Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 9-23)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } إلى قوله : { وَلاَ تَأْثِيمٌ } الآيات . معناه أن عذاب ربك يا محمد لحال بالكافرين في يوم تمور السماء موراً : أي : تدور وتتحرك . قال مجاهد : تمور مَوْراً : تدور دوراً . قال قتادة : مورها : تحركها . وقال الضحاك : مورها : استدارتها وتحركها لأمر الله عز وجل موج بعضها في بعض . وقال ابن عباس : مورها : تشققها . وقيل : معنى تمور : تَتَكَّفأ كما تَتَكفَّأ السفينة حتى تذهب فلا تكون شيئاً ، وتسير الجبال عن أماكنها كما تسير السحاب . وقيل : { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } ، أي : تسير عن أماكنها من الأرض ، فتصير هباءً منبثاً . ثم قال : { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } أي : فالواد السائل من قيح وصديد في جهنم لهم ، ودخلت الفاء في " فويل " لجواب الجملة التي قبلها ؛ لأن الجملة فيها إبهام ، فشابهت الشرط فجوبت بالفاء كما يجاب الشرط . ثم قال : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } أي : في فتنة واختلاط في الدنيا غافلين لاهين عما هم صائرون إليه . ثم قال : { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } أي : يدفعون ويرهقون إليها دفعاً . وقوله : { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ } يقال هذه النار التي كنتم تكذبون وتجحدون ، أي : ترِدونها وتصلونها . ثم قال : { أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ } أي : يقال لهم يوم القيامة حين يعاينون العذاب ، [ أفسحر هذا الذي وردتموه أم أنتم لا تعاينونه وهذا الكلام معناه التوبيخ والتقريع ] ، وتحقيق العطف أن معناه : " بل أنتم " فهو خروج من أمر إلى أمر ، أي : لا تبصرون الحق ، وقد كانوا يبصرون ، لكنه توبيخ لهم وتقريع وتوقيف على صحة ما كانوا يكذبوا به من النار ، فهو من بصر القلب لا من بصر العين . ثم قال : { ٱصْلَوْهَا فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ } أي : ذوقوا حر هذه النار فاصبروا على ألمها وشدتها أو لا تصبروا على ذلك ، سواء عليكم أصبرتم أم جزعتم ، لا بد لكم من الخلود فيها مجازاة لكم بأعمالكم في الدنيا وكفركم بالله سبحانه فلفظه لفظ الأمر ، ومعناه الخبر عنهم دليله قوله بعد ذلك : { سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ } ، أي : سواء عليكم الجزع والصبر . ثم قال : { إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } أي : إن الذين اتقوا الله بأداء فرائضه ، واجتناب معاصيه في بساتين ونعيم في الآخرة . وقال الحسن : { ٱلْمُتَّقِينَ } هم الذين اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما أفترض عليهم . وقال ابن عباس : إنما سمي المتقون المتقين لأنهم ذكروا الله عند طاعته فأخذوا بها تقية له ، وذكروه عند معصيته فتركوها تقية له . قال ميمون بن مهران : [ لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه ] . وقال الحسن : من اتقى الشرك فهو متق ، ولو زاد الحسن في قوله " والكبائر " لكان قولاً مختاراً . وقال أبو الدرداء : تمام التقوى أن يتقي العبد الله حتى يتقيه في مثقال ذرة ، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خيفة أن يكون حراماً فيكون حجاباً بينه وبين الحرام ، فأن الله قد بين للعباد ما هم صائرون إليه . وقال : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ } [ الزلزلة : 7 - 8 ] ، فلا تحقرن شيئاً من الشر أن تتقيه ، ولا شيئاً من الخير أن تفعله . وقوله { فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ } . أي : عندهم فاكهة كثيرة . تقول العرب : هو رجل تامر ولابن : إذا كان عنده تمر كثير ولبن . وقيل معنى فاكهين : طيبي الأنفس ، ضاحكين بما أعطاهم ربهم في الآخرة من النعيم وبما دفع عنهم من عذاب النار . ثم قال : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } أي : يقال لهم كلوا واشربوا في الجنة هنيئاً ، لا تخافون انتقالاً ولا موتاً ولا هرماً ولا مرضاً جزاء لهم بعملكم في الدنيا . { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } [ أي ] : على نمارق وعلى سرر جعلت صفوفاً . وترك ذكر " النمارق " لدلالة الكلام عليها / . ثم قال : { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } أي : جعلنا للذكور من هؤلاء ، المتقين أزواجاً بحور عين قربناهم بهم . والحور : جمع حوراء ، وهي الشديدة بياض مقلة العين في شدة سواد الحدقة . والعين : جمع عيناء ، وهي العظيمة العين في حسن سعة . قال الضحاك : { بِحُورٍ عِينٍ } ، بيض حسان العيون / . والحَوَرُ في اللغة : البياض ، ومنه قيل الحواري ، وقيل : للقصار حوار ، ولصفوة الأنبياء حواريون . { مَّصْفُوفَةٍ } : تمام عند نافع . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } . قال ابن عباس : هو المؤمن ( يرفع الله ذريته ) لتقر بذلك عينه وإن كانوا دونه في العمل . وعن ابن عباس أنه قال : المؤمن تتبعه ذريته بإيمان يلحق الله به ذريته الصغار التي لم تبلغ الإيمان . وروى عبادة بن الصامت عن كعب الأحبار أنه قال : والذي نفسي بيده إن أطفال المسلمين ليقدسون حول العرش ، ويسبحون ، ويحمدون الله ، وما من أحد أكرم على الله عز وجل منهم ، فإذا كان يوم القيامة يقول الله تبارك وتعالى : ادخلوا الجنة فيقولون : ربَّنا وآباؤنا ، فيقال لهم ويقولون ثلاث مرات : وآباؤنا فيقول الله عز وجل في الثالثة : ادخلوا الجنة وآباؤكم معكم . قوله : { وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } أي : ولم ينقص الآباء من عملهم شيئا . وقال الضحاك معناها : من أدرك ذريته الإيمان فعمل بطاعتي ألْحقتهم بآبائهم في الجنة ، وأولادهم الصغار أيضاً على ذلك . وقال ابن زيد بمثل هذا القول إلا أنه جعل الهاء ، والميم في { أَلْحَقْنَا بِهِمْ } من ذكر الذرية ، فالمعنى عنده : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بالإيمان [ ألحقنا بالذرية ] أبناءهم الصغار الذين لم يلحقوا الإيمان ولم يبلغوا العمل . وقيل المعنى : إن الله عز وجل ذكره ليضل ( الذرية الجنة ) بعمل الآباء إذا كانوا مؤمنين من غير أن ينقص الآباء من أجرهم شيئاً ، قاله عامر وابن جبير . وقال النخعي : يعطي الله ذرية الرجل إذا اتبعوه على الإيمان من الأجر مثل ما أعطاه الآباء من غير أن ينقص الآباء شيئاً من أجرهم . وقاله الربيع . وقال قتادة : عملت الذرية بطاعة الله ، فألحقهم الله بآبائهم وما نقص الآباء من أجورهم شيئاً . ثم قال : { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } أي : كل إنسان مرتهن بما عمل من خير وشر ، لا يؤاخذ أحد بذنب غيره . ثم قال : { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } أي : أمددنا هؤلاء الذين اتبعتهم ذريتهم بإيمان مع ذرياتهم بفاكهة وبلحم مما يشتهون من اللُّحمان . ثم قال : { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً } أي : يتعاطون في الجنة كأس الشراب ، ويتناولونه بينهم . لا لغو في الكأس : أي : لا يلغو من شربها كما تفعل خمر الدنيا . { وَلاَ تَأْثِيمٌ } أي : ولا يأثم من شربها كما يأثم من شرب خمر الدنيا . وقيل : التأثيم هنا : الكذب ، واللغو : الباطل .