Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 61, Ayat: 13-14)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } إلى آخر السورة الآيات ، أي : وهل أدلكم على خلة أخرى تحبونها هي نصر من الله لكم على أعدائكم ، وفتح لكم قريب ، " فأخرى " في موضع خفض عطفاً على " تجارة " عند الأخفش . وقال الفراء : هي في موضع رفع ، والتقدير : ولكم خلة أخرى ، وهو اختيار الطبري لأجل رفع " نصر " و " فتح " على البدل من " أخرى " ، فيكون المعنى على قول الفراء أنه وعدهم على أيمانهم وجهادهم بخلتين : واحدة في الآخرة وهي غفران الذنوب ودخول الجنات والمساكن الطيبات في جنات عدن ، والأخرى في الدنيا ، وهي النصر والفتح والغنيمة ، فتقف على مذهب الأخفش على { تُحِبُّونَهَا } وتبتدئ { نَصْرٌ مِّن ٱللَّهِ } ، أي : هو نصر ، ولا تقف على قول الفراء ، لأن ( نصراً بدلٌ ) من " أخرى " . ثم قال : { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : وبشر يا محمد المؤمنين بنصر من الله لهم وفتح عاجل . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ } أي : لأنبيائه ولأوليائه ولدينه ، ومن أضاف " أنصاراً " إلى الله احتج بقوله : " نَحْنُ أَنْصارُ اللهَِّ " وهو اختيار أبي عبيد . فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه . وفي حرف عبد الله : " أَنْتُمْ أَنْصارَ اللهَِّ " بالإضافة والإيجاب ، وأيضاً فإنه جمع مكسر ، وليس مثل ضاربين فيعمل ويُنَون ، فكانت إضافته أولى ، ومن لم يضف قال بينهما فرق ، لأن الأول يراد به الاستقبال فهو مشابه لاسم الفاعل . وحقُّه إذا أريدَ به الاستقبال التنوين ، والثاني أمر قد كان ، فلذلك أجمع فيه على إضافته . وقوله : { كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } الكاف من " كَمَا " في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، والتقدير كونوا كونا [ كما ] . وقيل : هي نعت للأنصار ، أي : كونوا أنصاراً مثل أنصار عيسى . قال قتادة : كانت لله أنصار من هذه الأمة تجاهد على كتابه وحقه . ذكر لنا أنه " بايع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة اثنان وسبعين رجلاً من الأنصار ، وذكر لنا أن بعضهم قال : هل تدرون على ما تبايعون هذا الرجل ، إنكم تبايعونه على محاربة العرب كلها ويسلمون ، وذكر لنا أن بعضهم قال يا نبي الله اشترط لربك ولنفسك / ما شئت ، فقال أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما منعتم منه أنفسكم وأبناءكم قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا يا نبي الله ، قال لكم النصر في الدنيا ، والجنة في الآخرة ، ففعلوا ، ففعل الله عز وجل بهم ذلك " . قال معمر : قال الحواريون يعني من أصحاب محمد ، نحن أنصار الله ، قال كلهم من قريش أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن ابن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وجعفر وحمزة وعثمان بن مظعون رضوان الله عليهم . قال مجاهد : من أنصاري إلى الله : من يتبعني إلى الله . قال ابن عباس : سموا حواريين لبياض ثيابهم . وقال الضحاك : الحواريون هم الغسالون بالنَّبَطِية ، فيكونون على هذا في قوله " قالَ الْحَوارِيُّونَ " يعني به حواري عيسى . قال الضحاك : هم غسالون مَرَّ بهم عيسى فآمنوا واتبعوه . وقيل : الحواريون : صفوة الأنبياء ، ومنه قيل لما يختار من صفو الدقيق وخالصه : حَوَارَى . وقال القتبي : { مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } أي : مع الله ، وهذا عند بعض العلماء لا يجوز كما لا يجوز " قمت إلى زيد " بمعنى " مع زيد " و " إِلى " على بابِها ، ومعناه : من يضم نصرته إياي إلى نصرة الله إياي ، فالمعنى : قال الحواريون نحن أنصار أنبياء الله على ما بعثهم به من الحق . ثم قال تعالى : { فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ } يعني : بعيسى . قال ابن عباس : لما أراد الله جل ذكره أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وهم اثنا عشر في بيت ، فخرج إليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء ، فقال لهم : إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي ، ثم قال : أيُّكم يلقى عليه شبهي فيقتل في مكاني ويكون معي في درجتي ، قال فقام شاب من أحدثهم سناً ، فقال أنا ، فقال أجلس ثم أعاد عليهم / ، [ الثالثة ] ، فقال أنا قال نعم أنت ذلك ، فألقى عليه شبه عيسى ورفع عيسى من زاوية في البيت إلى السماء ، قال وجاء الطلب من اليهود فأخذوا شبهه ، فقتلوه وكفر به بعضهم اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن به ، فتفرقوا ثلاثة فرق ، فقالت فرقة : كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية ، وقالت فرقة كان فينا ابن الله ما شاء ثم رفع إليه وهم النسطورية ، وقالت فرقة كان عبد الله ورسوله ما شاء فينا ثم رفعه إليه وهم المسلمون ، فتظاهرت الفرقتان على المسلمة فقتلوها ، فلم يزل الإسلام طامساً حتى بعثه الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، فآمنت طائفة من بني إسرائيل بمحمد صلى الله عليه وسلم وكفرت طائفة به . وقيل : آمنت طائفة بعيسى صلى الله عليه وسلم وكفرت أخرى به . ثم قال : { فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ } يعني : إظهار دين محمد على دين الكفرة . قال قتادة : فتفرقوا أربع فرق بعد عيسى ، قالت طائفة هو الله وهم اليعقوبية . وقالت طائفة منهم هو ابنه ( تعالى عن ذلك وجل ) وهم الإسرائيلية . وقالت طائفة منهم : أمه الإله وهو الله وهم النسطورية ، وقالت طائفة منهم : وهو عبد الله ورسوله ، وهم المسلمون . ثم قال تعالى : { فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ } أي : قويناهم بالحجة الظاهرة أن عيسى روح الله وكلمته . قال قتادة : الفرقة المسلمة للفرق : ألستم تعلمون أن عيسى كان ينام وأن الله لا ينام ، وأن عيسى كان يأكل وأن الله لا يأكل . وقيل : المعنى : فقوينا الذين آمنوا من بني إسرائيل على عدوهم الذين كفروا منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم بتصديق محمد عليه السلام إيّاهم أن عيسى / عبد الله ورسوله ، وتكذيبه من قال خلاف ذلك . { فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ } أي : فأصبحت الطائفة المؤمنة مستعلية بالحجة والبرهان على الكفار . قال النخعي : أصبحت حجة من آمن بعيسى صلى الله عليه وسلم ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم لهم بأن عيسى روح الله وكلمته . وقيل : فأصبح من آمن مع عيسى عالياً على من كفر به . يقال : ظهرت على الحائط بمعنى : علوت عليه .