Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 143-143)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } ، الآية . ( ومعنى : { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } ) ، أي : أفهمه ما شاء من كلامه الذي ليس ككلام المخلوقين الذي [ هو ] حركات اللسان وظهور الأصوات ، فكلامه ، عز وجل ، ليس ككلام الآدميين ، إذ ليس كمثله شيء ، ولا يشبهه شيء ، وعلينا أن نقف حيث انتهى بنا العلم ، ولا نُكَيّفُ وَنَحُدُّ ، ونسلم الأمر لله ، ( عز وجل ) ، ونقول كما قال ، ولا نشبه ؛ لأنه ، تعالى ، قد نفى التشبيه [ كله ] بقوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } [ الشورى : 11 ] . ومن لم يمد { دَكّاً } ، جعله مصدر دَكَكْتَهُ : إذا كسَّرته وفتته . ومعناه : جعله مُفَتَتاً كالتراب والمَدَر . وشاهده قوله : { [ إِذَا ] دُكَّتِ ٱلأَرْضُ دَكّاً دَكّاً } [ الفجر : 21 ] ، وقوله : { فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } [ الحاقة : 14 ] ، فتقديره : جعله مدكوكاً ، ثم أقام المصدر مقام اسم المفعول . وقيل : إن قوله : { جَعَلَهُ دَكّاً } ، مثل : دُكَّه دُكَاً ، فهو مصدر قد عمل فيه فعل من غير لفظه ، فهو محمول على المعنى . ومن مد { دَكّاً } ، فمعناه : جعله " مِثْل دَكَّاء " ، ثم حذف مثل ، ( وأجراه مُجْرى ) : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] . وهو قول الأخفش . وقال قطرب المعنى : جعله أرضاً دكاء ، ثم أقام الصفة مُقام الموصوف مثل : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } [ البقرة : 83 ] . وقال الفراء : { دَكّاً } و { دَكّاً } مثل : " البَأْس " [ والبَأْسَاء ] ، كأنه جعله بمعنى واحد . ومعنى الآية : قال الربيع في قوله ، تعالى : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [ مريم : 52 ] ، حدثني بعض من لقي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : قُرَّبه الرب ، تعالى ، إليه حتى سَمِعَ صَرِيفَ القَلَمِ ، فقال عند ذلك من الشوق : { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي } . قال السدي : لما كلمه ، أحب أن ينظر إليه ، فقال له : { لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } ، فَحَفَّ الله حول الجبل ملائكته ، وحَفَّ حول الملائكة بنار ، وحَفَّ حول النار بملائكة ، وحَفَّ حول الملائكة بنار ، ثم تجلى ربه للجبل . وقال أبو بكر الهذلي : تخلف موسى بعد الثلاثين حتى سمع كلام الله ، سبحانه ، اشتاق إلى النظر إليه فقال : { رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي } ، ( أي ) : ليس لبشر أن يطيق أن ينظر إلي في الدنيا ؛ فإن من نظر إليّ مات ، قال : إلهي ، سمعت كلامك ، واشتقت إلى النظر إليك ، ولأَن أنظر إليك ثم أموت ، أحبّ إلي من أن أعيش ولا أراك : قال : فانظر { إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي } . قال مجاهد : يعني أنه أكبر منك ، وأشد خلقاً ، فنظر موسى ، ( عليه السلام ) ، إلى الجبل لا يتمالك [ و ] أقبل يَنْدَكُّ على أوله . فلما رأى موسى ( عليه السلام ) ما يصنع الجبل ، خَرَّ صَعِقاً . وقال الحسن : لما كلمه ربه دخل قَلْبَ موسى ، صلى الله عليه وسلم ، من السرور من كلام الله ( عز وجل ) ، ما لم يصل إلى قلبه مثله قط . فدعت موسى ( عليه السلام ) ، نفسه [ إلى ] أن يسأل ربه ( عز وجل ) ، أن يريه نفسه ، تبارك وتعالى ، ولو كان عَهِدَ إليه قبل ذلك أنه لا يرى ، ما سأله ذلك . ويروي : أن موسى عليه السلام مكث بعد أن كلمه ربه عز وجل أربعين ليلة لا يراه [ أحد ] إلا مات من نور رب العزة . قال وهب : كلم الله ( سبحانه ) ، موسى في ألف مقام ، فكان إذا كلمه الله ، ( سبحانه ) رئي النور على وجهه ثلاثاً ، وما قرب موسى ، عليه السلام النساء مذ كلمه [ الله ] ، جل وعز . قوله : { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ / رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } . أي : اطلع ( إلى ) الجبل ، { جَعَلَهُ دَكّاً } ، أي مستوياً بالأرض { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } ، أي : مغشياً عليه لم يمت . قال ابن عباس : ما تجلى منه إلا قدر الخنصر ، { جَعَلَهُ دَكّاً } ، أي : تراباً . وقال قتادة : { صَعِقاً } ، [ أي ] : ميتاً . وقال سفيان : ساخ الجبل في الأرض ، حتى وقع في البحر . وقال أبو بكر الهذلي : انقعر الجبل فدخل تحت الأرض ، فلا يظهر إلى يوم القيامة . وروى سفيان الثوري عن الكلبي [ أنه ] قال : ساخ الجبل في الأرض حتى وقع في البحر الذي تحت الأرضين السَّبْع ، فهو يهوي إلى يوم القيامة . وقال القُتْبي : { دَكّاً } ألصقه بالأرض . يقال : " نَاقَةٌ دَكَّاء " : إذا لم يكن لها سَنَامٌ . وقيل معنى دَكَكْتُ : دَقَقْتُ . أبدل من القافين كافان لقرب مخرجيهما . وكان الطبري يختار قراءة : ( دكاء ) بالمد ؛ لأنه قد ثبت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه ( قال ) : " ساخ الجبل " ، ولم يقل : " تفتت " ، ولا " تحول تراباً " . وإذا ساخ وذهب ظهر وجه الأرض ، فصار بمنزلة ( الناقة ) التي ذهب سنامها . قوله : { فَلَمَّآ أَفَاقَ } . أي : من غشيته ، { قَالَ سُبْحَانَكَ } ، أي : تنزيهاً لك ، يا رب ، أن يراك أَحَدٌ في الدنيا ، ثم يعيش ، { تُبْتُ إِلَيْكَ } ، عن مسألتي إياك الرؤية في الدنيا ، { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، أي : أولهم أَنَّكَ لاَ تُرَى فِي الدُّنْيا . قال ابن عباس : مرت الملائكة بموسى وقد صعق ، فقالت : يا ابن النساء الحُيَّض ، لقد سألت ربك شيئاً عظيماً ! فقال : { سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ } ، من سؤالي الرؤية في الدنيا ، { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي أول من يؤمن ، أي : يصدق بأنه لاَ يَرَاكَ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِكَ فِي الدُّنْيا . قال ابن عباس : { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، أي : أول من آمن بك من بني إسرائيل . وقال مجاهد : وأنا أول قومي إيماناً .