Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 63, Ayat: 1-11)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ } . إلى آخر السورة . أي : إذا جاءك - يا محمد - المنافقون فأقروا أنك رسول الله ، فالله يعلم أنك لرسوله ، ولكن الله يشهد أن المنافقين لكاذبون في ما أظهروا إليك من الإقرار ، لأن باطنهم على خلاف ما أظهروا . وأعيد ذكر الله ثانية ولم يضمر للتفخيم والتعظيم . ثم قال تعالى : { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ ( جُنَّةً ) } . أي : جعلوا ما أظهروا من الإيمان جُنَّةً يمتنعون به من القتل والسبي ، وهي الأيمان المذكورة في سورة براءة ، وهو حلفهم بالله [ ما قالوا ، وحلفهم ] : { إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ } [ التوبة : 56 ] . قال الضحاك : هي حلفهم بالله إنهم لمنكم . ومعنى { جُنَّةً } سُتْرة يستترون بها كما يستتر [ المستجن ] بِجُنَّتِه في الحرب ، فامتنعوا بأيمانهم من القتل والسَّبْيِ . - ثم قال تعالى : { فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } . أي : فمنعوا أنفسهم ومن اتبعهم من الناس عن الإيمان . - { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . أي : بئس عملهم . - ثم قال تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } . أي : ذلك الحلف والنفاق من أجل أنهم آمنوا بألسنتهم ثم كفروا بقلوبهم ، فختم الله على قلوبهم ، { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } صواباً من خطأ ، ولا حقاً من باطل لغلبة الهوى عليهم . وأعلمنا الله جل ذكره في هذه الآية ( أن ) النفاق كُفْرٌ ، بقوله : { ثُمَّ كَفَرُوا } . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } . العامل في " ( إذا ) " من قوله [ { إِذَا جَآءَكَ } ] و { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ } وشِبْهِه : الفعلُ الذي بعدهما . وفيهما معنى المجازاة ، للإبهام الذي فيهما ، وإذا كان فيهما معنى المجازاة لم يضافا إلى ما بعدهما . وإذا لم يضافا فأحسنُ أن يعمل ما بعدهما فيهما ، إلا أنه لا يُختار أن يُجْزَما للتوقيت الذي فيهما . ففارقا به معنى حروف الشرط من وجه ، فقبح العمل في اللفظ ، وحسن العمل في المعنى دون اللفظ للإبهام الذي فيهما ، فإن قدرتهما مضافين إلى ما بعدهما ، لم يعمل فيهما ولا عملاً فيه في لفظ ولا معنى . والمعنى : وإذا رأيت - يا محمد - هؤلاء المنافقين تعجبك أجسامهم لاستواء خلقها وحسن صورتها { وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ } كما تسمع كلام غيرهم من أهل الإيمان فتظنه حقاً . - { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ } . أي لا خير عندهم ولا علم ، إنما هم صور وأشباح [ بلا فهم ] ولا علم ولا عقل . ثم قال : { يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ } . ( أي ) يظنون - من جبنهم وسوء ظنهم - كل صيحة يسمعونها أنها عليهم . وقيل : المعنى : يحسبون كل صائح يصيح أنه يقصدهم ، لأنهم ( على ) وجل من إظهار الله ( ما أخفوا ) من من النفاق فيهتك سترهم ويبيح للمؤمنين قتلهم وسبي [ ذراريهم ] وأخذ أموالهم ، فهم من خوفهم كلما نزل وحي على النبي ظنوا أنه في أمرهم وفي هلاكهم وعطبهم . - ثم قال تعالى : { هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ } . أي : هم الأعداء لك - يا محمد - ( وللمؤمنين ) ، فاحذرهم . - ثم قال تعالى : { [ قَاتَلَهُمُ ] ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } . أي : عاقبهم الله فأهلكهم فصاروا بمنزلة من قتل ، من أين يصـ ( ـرفو ) ن / عن الحق بعد ظهور البراهين والحجج . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ } . أي : وإذا قال المؤمنون لهؤلاء المنافقين : تعالوا إلى رسول الله [ يستغفر لكم الله ] ، تولوا وأعرضوا وحركوا رؤوسهم وهزوها استهزاءً برسول الله وباستغفاره { وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } . ومن شدد { لَوَّوْاْ } فمعناه أنهم [ كرروا ] هز رؤوسهم وتحريكها . وهذه الآيات - فيما رُوي - نزلت في عبد الله بن أُبيّ بن سلول المنافق . وذلك أنه قال لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ( وقال ) : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فسمع ذلك زيد بن أرقم فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم ( فدعاه النبي فسأله ) عن ذلك فحلف ما قاله . فقيل له : لو أتـ ( ـيت ) النبي صلى الله عليه وسلم فسألته أن يستغفر لك . فجعل يلوي رأسه ويحركه استهزاءً . يعني بذلك أنه غير فاعل ما قالوا له . ففيه نزلت هذه السورة . - ثم قال تعالى : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } . [ أي ] مُسْتَوٍ الاستغفار منك - يا محمد - لهم وتركه ، لأن الله لا يغفر لهم ؛ لأنهم على كفرهم مقيمون ، وإنما المغفرة للمؤمنين . ( وكان النبي ) صلى الله عليه وسلم قد استغفر لهم لأنهم أظهروا له الإسلام . - ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } . أي : لا يوفق القوم الذين خرجوا عن طاعته . " قال ابن عباس : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ } الآية : نزلت بعد الآية ( التي ) في " براءة " ، قوله : { أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ } الآية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " سوف أستغفر لهم زيادة على سبعين ، فأنزل الله هنا { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ } الآية " فلم يبق للاستغفار لهم وجه . ثم قال تعالى : { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ } . هذا قول [ عبد ] الله بن أُبَيْ لأصحابه المنافقين ، [ قال ( لأصحابه ] : لا تنفقوا على المهاجرين حتى { يَنفَضُّواْ } : يتفرقوا عن محمد . - ثم قال تعالى : { وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . ( أي ) : جميع ما فيهما ، وبيده مفاتيح خزائن كل شيء ، لا يعطي أحد أحداً شيئاً إلا بإذنه ، ولا يمنع أحد أحداً شيئاً إلا بإذنه . ثم قال : { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } . ( أي : لا يفقهون ) أن كل شيء بيد الله وتحت قدرته . فلذلك يقولون هذا . - ثم قال : { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ } . أي : يقول هؤلاء المنافقون : لئن رجعنا إلى مدينتنا ليخرجن منها العزيز [ الذليل ] . وحكى الفراء : " لَيَخْرُجَنَّ [ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ] " [ بنصب ] " الأذل " على الحال وفتح الياء وضم [ الراء من " ليخرجن " ] ، وهو بعيد . وقد أجاز يونس : مررت به [ المسكين ] بالنصب على الحال . ( وحكى سيبويه : دخلوا الأَوَّلَ فالأَوَّلَ ، بالنصب على الحال ) ، وهذه أشياء شاذة لا يقاس عليها القرآن . - ثم قال : { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } . أي : ولله العزة والشدة ولرسوله والمؤمنين . { وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } . ( أي ) : لا يعلمون ذلك . روي أن عبد الله بن عبد ( الله ) بن أُبيِّ كان من المؤمنين حقاً ، وأنه لما [ أُتِيَ ] بأبيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فوبخه على ما بلغه ، فأنكر ذلك عبد الله وحلف ، قال له ولده ( عبد الله ) : [ والله ، لا تمر ] حتى تقول : إنك الأذل ، وإن رسول الله الأعز . فلم يمر حتى قالها . " وروي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ اللهِ أَبي فِيمَا بَلَغَكَ عَنْهُ ، فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلاً فَمُرْنِي ، فَأَنَا أَحْمِلُ لَكَ رَأْسَهُ . فَوَاللهِ ، لَقَدْ عَلِمَتِ الخَزْرَجُ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ رَجُلٍ أَبَرَّ بِوَالِدِهِ مِنِّي ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ فَلاَ تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى قَاتِلِ أَبِي يَمْشِي فِي النَّاسِ فَأَقْتُلَهُ فَأَقْتُلَ مُؤْمِناً بِكَافِرٍ فَأَدْخُلَ النَّارَ . فَقَالَ لَهُ رَسُولَ اللهِ : نَرْفُقُ بِهِ وَنُحْسِنُ صُحْبَتَهُ مَا بَقِيَ مَعَنَا . [ ثُمَّ كَانَ ] بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَحْدَثَ حَدَثاً عاقَبَهُ عَلَيْهِ قَوْمُهُ . وَكَانَ عُمَرُ قَدْ سَأَلَ رَسُولَ اللهِ ( فِي قَتْلِهِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ) - لمَّا تَوَلَّى قَوْمُهُ عُقُوبَتَهُ - كَيْفَ تَرَى يَا عُمَرُ ؟ ! أَمَا وَاللهِ لَوْ قَتَلْتُهُ يَوْمَ أَمَرْتَني بِقَتْلِهِ [ لأَرْعَدَتْ لَهُ ] آنُفٌ لَوْ أَمَرْتُها اليَوْمَ بِقَتْلِهِ لَقَتَلَتْهُ . فَقَالَ عُمَرُ : وَاللهِ ، قَدْ عَلِمْتُ لأَمْرُ رَسُولِ اللهِ أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْ أَمْرِي " . ثم قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } . قال عطاء والضحاك : { عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } : عن الصلوات الخمس . أي : لا يشغلكم اللهو [ بها ] والمحبة لها ، والاشتغال عن الصلوات المفروضات . وقيل : هو عام ، ووقع النهي في الظاهر على الأموال والأولاد . وهو في المعنى واقع على المخاطبين ، دلّ على ذلك قوله : { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } وهو كثير في القرآن . - ثم قال : { وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } . أي / ومن يشغله ( ماله وولده عما فرض الله عليه من الصلوات وعن ذكر الله فأولئك هم ( [ المغبونون ] حظوظهم من كرامة ) الله ورحمته . - ثم قال : { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } . أي : وتصدقوا أيها المؤمنون ( مما رزقناكم ) ، وأنفقوا في سبيل الله [ مما ] خَوّلَكم الله من أموالكم من قبل أن تموتوا ، فيقول أحدكم : يا رب ، هلا أخرتني ورددتني إلى الدنيا وقتاً قريباً فأتصدق وأكن من الصالحين . فيسأل الرجعة حين لا رجعة . ( وقيل : المعنى : هلا مددت لي في العمر فأتصدق وأكن من الصالحين ) ، وقيل : [ معنى ] { وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } أحج بيتك الحرام . قال ابن عباس : ما من أحد يموت ولم يؤد الزكاة ولم يحج إلا سأل الكرة ، ثم قرأ هذه الآية . قال : فقوله : [ { فَأَصَّدَّقَ } ] أي : أؤدي الزكاة ، وقوله : { وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } : أحج . قال الضحاك : هو المؤمن ينزل به الموت وله مال كثير لم يزكه ولم يحج منه ولم يعط منه حق الله ، يسأل الرجعة عند الموت ( ليزكي ) ماله . - قال تعالى : { وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ } . أي : لا يؤخر الله في أجل أحد فيمد له [ فيه ] إذا حضر أجله . وعن ابن عباس : { وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } : أؤدي الفرائض ، [ وأجتنب ] الحرام . والتقدير في العربية : " وأكون صالحا من الصالحين " . - ثم قال : { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } . أي : ذو خبر وعلم بأعمال خلقه ، محيط بها فمجازيهم عليها .