Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 94-95)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ } إلى : { يَشْعُرُونَ } . هذه الآية تحذير لقريش ، ومن كفر بالنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، وإعلام من الله لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ، سُنَّتَهُ فيمن خَلاَ من الأمم الكافرة . و { بِٱلْبَأْسَآءِ } . البؤس وضيق العيش . { ٱلضَّرَّآءِ } ، الضر . { لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } ، أي : فعل ذلك بهم ، ليتضرعوا إلى الله ( عز وجل ) ويخشعوا ، وينيبوا عن الكفر . قال السدي ، { بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } : الفقر والجوع . وقال ابن مسعود : { بِٱلْبَأْسَآءِ } ، الفقر ، و { وَٱلضَّرَّآءِ } ، المرض . وقيل : { بِٱلْبَأْسَآءِ } ، المصائب في المال ، و { وَٱلضَّرَّآءِ } ، المصائب في البدن . وقوله : { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ [ حَتَّىٰ عَفَوْاْ ] } . سمي [ الضرر والفقر سيئة ، لأنه يسوء صاحبه . و { ٱلْحَسَنَةَ } : الرخاء والصحة . سمي ] ذلك حسنة ، لأنها تحسن عند من حلت به ، فبدل الله ( عز وجل ) لهم مكان الضرر والفقر ، الرخاء والصحة ، { حَتَّىٰ عَفَوْاْ } أي : تضاعف أعدادهم بالتناسل ، وهو من الأضداد ، يقال : " عفا " : كثر ، و " عفا " : درس . ومن الكثرة قوله عليه السلام : " أَخْفُوا الشَّوَارِبَ واعْفُوا اللِّحَى " ، أي : وفروا [ اللحى ] حتى يكثر شعرها . فمعنى { عَفَوْاْ } على هذا ، أي : كثروا . قال ابن زيد : معناه ، بدلنا مكان ما كَرِهُوا ما أحَبُّوا . وعن مجاهد : { عَفَوْاْ } ، كثرت أموالهم وأولادهم . وقال قتادة : { عَفَوْاْ } ، سُرُّوا . أي : سُرُّوا بكثرتهم ، وذلك استدراج منه لهم ؛ لأنه أخذهم بالشدة ليتعظوا فلم يفعلوا . ثم أخذهم بالرخاء لعلهم يشكرون ، استدراجاً لهم ، فـ : { قَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ } ، وهو الضيق في المعاش ، { وَٱلسَّرَّآءُ } : السرور والسعة ، فنحن مثلهم ، يصيبنا مثل ما أصابهم ، { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً } ، أي : أخذناهم بالهلاك فجأة على غرة ، { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } ، أي : لا يدرون بذلك . وقد كرر الله ، عز وجل ، قصص الأنبياء وأممها ، في سور كثيرة بألفاظ مختلفة ، ومعان متقاربة . ونحن نذكر علة تكرار ذلك في القرآن ، بما حضرنا من أقوال العلماء ، إن شاء الله . ذكر العلة في تكرار الأنبياء والقصص في القرآن علة ذلك أن القرآن نزل شيئاً بعد شيء نُجُوماً ، في ثلاث وعشرين سنة ، فكانت العرب ترد على النبي صلى الله عليه وسلم ، / من كل أُفُق فيقرئهم المسلمون السورة من القرآن ، فيذهبون بها إلى قومهم . وكان يبعث إلى القبائل المتفرقة ، بالسور المختلفة ، فيبلغ إلى هؤلاء من القصص ما لم يبلغ إلى هؤلاء ، فثنى الله القصص وكررها ليكون يبلغ إلى هؤلاء ما يبلغ إلى هؤلاء إشهاراً منه لهذه القصص ليتعظ بها من بلغته ، ويعلم أنها دلالة على نبوة من أتى بها ، ويعيها كل قلب ، ويزداد الحاضرون السامعون لتكرارها تَفَهُّماً . ولو نزل القرآن جملة واحدة لسبق حدوث الأسباب التي أنزله الله ( عز وجل ) بها ، ولثقلت جملة الفرائض على المسلمين ، وعلى من أراد الدخول في الدين ولفسد معنى النَّسْخ ، فإنما نزل فَرْضاً بَعْدَ فَرْضٍ ، تدريجياً للعباد وتيسيراً عليهم إلى أن يكمل دين الله ( عز وجل ) . كل ذلك تثبيتاً لهم على الإسلام ، قال الله : { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } [ الفرقان : 32 ] ، وهذا جوابهم إذ قالوا : { لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } [ الفرقان : 32 ] ، فإنما نزل متفرقاً ليثبتهم على الإسلام ، إذ لو نزلت الفرائض مرة واحدة ، لكان ذلك داعية إلى النقار والصعوبة عليهم . فإن قيل : هلا كررت الفرائض كما كررت القصص ؟ قيل : إن الفرائض كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يبعث بها إلى كل قوم ليعلمهم بها فرض الله عليهم ، من الصلاة والزكاة ، فكل المؤمنين يصل إليه ذلك ببعث رسول الله ( عليه السلام ) إذ ذلك وجب عليه ، وهو من تمام التبليغ . والقصص ليست كذلك ، إنما نزلت على طريق الاعتبار ، فليس يقتص بها كل من آمن ، فكررت لتشتهر عند المؤمنين . فإن قيل : فلم كرر { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } [ الرحمن : 13 ، 77 ] ، و : { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } [ القمر : 16 ، 18 ، 21 ، 30 ] ، و { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } [ الكافرون : 1 ] وشبهه ؟ فالجواب أن مذهب العرب : التكرار للتوكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم : الاختصار للتخفيف ، فيقولون : " عجل عجل " ، و " الزم الزم " ، فيكررون للتأكيد ، ويقولون : " الهلال والله " ، [ أي : هذا الهلال ] ، فيختصرون للتخفيف . وربما استوحشوا من الإعادة فغيروا اللفظة الثانية فيقولون : ( هو ) " عَطْشان نَطْشان " ، و " حَسَنٌ بَسَنٌ " ، و " شَيْطَان [ لَيْطان ] " ، أبدلوا الثاني وغيروه لئلا يعيدوه بلفظه إذ لم يكن ( لهم ) بد من التأكيد . وأما التكرير في { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } ، فإن المشركين قالوا للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) : اعبد بعض آلهتنا ، ونؤمن بإلهك ، فأنزل الله ( عز وجل ) : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [ الكافرون : 2 - 3 ] ثم أقاموا مرة وقالوا ( له ) : اعبد آلهتنا وقتاً من الزمان ، ونعبد إلهك مثله ، فأنزل الله ( عز وجل ) : { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } [ الكافرون : 4 - 5 ] . ومن العلة في التكرار { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } ، أن الله تبارك وتعالى ، عَدَّدَ في " الرحمن " آلاءه ونعمه ، ونبههم على ما أعد للمؤمنين من نعمه ، فأتبع كل نعمة ذكرها الاستفهام بمعنى : التوبيخ ، والسؤال لهم بأي نعمة يكذبون ، لتكون فاصلة بين [ كل نعمة ] ذكرها وبين ما بعدها من نعمة أخرى ، ليفهموا كل نعمة على انفصالها . وهذا كقول العرب للرجل : ألم أطعمك وأنت جائع ؟ أفتنكر هذا ؟ [ ألم أكسك وأنت عريان ؟ أفتنكر هذا ؟ ، ألم أغنك وأنت فقير ؟ أفتنكر هذا ؟ ] وشبهه . ومثل : هذا تكراره : { فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [ القمر : 15 ، 17 ، 22 ، 32 ، 40 ، 51 ] في سورة : " اقتربت " ؛ لأنه يذكر / لهم آياته ، وعِبَر ما يعتبرون به ، ثم نبههم على الاعتبار والادكار بذلك ، فإذا ذكر آية وعِبَراً نبههم على الاعتبار بها ، وكرر ذلك عليهم ، ليكون أَفْهَم لهم . وقد يأتي تكرار المعنى بلفظين مختلفين ، وذلك للاتساع في المعنى واللفظ ، نحو قولك : " آمرك بالوفاء ، وأنهاك عن الغدر " ، والأمر بالوفاء هو النهي عن الغدر . ومثله : " آمرك بالتواصل ، وأنهاك عن التقاطع " . وكقوله : { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } [ الرحمن : 68 ] ، والنخل والرمان من الفاكهة ، فَأُفْرِدَا عن الجملة ، لفضلهما . ومثله قوله : { حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ } [ البقرة : 238 ] ، وهي منها ، فأفردها بالذكر ترغيباً فيها ، كما تقول العرب : " إيتني كل يوم ( ويوم ) الجمعة . ومنه قوله : { لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم } [ الزخرف : 80 ] ، والنجوى هو السر . وقد يكون " السر " : ما أسروا في أنفسهم ، و " النجوى " : ما تَسَارَرُوا به سِرّاً ، وهذا كما قال ذو الرُّمة : @ لَمْيَاءُ فِي شَفَتَيْهَا حُوَّةٌ لعَسُ وَفِي اللِّثاتِ وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَب @@ واللَّعَسُ : حُوَّة . وقريب من هذا : الزيادة للتأكيد ، كقوله : { يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } [ آل عمران : 167 ] ؛ لأن الرجل قد يقول بالمجاز : كتاباً ورسالة ، وعلى لسان غيره . ومنه قوله : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ } [ البقرة : 79 ] ؛ لأن الرجل قد يضاف إليه الكتاب ، والكاتب غيره . يقول الأمي : كتبت إليك ، وإنما كُتِبَ له ، وكتب الأمير كتاباً ، وإنما أمر بِكِتْبَتَهِ ، فَبَيَّنَ بقوله : { بِأَيْدِيهِمْ } ، أنهم بأنفسهم كتبوه على الحقيقة . وقد قال ابن عباس في قوله : { تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [ البقرة : 248 ] ، وإنما أُمِرَتْ بحمله ، كقولك : " حملت إلى بلد كذا بُرّاً وقمحاً " ، وإنما [ تريد ] أمرت بحمله . وقال تعالى : { فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ } [ الصافات : 93 ] ، فذكر اليمين ؛ لأن فيها القوة وشدة البطش ، فأخبر بذلك عن شدة الضرب . ومثله : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] ، فأكد بذلك ، كما تقول : رَأْيُ عَيْنِي وسَمْعُ أُذُنِي ] . ومنه قوله : { وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] ، وهذا مثل قولهم : نفسي التي بَيْنَ جَنَبيّ . ومثله قوله تعالى : { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } [ البقرة : 196 ] .