Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 163-164)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ( ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ ) } ، إلى قوله : { لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . قوله : { إِذْ يَعْدُونَ } . { إِذْ } : في موضع نصب بالسؤال ، أي : واسألهم عن وقت عدوانهم . { وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ } . أضيف الظرف عند سيبويه لكثرة الاستعمال . وهو عند المبرد مضاف إلى المصدر محمول على المعنى . وهو عند الزجاج على الحكاية . والعامل في الظرف الفعل الذي بعده . ومعنى الآية : واسأل ، يا محمد ، هؤلاء اليهود الذين يجاورونك ، عن أَمْرِ { ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ } . أي : بقربه / وشاطئه . قال الكلبي : ذكر لنا أنهم كانوا في زمن داود ، ( عليه السلام ) ، وهي : أَيْلَةَ ، وهو مكان كان تجتمع فيه الحيتان في شهر من السنة كهيئة العيد ، يأتيهم منها حتى لا يرى الماء ، وتأتيهم في غير ذلك من الشهور في كل سبت كما تأتيهم في ذلك الشهر ، فلا يمسوا منها شيئاً . فعمد رجالٌ من سفهاء تلك القرية ، فأخذوا الحيتان ليلة السبت ويوم السبت ، فملحوا وباعوا ، ولم ينزل بهم عقوبة ، فاستبشروا ، وقالوا : إنا نرى السبت قد حُلَّ ، وذهبت حرمته ، إنما كان يعاقب به آباؤنا ، فعملوا ذلك سنين ، حتى أثرَوْا وتزوجوا النساء ، واتخذوا الأموال . فمشى إليهم طوائف صالحون فوعظوهم ، وقالوا : يا قوم ، انتهكتم حرمة سبتكم ، ووعظوهم فلم يتعظوا . وسؤاله ، ( صلى الله عليه وسلم ) ، إياهم إنما كان على جهة التقرير لهم والتبكيت ، ويذكرهم بقديم كفرهم وفسقهم ، وقد كان الله ( عز وجل ) ، أعلمه بأمر القرية . قال ابن عباس ، وعكرمة هي : " أيلة " ، وكان ذلك في زمن داود ( عليه السلام ) ، وكذلك قال السدي ، وغيره . وقال قتادة : هي ساحل مَدْيَنَ . [ قال ابن زيد : هي قرية ] يقال لها " مَقْنا " ، بين مدين وعَيْنُوناً . وقال ابن شهاب : هي : طَبَرِيةَّ . وعن ابن عباس أيضاً : أنها مَدْيَنَ . وأما قوله : { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ } [ يس : 13 ] ، فأكثرهم على أنها أنطاكية . ومعنى : { إِذْ يَعْدُونَ [ فِي ٱلسَّبْتِ ] } . أي : [ إذ ] يعتدون إلى ما حرم الله ، ( عز وجل ) . [ و " العُدْوَانُ " : التجاوز إلى ما حرم الله ] . وكان الله ، تعالى ذكره ، قد حرم عليهم السبت ، فكانت الحيتان تقل في سائر الأيام ، وتكثر في يوم السبت . ابتلاهم الله ، ( تعالى ) ، بذلك فاصطادوا فيه وتركوا ما حرم الله عليهم ، فتجاوزوا الحق ، فكانت تأتيهم يوم سبتهم ، { شُرَّعاً } ، أي : ظاهرة على الماء . وقال ابن عباس { شُرَّعاً } : من كل مكانٍ . يقال : سَبَتَ يَسْبِتُ : إذا استراح . وقرأ الحسن : " ويَوْمَ لاَ يُسْبِتُونَ " ، بضم الياء ، من : " أَسْبَتَ القَوْمُ " ، إذا دخلوا في السبت . ورُوِي ذلك عن أبي بكر عن عاصم ، كما يقال : " أهلَلْنَا " ، دخلنا في الهلال ، و " أَجْمَعْنا " مرت بنا جمعة . { كَذَلِكَ نَبْلُوهُم } . أي : نختبرهم . قال قتادة : ذُكِرَ لنا أنه دُخِلَ على ابن عباس ، وبين يديه المصحف ، وهو يبكي ، وقد أتى على هذه الآية : { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } [ الأعراف : 165 ] ، الآية . فقال : قد عَلِمْتُ أن الله تعالى ، أهْلَكَ الذين أخذوا الحيتان ، ونَجَّى الذين نَهَوْهُمْ ، ولا أدري ما الذي صنع بالذين لَمْ يَنْهَوْا ، ولم يُواقِعُوا المعصية . قال الحسن : وأي نهي يكون أبين من أنهم أثبتوا لهم الوعيد ، وخوّفوهم العذاب ، فقالوا : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً } . { لاَ تَأْتِيهِمْ } ، وقف ، عند نافع ، والأخفش . ثم قال تعالى : { وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ } . أي : واذكر ، يا محمد ، إذ قالت طائفة من أهل [ هذه ] القرية ، إذ ظهر من أكثرهم ما يُنْكَرُ عليهم ، فأنكر ذلك طائفة ، فقالت هذه الطائفة التي حكى الله عنها ، للطائفة التي أنكرت ما يجب أن ينكر : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً } سيلحقهم أحد هذين : العَذَابُ ، أو الهَلاَكُ ، قالت الطائفة التي أنكرت : { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } . فمن رفع : { مَعْذِرَةً } فتقديره : قالوا : مَوْعِظَتُنَا مَعْذِرَةٌ ، أي : إنما يجب علينا أن نأمر بالمعروف ، [ وننهى عن المنكر ] ، و { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } ، وَعَظْنَاهُمْ . ومن نصب : فعلى المصدر ، كأنهم قالوا : اعتذاراً . وقيل : النصب على تقدير : فَعَلْنَا ذَلِك / مَعْذِرَةً . وَرُوِيَ وجها النصب عن الكسائي . وفرَّق سيبويه بين الرفع والنصب ، واختار الرفع ، قال : لأنهم لم يريدوا أن يعتذروا من أمر لِيُموا عليه ، ولكنّهم قيل لهم : لم وعظتم ؟ فقالوا : مَوْعِظَتُنَا مَعْذِرةٌ . ولو قال رجل لرجل : مَعْذِرَةً إِلَى اللهِ ، ثُمَّ إِلَيْكَ مِنْ كَذَا ، يريد : اعْتِذَاراً ، لَنصَبَ ؛ لأنه إنما اعتذر من أمر ليمَ عليه . والمعنى : واذكر ، يا محمد ، { وَإِذَا قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ } ، أي : جماعة لجماعة ، كانوا ينهون أهل المعصية عن معصيتهم ، { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً } ، قال الذين كانوا يعظون : عظتنا معذرةٌ إلى ربكم ، نؤدي بذلك فرضه عليها ، { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } وَعَظْنَاهُم . قال ابن عباس : كلا الطائفتين كانت تنهى الباقين عن المنكر ، فلما طال ذلك ، قالت إحدى الطائفتين للأخرى : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } ، فلما نزل العذاب نجت الطائفتان : التي قالت : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً } والتي قالت : { مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ } ، وأهلك الله ، ( عز وجل ) ، أهل المعصية ، فجعلهم قردة وخنازير . قال السدي : قال الواعظون بعضهم لبعض : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } . وروي عن ابن عباس ، وغيره ، أنه قال : كانوا أثلاثاً ، ثلث نَهَوْا ، وثلث قالوا : { لِمَ تَعِظُونَ } ، وثلث أصحاب الخطيئة ، فما نجا إلا الذين نَهَوْا . قال الله ( عز وجل ) : { أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ } [ الأعراف : 165 ] . ورُوِيَ عنه أنه قال : نجا الناهون ، وهلك الفاعلون ، وما أدري ما فعل بالساكتين . وقال الكَلْبِي هم فرقتان : فرقة وعظت ، وفرقة قالت : { لِمَ تَعِظُونَ } ، وهي المَوْعُوظَةُ . وذلك أن الخاطئة لما كثر عليها الوعظ ، قالت للواعظين : { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ } على قولكم . وقد مضى من ذكر هذا في البقرة جملة . وقال الكلبي : كانوا فرقتين : قالت الصالحة للطالحة : يا قوم ، انتهكتم حرمة سبتكم ، وعصيتم ربكم ، وخالفتم سنة نبيكم ، فانتهوا عن هذا العمل قبل أن ينزل بكم العذاب . قالت الطالحة : فلم تعظوننا إذا كنتم علمتم أن الله ، ( عز وجل ) ، مهلكنا ، وإن أطعتمونا لتفعلن كالذين فعلنا ، فقد فعلناه منذ سنين ، فما زادنا الله بذلك إلا خَيْراً . قالت الصالحة : ويلكم ، لا تَغْتروا ، [ ولا ] تأمنوا بأس الله ، ( سبحانه ) ، فكأنه نزل بكم ، قالت لهم الطالحة : فـ { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } ، الآية . فهم فرقتان على قول الكلبي . وثلاث فرق على قول أكثر المفسرين .