها يوم الأربعاء وخلق السماوات ] والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات ، يعني من يوم الجمعة ، وخلق في أول الثلاث ساعات الآجال وفي الثانية الآفات وفي الثالثة آدم ، قالوا صدقت إذا أتممت ، فعرف النبي / صلى الله عليه وسلم ما يريدون فغضب ، فأنزل الله { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ * فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } " . قال قتادة : أكذب الله جل وعز اليهود والنصارى وأهل الفِراء على الله جل ذكره ، وذلك أنهم قالوا : خلق الله جل وعز السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استراح يوم السابع . وذلك عندهم يوم السبت ، وهم يسمونه الراحة . قال الضحاك : كان مقدار كل يوم ألف سنة مما تعدون . قال مجاهد : { مِن لُّغُوبٍ } من نصب . وقال قتادة : من إعياء . واللغوب في اللغة : التعب . يقال لغب يلغب لغوباً : إذا تعب . ثم قال : { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ } أي : اصبر يا محمد على قولهم لك ثم استراح . وهذه الآية عند جماعة منسوخة بقوله { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } [ التوبة : 29 ] . وقوله : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } . قال قتادة : قبل طلوع الشمس : صلاة الفجر ، وقبل الغروب : صلاة العصر ، وهو قول ابن زيد . قال ابن زيد : { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ } : يعني صلاة العتمة . وقال مجاهد : هي الصلاة بالليل ، في أي وقت صلى . وقوله : { وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } . قال علي أبي طالب رضي الله عنه : الركعتان بعد المغرب . وكذلك عن عمر رضي الله عنه . وهو قول ابن عباس وابن مسعود والحسن ومجاهد والشعبي وقتادة والضحاك . وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو اختيار الطبري . وقيل : هو على الندب . وعن ابن عباس : { وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } هو التسبيح بعد الصلاة ، وأدبار النجوم علامة الصبح . وقال : ابن زيد وأدبار السجود : النوافل بعد الصلوات المكتوبات . ثم قال : { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } أي : واستمع يا محمد حين ينادي المنادي من صخرة بيت المقدس وهو المكان القريب ، قاله كعب ، قال : ينادي بصوت عال يا أيتها العظام البالية ، والأوصال المنقطعة اجتمعي لفصل القضاء . قال قتادة : كما نحدث أنه من بيت المقدس من الصخرة وهي أوسط الأرض . قال : وحدثنا أن كعبا قال هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا . وقال بريدة : هو ملك يقوم على صخرة المقدس يقول : يا أيها الناس هلموا إلى الحساب قال فيقبلون كما قال الله عز وجل { كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } [ القمر : 7 ] . [ وإنما ] قيل له مكان قريب : لأنه يسمع كل أحد . ثم قال : { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ } أي : يوم يسمع الخلائق صيحة البعث من القبور بالحق أي : بالاجتماع للحساب . ثم قال : { ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } أي : ذلك يوم خروج أهل القبور من قبورهم . ثم قال : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ } أي : نحيى الموتى ، ونميت الأجبار ، وإلينا رجوع جميع الخلق يوم القيامة . ثم قال : { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً } أي : وإلينا مصيرهم في يوم تشقق الأرض عن جميع الخلق ، أي : تتصدع عنهم فيخرجون سراعاً . ثم قال : { ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } أي : جمعهم جمعا علينا سهل . ثم قال : / { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } أي : نحن أعلم يا محمد بما يقول هؤلاء المشركون من كذبهم على الله سبحانه ، وتكذيبهم بآياته ، وإنكارهم للبعث ، ولست يا محمد [ عليهم ] بمسلط على أن تجبرهم على الإيمان ، إنما أنت منذر . قال الفراء : " وضع الجبَّار في موضع السلطان من الجبرية " . ثم قال مجاهد : وما أنت عليهم بجبار : أي : لست تتجبر عليهم ، وهو معنى قول قتادة . وجبار من أجبرته على كذا ، وحكى أهل اللغة أن العرب لا تأتي بفعال من أفعلت ، إنما تأتي به من فعلت غير حرف ، وأخرجا فعَّال من أفعلت ، وهو درّاك من أدركت ، وهو شاذ . وحكى عن العرب : جبره على الأمر ، فجبَّار من هذا . وقد يقال أجبره بمعنى جبره ، لكن الجبار من جبره مأخوذ . ثم قال : { فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } أي : فذكر يا محمد بهذا القرآن من يخاف وعيدي الذي أوعدته من عقابي . قال ابن عباس : قالوا يا رسول الله لو خوفتنا ، فنزلت { فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ } .