Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 181-186)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } ، إلى قوله : { يَعْمَهُونَ } . والمعنى : ومن الذين خلقناهم { أُمَّةٌ } ، أي : جماعة يقْضُون { بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } ، أي : يأخذون به ، ويعطون به . قال ابن جريج : ذكر لنا أن نبي الله ، ( عليه السلام ) ، قال : " هذه أمتي " . وقال قتادة : هي هذه الأمة . وروى سعيد بن جبير [ عن قتادة ] أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، كان يقول إذا قرأ هذه الآية : هَذِهِ لَكُمْ ، وقد أعطى القوم بين أيديكم مثلها ، يعني قوله : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 159 ] . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ } . أي : سَنُمْهِلُهُمْ بغرتهم ، ونُزَيِّنُ لهم سوء أعمالهم ، حتى يحسب أنه في كفره مُحْسِنٌ ، فإذا بلغ الغاية التي كتبت له ، أُخذ بأعماله السيئة من حيث لا يعلم . وأصل " الاسْتِدْرَاجِ " : اغترار المستدرج بلُطْفٍ حتى يورّطه مكروهاً وَهَلَكَةً . ثم قال تعالى : { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } . أي : وأؤخرهم مدة من الدهر . و " المَلاَوةُ " : القطعة من الدهر ، يقال بضم " الميم " وفتحها وكسرها ، لغات فيها . { إِنَّ كَيْدِي } ، أي : إنَّ عذابي . { مَتِينٌ } ، أي : شَديدٌ . وقيل : " الكَيْدُ " هنا : هو أخذهم من حيث لا يشعرون . وأصل " الكَيْدُ " : المكر . وقرأ ابن عباس : " أَنَّ كَيْدِي " ، بفتح الهمزة ، جعل " أَنَّ " : مفعولاً من أجله ، أي : من أجل أنّ الكيد متين وقع الإملاء . { وَأُمْلِي لَهُمْ } ، وقف . { لاَ يَعْلَمُونَ } ، وقف . إن جعلت { وَأُمْلِي } مُسْتَأْنفاً . ثم قال تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ } . أي : يتفكروا في أَنَّ الرَّسُولَ صَادِقٌ ، وأَنَّ الحَقَّ / ما دعاهم إليه . ثم قال : { مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ } . قال قتادة : ذكر لنا [ أن ] النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، كان على الصفا ، فدعا قريشاً وجعل يُفَخِّذُهم فَخِذاً [ فَخِذاً ] : " يا بني فلان ، يا بني فلان " ، يحُذِّرُهُمْ بأس الله ( عز وجل ) ، ووقائع الله ، ( تبارك وتعالى ) ، فقال قائلهم : " إِنَّ صَاحِبَكُمْ هَذَا لَمَجْنُونٌ ! بَاتَ يُصَوِّتُ إلَى الصَّبَاحِ " ، ( فأنزل الله ، عز وجل ) ، : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ } ، أي : ينذركم عقاب الله ، ( عز وجل ) ، على كفركم . { مُّبِينٌ } . أي : قد أبانَ لكم إنذارهُ . و : { مِّن جِنَّةٍ } . أي : من جنون . ومثلهُ في سورة " سبأ " . { مِّن جِنَّةٍ } ، وقف . { تَتَفَكَّرُواْ } ، وقف حسن ، ومثله : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } [ الروم : 8 ] ، ومثله : { ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ } [ سبأ : 46 ] في " سبأ " . ثم يبتدئ بـ : { مَا } ، وهي : للنَّفِيْ في الثلاثة المواضع . ثم قال تعالى : { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ } . والمعنى : أولم ينظر هؤلاء المكذبون ، في ملك السموات والأرض وسلطانها ، وفيما خلق الله ، ( عز وجل ) ، فيتدبروا ، فيعلمون أنّ ذلك لا يحدثه إلا رب واحد ، والله واحدٌ لا شبيه له ، فيؤمنوا ويصدقوا ، ويتفكروا في : { أَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ } ، فيحذروا أن يموتوا على كفرهم فيصيروا إلى عذاب الله ، ( سبحانه ) . وقيل : إنهم كانوا يُسَوِّفون بالتوبة والإيمان ، فقيل لهم : عسى أن يكون أجلكم قد قرب ، فتموتوا على كفركم . قال سفيان : { مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [ الأنعام : 75 ] : الشمس والقمر . { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } . أي : فبأي تخويف بعد تخويف محمد ، ( صلى الله عليه وسلم ) ، الذي أتاهم به من عند الله ( عز وجل ) ، في آي كتابه { يُؤْمِنُونَ } ، وهو القرآن . ثم قال تعالى : { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } . أي : هؤلاء الذين كفروا ولم يتعظوا ، إنما كان لإضلال الله ، ( عز وجل ) ، إياهم ، ولو هداهم لاعتبروا وأبصروا رشدهم ، فلا هادي لهم إذ أضلهم الله . وقوله : { وَيَذَرُهُمْ } . من قرأ بـ " الياء " ، رده على اسم الله ، ( سبحانه ) . ومن قرأ ب : " النُّونِ " ، جعله على الإخبار من الله ، ( سبحانه ) ، عن نفسه . ومن قرأ بـ : " الرفع " قَطَعَهُ مما قبله ، أو عطفه على موضع ما بعد " الفَاءِ " وهو الرفع ؛ لأن " الفَاءَ " ترفع ما بعدها من الأفعال . ومن جَزَمَ ، عطف على موضع " الفَاءِ " ، لأنه لو وقع موضع " الفَاءِ " فِعْلٌ جُزِمَ على الجَزَاءِ ، فالعطف على موضع " الفَاءِ " يُوْجِبُ الجَزْمَ . ومعنى { وَيَذَرُهُمْ } ، أي : ندعهم ، { فِي طُغْيَانِهِمْ } ، أي : في تماديهم على الكفر ، { يَعْمَهُونَ } ، يترددون ويَتَحيَّرونَ .