Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 76-78)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً } الآية . المعنى : فلما ستر إبراهيم الليل بظلمته ، - ( يقال : جنَّ عليه الليل ( و ) ( جنَّه ) ، وأجنَّ عليه ، وأجنَّه ) . { رَأَى كَوْكَباً } : أي : أبصر . والكوكب : الزهرة . وقال السدي : وهو المشتري . قال ابن عباس : عبد الكوكب حتى غاب ، فلما غاب ، { قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } ، وكذلك فعل بالقمر والشمس ، فلما غابا { يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } . وكان بين نوح وإبراهيم : هود وصالح ، وكان النمرود في زمن إبراهيم ، وكان من خبر إبراهيم مع النمرود : ( أن النمرود ) - قبل مولد إبراهيم - أتاه أهل النجوم يخبرونه أنه يجدون في علمهم : أن غلاماً يولد في قريتك هذه ، يقال له " إبراهيم " ، يفارق دينكم ويكسر أوثانكم ، في وقت كذا يولد . فلما كان ذلك الوقت ، حبس نمرود كل امرأة حبلى عنده إلا أم إبراهيم ، فإنه لم يعلم بحبلها لِما أراد الله من أمره ، فجعل نمرود لا تلد امرأة ( غلاماً في ذلك الوقت ) إلا ذبحه ، فلما وجدت أم إبراهيم الطلق ، خرجت ليلاًَ إلى مغارة ، فولدت فيها إبراهيم ، وأصلحت من شأنه ما يُصنع بالمولود ، ثم سدت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها وكانت تطالعه في المغارة لتنظر ما فعل ، فنجده حياً يمص أصابعه جعل الله له رزقاً فيها . وكان اليوم على إبراهيم في الشباب كالشهر ، والشهر كالسنة ، وكانت أمه قالت : ( لآزر أبيه ) : قد ولدت غلاماً فمات . فصدقها فلما بلغ إبراهيم في المغارة خمس عشرة ، قال لأمه : أخرجيني أنظر . فأخرجته عشاء ، فنظر وتفكر في خلق السماوات والأرض ، وقال : " إن الذي خلقني ورزقني وأطعمني وسقاني لَرَبّي ، ما لي إله " غيره " . ثم نظر إلى السماء فرأى كوكباً ، { قَالَ هَـٰذَا رَبِّي } ، ثم اتبعه ينظر إليه ( ببصره ) حتى غاب ، ( فلما غاب ) ، { قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } أي : الغائبين ، ثم فعل ذلك بالقمر ، ثم بالشمس . ثم أتى إبراهيم أباه آزره وأخبرته ( أمه به ) فَسُرَّ ( به ) ، وكان آزر يصنع أصنام قومه التي يعبدون ، ثم يعطيها إبراهيم يبيعها ، فيذهب بها إبراهيم قبل مبايعته لهم فيقول : " من يشتري ما يضره ولا ينفعه ؟ " فلا يشتريها منه أحد . فإذا بارت عليه مضى بها إبراهيم إلى نهر ، فصوَّب ( فيه ) رؤوسها وقال : ( اشربي ) ، استهزاء بقومه ، حتى فشا عيبه إياها واستهزاؤه ( بها ) في قومه من غير أن يبلغ ذلك نمرود . وقد أنكر قوم من العلماء أن يكون إبراهيم عليه السلام عبد شيئاً من ذلك حقيقة ، إنما فعل ذلك على وجه التعريض والإنكار لقومه وفعلهم ، ( لا أنه ) ( جهل ) معبوده حتى عبد الكوكب والقمر والشمس ، وكأنه أراهم أن الكوكب والقمر والشمس أضوأُ من الأصنام وأحسن ، وهي لا تعبد ، لأنها آفلة ، فَتَركُ عبادة الاصنام التي لا ضوء لها ولا حسن ولا بهجة آكد ، فكأنه عارض باطلاً بباطل على طريق التبكيت لهم ، و ( القطع ) لحجتهم . قال إبراهيم بن عرفة : كان قوم إبراهيم يعبدون الأصنام والحجارة ، وكانوا يجادلونه ، فأراهم من خلق الله / تعالى ما هو أعظم مما يعبدون ، فقال : " هذا ربي " ، لو كان رباً يعبد من دون الله ، لأن هذا أعظم وأعلى مما تعبدون . فلما أفل ، قال : لا أحب الآفلين ، فأراهم أن الكوكب يغيب إذا غلب عليه ضوء النهار ، والمعبود لا يكون مغلوباً . وقيل : بل كان ذلك منه في حال طفولته ، وقبل قيام الحجة عليه ولزوم الفرض له ، وتلك حال لا يلزم فيها كفر ولا إيمان . وقيل : معنى الكلام الإستفهام الذي في معنى الإنكار ، والمعنى : أهذا ربي ؟ ، قاله قطرب وغيره ، وهو قول ضعيف ، لأن الألف إنما تحذف إذا كان في الكلام ما يدل عليها نحو " أم " ونحوها . وقال أبو إسحاق : لم يقل ذلك ( على اعتقاد ) منه بدلالة قوله : { وَٱجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلأَصْنَامَ } [ إبراهيم : 35 ] ، وبقوله : { إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الصافات : 84 ] ، أي : سليم من الشرك . وأنما المعنى : هذا ربي على قولكم : ( لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر ، ومثله قوله : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } [ النحل : 27 ، القصص : 62 ، 74 ، فصلت : 47 ] المعنى : أين شركائي على قولكم ) . ويجوز أن يكون المعنى : ( قال ) : هذا ربي ) أي : قال : تقولون : " هذا ربي " ، ثم حذف القول ، كما قال : { سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ } [ الرعد : 24 ] أي : يقولون : سلام ( عليكم ) . ومعنى { بَازِغاً } : طالعاً ، وهو نصب على الحال . وكذلك { بَازِغَةً } . وذكر { ٱلشَّمْسَ } في قوله : { هَـٰذَا رَبِّي } ، على معنى : " هذا البازغ ربي " ، أو " هذا الشيء ربي " ، أو " هذه النور ربي " ، أو " هذا الطالع ربي " .