Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 12-12)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ( قُل للَّهِ ) } الآية . قوله { ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ } في موضع رفع بالابتداء . ويجوز أن يكون في موضع نصب على البدل من المضمر في { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } ، وهو قول الأخفش . وقيل : إن { لَيَجْمَعَنَّكُم } بدل من { ٱلرَّحْمَةَ } على معنى التفسير لها . ورد المبرد قول الأخفش ، وقال : لا يجوز أن يبدل من المخاطب إلا المخاطب ، لو قلت : " مَرَرْت بك زيدٍ " ، و " مررت بي زيد " لم يجز ، لأن هذا لا يُشكِل فيُبيَّن ، ولكنه مرفوع بالابتداء ، و { فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } الخبر . وقال ابن قتيبة : { ٱلَّذِينَ } في موضع خفض على البدل أو النعت " للمكذبين " الذين تقدم ذكرهم . ومعنى الآية : قل يا محمد لهؤلاء العادلين المكذبين { لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : لمن ملك ذلك ؟ ، وليس لهم جواب عن ذلك ، فكأنهم طلبوا الجواب من السائل ، فقالوا لمن ذلك ؟ ، فقيل لهم : { للَّهِ } ، فصار السؤال والجواب من جهة واحدة في الظاهر والجواب إنما هو ( جواب ) لسؤال مضمر ، لأنهم عجزوا عن الجواب فقالوا : لمن ذلك ؟ ، فأجيبوا : { للَّهِ } ، أي : هو للهِ ، فأخبرهم أن ذلك للهِ ، وأعلمهم أن الله كتب على نفسه الرحمة لعباده ، فلا يعجل عليهم بالعقوبة ، فتوبوا إليه . روى أبو هريرة أن النبي عليه السلام قال : " كَتَب اللهُ كِتاباً قبلَ الخَلْقِ : إن رَحْمَتي تَسْبِقُ غَضَبِي " . وعن سلمان أن الله لما خلَق السماء و ( الأرض ) ، خلقَ مائةَ رحمة ، كلُّ رحمةٍ تملأُ ما بين السّماء والأرضِ ، فَعِندهَ تِسعٌ وتسعونَ رحمةً ، وقَسَّمَ رحمةً بينَ الخلائقَ ، ( فبها يتعاطفون ) ، فإذا كان ذلك - يعني يوم القيامة - قَصَرها الله على المتقين ، وزادهم تسعاً وتسعين . وعن سلمان قال : نجد ذلك في التوراة . وروى الحكم بن أبان عن عكرمة قال : إذا فَرَغ الله عز وجل من القضاء بين خَلْقه ، أخرج كتاباً من تحتِ العرش فيه : ( أن رَحْمَتِي سَبَقَت غضبي وأنا أرحمُ الراحمين ) . قال : فيَخْرُجُ من النار مثل أهل الجنة ، أو مِثْليْ أهل الجنة ، مكتوباً ها هنا - وأشار الحكم إلى نحرِهِ - " عُتَقاء اللهِ " . فقال رجل لعكرمة : فإن الله يقول : { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } [ المائدة : 37 ] . قال عكرمة : أولئك أهلها " الذين هم أهلها " . وعن عبد الله بن عمر أنه كان يقول : إن لله مائة رحمةٍ ، أهبط منها رحمةً إلى أهل الدنيا ، يتراحم بها الجِنُّ والإِنسُ وطائرُ السماءِ ، وحيتان الماء ، ودوابُّ الأرض وهوامُّها ، وما بين الهواء ، واختزن عنده تسعاً وتسعين رحمة ، حتى إذا كان يوم القيامة ، اختلج الرحمة التي كان أهبطها إلى أهل الدنيا ، فحَولها إلى ما عنده ، فجعلها في قلوب أهل الجنة ، ( و ) على أهل الجنة . فمعنى { كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ } : أمهلكم إلى يوم القيامة ، لأن معنى { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } أي : يُمهلكم حتى يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه . ومعنى { كَتَبَ } هنا : قضى . وقيل : { إِلَىٰ } بمعنى " في " ، أي : ليجمعنكم في يوم القيامة . وقيل : المعنى ليؤخرن جمعكم إلى يوم القيامة ، فـ ( إلى ) لغير معنى " في " . واللام في { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } لام قسم ، جواب لـِ { كَتَبَ } ، لأن { كَتَبَ } بمعنى " أوجب " والقسم إيجاب ، ( فاحتاج الايجاب إلى جواب ، إذ هو بمعنى القسم في الإيجاب ) ، وله نظائر كثيرة في القرآن تقاس على هذا . والوقف على { ٱلرَّحْمَةَ } حسن عند أبي ( حاتم والفراء ) ، ويكون { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } مبتدأ على القسم على قولهما . وقيل : إن { لَيَجْمَعَنَّكُمْ } بدل من ( الرحمة ) ، فلا يوقف على ( الرحمة ) ، ومعنى البدل أن اللام بمعنى " أن " ، فالمعنى : الرحمة : أن يجمعكم ، أي : كتب ربكم على نفسه أن يجمعكم . ومثله على مذهب سيبويه : { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ ( مَا ) رَأَوُاْ ٱلآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّه } [ يوسف : 35 ] المعنى : أن يسجنوه ، فـ " أن " الفاعلة ، ومثله : { كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ } [ الأنعام : 54 ] في قراءة من فتح ( أن ) . قال نافع : { قُل للَّهِ } تمام . { لاَ رَيْبَ فِيهِ } : وقف حسن عند نافع وغيره .