Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 50-60)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال : { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ } إلى آخر السورة الآيات أي : فاهربوا من عذاب الله إلى الله بالإعمال الصالحات . { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } أي : أنذركم عقابه ، وأبين لكم النذارة . ( وقيل معناه : فروا إلى الله من أمر الله ) . س ثم قال : { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } أي : لا تعبدوا إلهاً آخر ، إنما هو الله واحد ، إني لكم منه نذير مبين كالأول . فالأول تخويف من الله لمن عصاه من الموحدين ، والثاني تخويف لمن عبد معه غيره من المشركين ، " وكذلك " تمام عند أبي حاتم وأحمد ابن موسى وعند غيرهما " مبين " الثاني ، والكاف من " كذلك " إن وقفت عليها في موضع رفع ، أي : الأمر / كذلك ، ومن ابتدأ بها ، فهي في موضع نصب . أي : فعل قريش مثل فعل من كان قبلهم في قولهم للرسول ساحر أو مجنون ، والتقدير كما كذبت قريش محمداً كذلك كذبت الأمم من قبلها رسلهم ، وكما قالت في محمد قريش ، كذلك قالت الأمم ( قبلها ، كأنهم تواصوا على ذلك ) . ثم قال : { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } أي : كما فعلت قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم وكذلك فعلت الأمم قبلها . ثم قال : { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ } أي : أوصى بذلك بعضهم بعضاً . قال قتادة : معناه : كأن الأول أوصى الآخر بالتكذيب . ثم قال : { بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } أي : لم يتواصوا بذلك لكنهم اتفقوا في الطغيان والعصيان فركبوا طريقة واحدة في التكذيب لرسلهم ، والكفر بالله سبحانه . ثم قال : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } أي : فأعرض يا محمد عن هؤلاء المشركين حتى يأتيك أمر الله فيهم . { فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } أي : لا يلومك ربك على إعراضك عنهم . وقال ابن زيد : معناه : بلغت ما أرسلناك به فلست بملوم . قال قتادة : ذكر لنا أنه لما نزلت هذه الآية اشتد على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وظنوا أن الوحي قد أنقطع ، وأن العذاب قد حضر فأنزل الله بعد ذلك { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . وقال الضحاك : التوالي منسوخ ؛ لأنه قد أمر بالإقبال عليهم ، والموعظة لهم ، والمعنى وذكِّر يا محمد من أرسلت إليه ، فإن العظة تنفع أهل الإيمان بالله . وقيل : المعنى : وذكَّرهم بالعقوبة والهلاك وبأيام الله . وليس قوله { فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } بوقف ؛ لأنه لم يؤمر بالتولي فقط ، بل أمر معه بالتذكير . والتمام { تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . ثم قال : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } يعني : من المؤمنين المتقدم ذكرهم ، لم يخلق المؤمن من الجن والإنس إلا للعبادة . يعني : من علم منهم أنه يؤمن ، فخلقه لما علم منه ، وهو الإيمان . وقيل معنى الآية : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعرفوني ، فكل الخلق مقر بالله عارف به كما قال : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } [ لقمان : 25 ] . وقيل المعنى : وما خلقت الجن والإنس إلا لأستعبدهم واختبرهم ، فقد استعبد الجميع وأمرهم ونهاهم ، فكفر فريق ، وآمن فريق على ما علم منهم قبل خلقه لهم . ويدل على أن الآية ليست على العموم كثرة من يموت قبل وجوب العبادة عليه ، نحو الأطفال ، وكثرة من يعيش معتوهاً لا تجب عليه عبادة ، فدل ذلك على أن الآية خصوص فيمن علم منه العبادة والطاعة من الجن والإنس خلقه ( له ) ليعبده كما علم منه ذلك ؛ فيجازيه على ذلك ، لأن علمه بطاعتهم لا يجازون عليها حتى يخلقهم ويعملون ، فخلقهم ليعملوا فتقع المجازات على ما ظهر من طاعتهم ، فأخبر أنه خلقهم لذلك ، فإنما عني أنه خلق المؤمنين من الجن والإنس الذين تنفعهم الذكرى لعبادته فكانوا كذلك كما قال : { كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ } [ الأعراف : 29 ] . وقد قال تعالى ذكره : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } [ الإنسان : 5 ] . ثم قال : { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ } [ الإنسان : 6 ] يعني الأبرار خاصة المذكورين ليس يريد كل عباد الله ، فهذا مثل ذلك ، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الآية . معناها : ما خلقت الجن والإنس إلا لآمرهم بعبادتي اختياراً . ( وقيل معناه : ما خلقت أهل السعادة من الفريقين إلا ليوحدون ) . وقال ابن عباس : إلا ليعبدون ؛ أي : من خلقت منهم لعبادتي خصوصاً يعني المؤمنين منهم . وقال زيد بن أسلم : إلا ليعبدون : هو ما جبلوا عليه من الشقاء والسعادة . وقال سفيان ، معناه : من خلق للعبادة منهم لم يخلق إلا لها . وقال ابن عباس : لم يخلق الفريقين إلا ليقروا بالعبادة طوعاً وكرهاً ، فيكون عاماً وعلى الأقوال الأول يكون مخصوصاً . وقيل : المعنى ما خلقهم إلا ليأمرهم بالعبادة ، فمن تقدم له منهم في علم الله الطاعة أطاع أمره ، ومن تقدم له في علم الله المعصية عصى أمره . ثم قال : { مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } . قال ابن عباس : معناه : ما أريد منهم أن يرزقوا أنفسهم ولا أن يطعموها . وقيل المعنى ما أريد أن يرزقوا أنفسهم ، وما أريد أن يطعموا عبادي / . { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ } أي : إن الله هو الرزاق خلقه ، المتكفل بأقواتهم . ذو القوة المتين : أي : ذو القوة الشديدة . قال ابن عباس : المتين : الشديد . ثم قال : { فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ } أي : فإن للذين أشركوا بالله من قريش نصيباً من العذاب مثل نصيب أصحابهم من الأمم الماضية التي أشركت كما أشركوا ، وكذبت كما كذبوا . وأصل الذَّنُوب : الدَّلْوُ العظيمة ، وهي السجل كانوا يقتسمونها على الماء فيستسقى هذا حظه ونصيبه ، وهذا حظه ونصيبه ، فسمي الحظ والنصيب الذَّنُوب على الاستعارة . وقوله : { فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ } [ أي : فلا يستعجلوا ] العذاب فإنه آتيهم كما أتى الأمم الماضية الكافرة مثلهم . وقال ابن جبير معناه : فإن للذين ظلموا من قريش سجلاً من العذاب مثل سجل أصحابهم من الأمم الماضية ، فلا يستعجلوا ذلك وهو قول مجاهد وقتادة وابن زيد . ثم قال : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } أي : فقبوح لهم من يومهم . وقيل المعنى : فالواد السائل في جهنم من قيح وصديد لهم في يوم القيامة .