Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 19-32)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } إلى قوله : { أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } الآيات . رأيت من رؤية العين ، ولذلك نصب بها ، ولو كانت التي للسؤال والاستفتاء لم تتعدد نحو قوله { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } [ العلق : 13 ] فالمعنى : أفرأيتم أيها المشركون هذه الأصنام التي جعلتموها بنات الله . { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } أي : أتجعلون له البنات ولكم الذكور ( أي : هذه إذاً ) . { قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } أي : قسمة جائرة على الحق ، وذلك أن المشركين أخذوا اسم الباري وهو الله ، وزادوا فيه التأنيث وسموا به أصنامهم فقالوا اللات ، وكذلك أخذوا العزى من العزيز وأخذوا منات من : منى الله الشيء : إذا قدره ، وزعموا أنها بنات الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، فجعلوا لله ما لا يرضون لأنفسهم . قال أبو عبيدة : هي أصنام كانت في جوف الكعبة يعبدونها . وقرأ مجاهد " اللات " بالتشديد ، وكذلك قرأ ابن عباس ، وقالا : كان رجلاً يلِت السَّويق أيام الحج فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه . وقيل : كان يقوم على ألهتهم ويلِت السويق لهم ، وكان بالطائف قاله أبو صالح والسدي . وقيل : كان يلِت السويق ويبيعه عند ذلك الصنم ، فسمى الصنم اللات بتشديد التاء . وحكى خلف عن سليم عن حمزة وأبو عبد الرحمن عن ( اليزيدي ) عن أبي عمرو أنهما وقفا على اللات بالتاء ، اتباعاً للمصحف ، وكذلك وقف نافع . وروي عن الكسائي أنه وقف بالهاء ، والمشهور عن جميعهم الوقف على التاء اتباعاً للمصحف وإبعاداً أن يشبه الوقف على الله . والعُزّى : حجر أبيض كانوا يعبدونه قاله ابن جبير . وقال مجاهد : العُزى شجرة كانوا يعبدونها . وقال ابن زيد : العُزى بيت بالطائف لثقيف كانوا يعبدونه . وقال قتادة : هو نبت كان ببطن نخلة ، وأما منات فصنم كان لخزاعة . وقال قتادة : [ التقدير ] آلهة يعبدونها وهي اللات والعزى ومنات . قال أبو إسحاق : " منات " صخرة لهذيل وخزاعة كانوا يعبدونها من دون الله / جل وعز وتعالى عن ذلك . وقيل : الَّلات صنم كان لثقيف ، والعزى سمرة عبدوها . وقوله : { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } أي : قسمة جائرة ناقصة إذ رضيتم أن تجعلوا لخالقكم ورازقكم ما تكرهونه لأنفسكم وآثرتم أنفسكم بما تحبون . ( وضيزى فُعلى ) ولكن كسرت ، وإنما كان أصلها الضم إذ ليس في الكلام فعلى صفة وفيه ( فُعلى وفَعلى ) فكسرت الضاد لتصح الياء ، كما قالوا بيضٌ وأصله بوض . ومن همزه فهي لغة يقال ضَازَهُ يَضِيزُهُ ويَضُوزُهُ وضَأَزَهُ يَضْأَزَهُ . ويقال : ضِزتَهُ وضَزْته إذا نَقَصتَهُ حَقَّهُ ، فيقال على هذا ضِئزَى بالهمز وضُؤْزَى أيضاً . وجواب الاستفهام محذوف ، والتقدير : أفرأيتم هذه الأصنام هل لها من هذه القدرة التي تقدم ذكرها شيء . وقال أبو عبيدة : التقدير أَلَكُمْ الذكر وله الأُنثى كيف يكون هذا لأنهم قالوا الملائكة بنات الله جل ذكره . وقيل الجواب : { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } . ثم قال : { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم } أي : ما اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى إلا أسماء أحدثتموها أيها المشركون أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بهذه الأسماء من سلطان أي : من حجة في هذه الأسماء . ثم قال : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } ؛ أي : ما يتبع هؤلاء المشركون في هذه [ الأسماء ] إلا الظن ، وهوى أنفسهم فاخترقوا ما لم يؤمروا به من قبل أنفسهم ، ومن ما وجدوا عليه آباءهم الكفار بالله عز وجل . ثم قال : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } أي : جاءهم محمد من عند ربهم عز وجل بالبيان والوحي الحق . ثم قال : { أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ } أي : ليس ذلك فيكون الأمر على ما يشتهون ، بل الله عز وجل يعطي من يشاء ما شاء ، إذ له الآخرة والأولى . ثم قال : { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً } أي : وكثير / من الملائكة في السماوات لا تنفع شفاعتهم لمن شفعوا إلا من بعد أن يأذن الله عز وجل لهم فتنفع شفاعتهم إذا رضي الله سبحانه بها ، وهذا توبيخ لعبدة الأوثان والملائكة من قريش وغيرهم لأنهم قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ، فأخبر تعالى ذكره أن الملائكة مع فضلهم وكثرة طاعتهم لا تنفع أحداً شفاعتهم إلا من ( بعد إذن الله عز وجل لهم ) ورضاه ، فكيف تشفع الأصنام لكم . ثم قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ ٱلْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ ٱلأُنْثَىٰ * [ وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ] } . أي : أن الذين لا يصدقون بالبعث ليسمون الملائكة تسمية الإناث لأنهم كانوا يقولون هم بنات الله تعالى ( الله عن ذلك علواً كبيراً ) . { وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } أي : ما يقولون [ ذلك ] إلا ظناً بغير علم ، والهاء تعود على الأسماء لأن التسمية والأسماء واحد ، { وَإِنَّ ٱلظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْئاً } [ أي ] يقوم مقام الحق . ثم قال : { فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا } أي : فدع من أدبر عن الإيمان بما جئته به من القرآن . { وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي : طلب الدنيا ولم يطلب ما عند الله . { ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ } أي : ليس لهم علم إلا علم معائشهم وإلا إيثار الدنيا على الآخرة وقولهم الملائكة بنات الله . ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ } أي : هو عالم لهم قد علمهم في سابق علمه أنهم لا يؤمنون ، وهو أعلم في سابق علمه بمن يهتدي فيؤمن . ثم قال : { وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ بِمَا عَمِلُواْ } أي : لله ملكهما وما فيهما . ولام ليجزي ( متعلقة بقوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } { لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } . وقيل المعنى : ولله ما في السماوات وما في الأرض يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، فهو أعلم بهم ليجزي الذين أساءوا ويجزي الذين أطاعوا . وقيل هي متعلقة بقوله : { وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱهْتَدَىٰ … لِيَجْزِيَ } . وقوله : { بِٱلْحُسْنَى } يعني بالجنة . قال زيد بن أسلم : { ٱلَّذِينَ أَسَاءُواْ } : المشركون ، { ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ } المؤمنون . ثم بيَّن المؤمنين ونعتهم فقال : { ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ } أي : يبعدون عن ارتكاب الكبائر التي نهى الله عنها ، وقد تقدم القول فيها في " النساء " . ويبعدون عن ارتكاب الفواحش التي نهى الله عنها وهي الزنا وشبهه مما أوجب الله فيه حداً . وقوله : { إِلاَّ ٱللَّمَمَ } قال ابن عباس : إلا ما سلف منهم في الجاهلية قبل الإسلام . وقال زيد بن أسلم : الكبائر : الشرك ، والفواحش ، والزنا ، تركوا ذلك حين أسلموا فغفر الله عز وجل لهم ما كانوا أتوا به وأصابوه من ذلك قبل الإسلام . وقيل : اللمم : الصغائر . / وقيل : هي أن تلم بالشيء ولا تفعله . وقيل اللمم كنظر العين والتقبيل والجس . وقال الشعبي : هو ما دون الزنا ، وقيل : " إلا " بمعنى الواو ، وليس بشيء هذا نقض كلام العرب . وقال أبو هريرة : هو مثل القبلة والغمزة والنظرة والمباشرة . وعن ابن عباس أن اللمم أن تأتي الذنب ثم تتوب منه ولا تعود . وعن أبي هريرة أيضاً مثله ، ( وهو قول أهل اللغة قالوا : اللمم بالذنب أن تناول منه ولا تمر عليه ، ويقال ألْمَمْتُ أتيت ونزلت عليه ) . ( وعن ابن عباس وابن الزبير ) هو ما بين الحدين ، حد الدنيا والآخرة وبه قال عكرمة وقتادة والضحاك . وروى ابن وهب عن عبد الله بن عمر وابن العاص أنه قال : اللَّمم ما دون الشرك . ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ } أي : لمن اجتنب الكبائر . { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } يعني آدم عليه السلام . { وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } أجنّة : جمع جنين ، أي : أعلم بكم في ذلك الوقت وفي كل وقت ، وهو أعلم بمن أتقى . وقيل اللمم هو الذنب [ بين ] الحدين مما لم يأت عليه حد في الدنيا ، ولا توعد عليه بنار في الآخرة تكفره الصلوات الخمس . والكبائر مثل الزنا وقتل النفس التي حرم الله ، وشرب الخمر وعقوق الوالدين ، ( وأكل مال اليتيم ) . وقال نفطويه : اللمم هو أن تأتي ذنباً لم يكن لك بعادة ، والعرب تقول : ما تَأْتِينَا إلاَّ لِماماً : أي : في الحين بعد الحين . قال : ولا يكون اللمم أن تهم ولا تفعل ؛ لأن العرب إذا قالت : ألم بنا فلان معناه فعل الإتيان لا أنه همَّ ولم يفعل ، ويدل على أنه فعل الذنب قوله { وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ } فهل تكون المغفرة إلا لمن فعل ذنباً / ، وهل يغفر ما لم يفعل . وروى الحسن أنه قال : اللمم هو أن يلم الرجل اللمة من الخمر واللمة من الزنا ، واللمة من السرقة ثم لا يعوده . قال عمرو بن العاص : اللمم ما دون الشرك . وقوله : { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } [ النساء : 31 ] يدل على أن اللمم : الصغائر يغفرها الله لمن اجتنب الكبائر حتماً . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ } [ النساء : 48 ] هذه المغفرة ليست بحتم إنما هي إلى مشيئة الله يفعلها لمن يشاء ، ومغفرة الصغائر لمن أجتنب الكبائر حتم من الله جل ذكره ( فعلها ) . ثم قال : { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي : الله عالم بما تعملون حين خلق أباكم آدم من الأرض ، وحين أنتم أجنة في بطون أمهاتكم يعلم ما تصير إليه أموركم ، وما أنتم عاملون ، فلا تزكوا أنفسكم فإن الله يعلم المتقي من الفساد . وأجنة جمع جنين .