Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 55, Ayat: 37-59)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } إلى قوله { وَلاَ جَآنٌّ * فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } الآيات . أي : فإذا انفطرت السماء وذلك يوم القيامة وكان لونها كلون الفرس الورد الأحمر . قال ابن عباس فكانت وردة كالدهان : كالفرس الورد . وقال الضحاك تتغير السماء فيصير لونها كلون الدابة الوردة . ومعنى كالدهان : كالدهن صافية ، قاله سجاد والضحاك . وقال أبو الجوزاء تكون كصفاء الدهن . وقال زيد بن أسلم تكون كعكر الزيت . " والدهان " جمع " دهن " ، وقيل الدهان الجلد الأحمر . ثم قال { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } قد تقدم شرحه . ثم قال : { فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } أي : لا تسأل الملائكة أحداً عن ذنوبه ، لأن الله عز وجل قد حفظها [ عليهم ] وأحصاها فليس يؤخذ علمها من عندهم . قال ابن عباس معناه : لا أسألهم عن ذنوبهم ، ولا أسأل بعضهم عن ذنوب بعض وهو مثل قوله { وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ } [ القصص : 78 ] وهو مثل قوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم { وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ } [ البقرة : 119 ] على قراءة من رفع . وقال مجاهد : معناه أن الملائكة لا تسأل عن المجرمين لأنهم يعرفونهم بسيماهم . وقال قتادة : قد كانت مسألة ، ثم ختم الله على السنة القوم فتكلمت ايديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فكأنها مواقف مختلفة على قول قتادة . وقال قتادة : أيضاً هم معروفون بسواد وجوههم ، وزرقة عيونهم . ودل على صحة ( هذا التفسير ) أن بعده يعرف المجرمون بسيماهم . والسيماء : العلامة وهو قول الحسن أيضاً . ثم قال { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ } أي : / تعرف الملائكة المجرمين بعلامتهم وذلك سواد وجوههم ، وزرقة الأعين ، قاله أهل التفسير كلهم . وقوله { فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } أي : مجمع ( بين رجلي الرجل ) وناصيته حتى يدق ظهره ثم يلقى في النار ، فذلك أشد لعذابه وأعظم في التسوية به . قال ابن عباس يجمع بين ناصيته وقدميه فيكسر كما يكسر الحطب في التنور . ثم قال { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } أي : يقال لهم هذه جهنم التي كنتم ( بها تكذبون ) . وفي قراءة ابن مسعود هذه جهنم التي [ كنتما ] بها تكذبون ، تصليانها لا تموتان فيها ولا تحييان مخاطبة للكفار من الجن والإنس . ثم قال { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } أي : يطوف هؤلاء المجرمون في جهنم بين أطباقها . { وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } أي : وبين ماء قد أسخن وأغلى حتى انتهى حره ونضجه . [ وقال الضحاك : بلغ غليه ، وعنه أيضاً قد انتهى نضجه منذ خلق الله السماوات والأرض . وقال ابن زيد : الآني : الحاضر . وقال الحسن ما ظنك بأقوام وقفوا في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ، فلما انقطعت أعناقهم وأجوافهم من العطش والجوع أمر بهم إلى نار جهنم ] . ثم قال { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } . أي : ولمن اتقى الله جل ذكره ، وخاف مقامه بين يدي ربه عز وجل فأطاعه بستانان . قال مجاهد : هو الرجل يهم بالذنب فيذكر مقام ربه فينزع منه ، وهو قول النخعي وقتادة . وقال أبو الدرداء " قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً هذه الآية { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } فقلت وإن زنا وسرق يا رسول الله [ فقلت كذلك إلى ثلاث مرات فقال النبي صلى الله عليه وسلم ] وإن رغم أنف أبي الدرداء " قال ابن زيد مقامه حين يقوم العباد بين يديه [ يوم ] القيامة . فالمعنى ولمن ترك المعصية خوفاً من الله جنتان ، قيل هما جنة خلقت له وجنة ورثها كما قال تعالى : { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [ الزخرف : 72 ] . وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " هل تدرون ما الجنتان قالوا الله ورسوله أعلم . فقال بستانان في أرض الجنة ، كل بستان مسيرة مائة عام في وسط / كل بستان دار من نور على نور ، وليس منها شيء إلا يهتز ( نعمة وخضرة ) قرارها ثابت وشجرها ثابت . ثم قال { ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ } هذا نعت للجنتين " قال ابن عباس : ذواتا ألوان . وقال عكرمة ذواتا أفنان : ظل الأغصان على الحيطان ، وهو قول مجاهد والضحاك . وقال الضحاك ذواتا ألوان من الفاكهة . وعن مجاهد معناه : ذواتا أغصان . وعن ابن عباس أيضاً أنه قال يتماس أطراف شجرها ، أي : يمس بعضه بعضا كالمعروشات . وقال قتادة : ذواتا أفنان : يعني فضلهما وسعتهما على ما سواهما . وقال معمر ذواتا فضل على ما سواهما . والأفنان في اللغة : الأغصان ، والواحد " فنن " على قول أكثرهم إلا الضحاك فإن الواحد على قوله " فن " ويلزم أن يجمع على قوله على فنون لأنه قال ذواتا أفنان ، ذواتا ألوان من الفاكهة . ثم قال { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } أي : في الجنتين عينان تجريان يقال إن حصباهما الياقوت الأحمر والزبرجد الأخضر ، وترابهما الكافور ، وحصاتهما المسك الأذفر وحافاتهما الزعفران . ( قال مسروق في صفة الجنة أنهارها تجري في غير أخدود ، ونخلها نضيد من أسفله إلى فرعه ، وثمرها أمثال القلال كلما أخذ منها تمرة عادت مكانها أخرى ، طول العنقود اثنى عشر ذراعاً ) . ثم قال { فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ } أي : في الجنتين من كل نوع من الفاكهة نوعان وضربان . ثم قال { مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَآئِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } أي : ينعمون متكئين على فرش ، ودل الكلام على هذا الفعل وهو العامل في الحال ذكره المبرد . وقيل العامل معنى الملك في قوله { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ } { مُتَّكِئِينَ } وهو محمول على المعنى ، ولو دل على اللفظ لقال متكئاً . والاستبرق عند العرب : الديباج الغليظ الذي يعلو على الكعبة . وقيل هو الخز الموشي هذا هو البطائن . ولم يذكر تعالى ذكره الظواهر ، إذ ليس في الدنيا من يعرف قدرها . قال ابن مسعود قد أخبرتم بالبواطن فكيف لو أخبرتم بالظواهر . وقيل لابن جبير هذه البطائن من استبرق ، فما الظواهر ؟ قال هذا مما قال الله جل ثناءه فيه { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [ السجدة : 17 ] . وفي الحديث " ظواهرها بدر يتلالا " . وصغر سيبويه استبرق على أبيرق ، وأن السين والتاء زائدتان والألف بمنزلة ميم مستفعل ، لأن الهمزة / [ تكون ] زائدة أولاً في بنات الأربعة والخمسة ، إنما تكون زائدة أولاً في بنات الثلاثة . وقال الفراء تصغيره " تَبَيْرق " فحذف السين والهمزة . ثم قال { وَجَنَى ٱلْجَنَّتَيْنِ دَانٍ } أي : وثمر الجنتين قريب من آخذه ومجتنيه يجتنيه كيف يشاء قائماً وقاعداً وراقداً . قال قتادة : ثمارها دانية لا يرد أيدهم عنده بعد ولا شوك . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا يقطع رجل ثمرة من الجنة فتصل إلى فيه حتى يبدل الله جل ثناؤه مكانها خيراً منها " . وروى ابن جبير عن ابن عباس أنه قال : نخل الجنة خشبها ذهب كرنفها زمرد أخضر وثمرها أمثال القلال أحلى من الشهد ، والين من الزبد لا عجم لها . وقال أبو عبيدة عن مسروق أنهار الجنة تجري في غير أخدود نخلها نضيد من أسفله إلى فرعه ، وثمرها أمثال القلال . كلما أخذت منها ثمرة عادت مكانها أخرى ، طول العنقود منها أثنى عشر ذراعا . ثم قال { فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ } أي : في الفرش . وفي بمعنى على ، والمعنى : على الفرش حور قاصرات الطرف . وقيل المعنى : في الجنتين وفيما أعد له قاصرات الطرف : فلذلك جمع " فيهن " ويجوز أن تكون الجنتان تشتمل على جنات ، فجمع " فيهن " على المعنى ، ألا ترى أن الجنة التي أمد الله عز وجل لأوليائه تشتمل على جنات قد تقدم ذكرها وقد قال تعالى : { يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } [ النساء : 124 ] . ثم قال { جَنَّاتُ عَدْنٍ } [ الرعد : 23 ] ، فأبدل من الجنة جنات لأنها تشتمل على جنات . وقيل هو جمع أتى في موضع التثنية / ، كما قال { فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [ التحريم : 4 ] وله نظائر تقدم ذكرها . وقال الفراء كل موضع من الجنتين جنة ، فلذلك قال { فِيهِنَّ } . ومعنى { قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ } أي : قصر أطرافهن على أزواجهن ، فلا ينظرن إلى غيرهم من الرجال . قال ابن زيد : لا ينظرن إلا إلى أزواجهن ، تقول الحوراء : وعزة ربي وجلاله وجماله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك ، فالحمد لله الذي جعلك زوجي وجعلني زوجك . يقال قصره : إذا حبسه . فالمعنى فيهن حور حابسات طرفهن عن جميع الرجال إلا من أزواجهن . روى أنه عني بهن الآدميات اللواتي يمتن أبكارا ، ودليل هذا قوله { لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ } يعني في الدنيا لم يدمهن ، لم يفتضضهن إنس قبل أزواجهن في الجنة ولا جان . حكى الفراء طمثها يطمثها إذا أفتضها ، ولا يكون إلا بتدمية ، ومنه قيل للحائض : طامث . وقال غير الفراء يقال طمثها : إذا وطئها على أي الوجوه كان . قال عكرمة : لم يطمثهن : لم ينكحهن ، والطمث : الجماع . قال ابن عباس : لم يطمثهن ، لم يدمهن ، فإن قيل كيف ذكر الجان في الوطء ، فالجواب أن مجاهداً قال إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إِحْلِيلِه فجامع معه . واستدل بعض العلماء بهذه الآية على أن الجن يدخلون الجنة ، فالإنسيات للإنس والجنيات للجن ، قاله ( ضمرة بن حبيب ) . وهذه الآية أيضاً تدل على أن الجن يطئون . ثم قال { كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } أي : كأن هؤلاء الحور الياقوت في صفائه يرى مخها من فوق لحمها وحللها كما يرى السلك في داخل الياقوتة وكأنهن اللؤلؤ في بياضه ، هذا قول ابن عباس والحسن وابن زيد وسفيان وغيرهم . وقيل المعنى هن في صفاء الياقوت وبياض اللؤلؤ وحمر المرجان من رقة البشر . وروى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أن المرأة من الجنة ليرى بياض ساقها من وراء سبعين حلة من حرير ومخها ، وذلك أن الله قال { كَأَنَّهُنَّ ٱلْيَاقُوتُ وَٱلْمَرْجَانُ } فأما الياقوت فإنك لو أدخلت فيه سلك لرأيته من ورائه " . وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " من دخل الجنة فله فيها زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء ثيابهما " .