Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 1-40)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

- قوله : { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } ، إلى آخرها . من النحويين من قال : " لا " زائدة كزيادتها في قوله : { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [ الأعراف : 12 ] . ولم يمتنع أن تزاد في أول الكلام ، لأن القرآن كله كسورة واحدة . وقد صح عن ابن عباس وغيره أنه قال : إن الله جل ذكره أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في شهر رمضان في ليلة القدر . ثم نزل متفرقاً من السماء على النبي صلى الله عليه وسلم . وقد قال الفراء : " لا " لا تزاد ( " لا " في النفي ) ، وخالفه غيره فأجاز زيادتها في غير النفي . وقيل : [ إن ] " لا " من قوله : { لاَ [ أُقْسِمُ ] } : جواب ، ثم استأنف فقال : أقسم بيوم القيامة . وكذلك هي زائدة [ بلا ] اختلاف في قوله : { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ } ، لأنها متوسطة بلا اختلاف ، ولأنها بعد نفي . هذا على قول من جعله أيضاً قسماً ثانياً . ومن جعله غير قسم جعل " لا " نافية . وهو قول الحسن . وقد قرأ قُنْبُل عن ابن كثير : " لأُقْسِمُ " بغير ألف بعد اللام ، وهو غلط عند الخليل وسيبويه ، لأنها لام عند قسم تلزمها النون المشددة . قال ابن جُبير : " { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } معناه : أقسم بيوم القيامة " . وقال أبو بكر ابن عياش : { لاَ } تأكيد للقسم ، بقولك : لا ، والله . وحكي عن بعض الكوفيين أن { لاَ } رد لكلام قد مضى من المشركين الذين كانوا ينكرون الجنة والنار . ثم ابتدأ القسم فقال : { أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } . وكان يقول : كل يمين قبلها رد لكلام فلا بد من تقدم " لا " ليفرق بذلك بين اليمين التي تكون جحداً واليمين التي تستأنف . قال : ألا ترى أنك تقول مبتدءاً : والله إن الرسول لحق ؟ فإذا قلت : لا ، والله إن الرسول لحق ، فكأنك كذبت قوماً أنكروه . وقيل : " لا " تنبيه بمعنى " ألا " . كما قال امرؤ القيس : @ لاَ وَأَبيكِ ابْنَةَ العامِر [ يِّ ] لا يدّعي القومُ أَنِّي [ أَفِرّ ] @@ يريد : ألا . قال ابن عباس : قوله : { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ } ( هو أيضاً ) قسم . أَقْسَمَ ربنا بما شاء من خلقه . وهو قول قتادة . وهو اختيار الطبري ، فتكون " لا " الأولى رداً لكلام تقدم ، و " لا " الثانية زائدة . وقال الحسن : { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ } ليس بقسم . والمعنى : ولست أقسم بالنفس اللوامة . فتكون " لا " الأولى [ رداً ] لكلام تقدم أو زائدة ، و " لا " الثانية نافية غير زائدة . وتأويل الكلام عند الطبري : لا ، ما الأمر . كما تقولون : أيها الناس . كأنه ( يقدرُ ) جواب القسم محذوفاً . كأنه قال : ( لا ) ، ما الأمر ، كما تقولون : إن الله لا يبعث أحداً ، أقسم بيوم القيامة ما الأمر كما تقولون . ودل على ذلك قوله : { بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } ، وقوله { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن [ نَّجْمَعَ ] عِظَامَهُ } ، أي : أيحسب أن لن يبعث بعد موته ؟ ! { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ * فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } ، ( على خلاف ) ظنهم أنهم لا يبعثون . فالمعنى : ما الأمر كما تقولون أيها الناس من أن الله لا يبعث عباده بعد مماتهم ، أُقْسِمُ بِيَوْمِ القيامة . قال : والمعروف في كلام الناس : إذا قال الرجل : " لا ، والله ما فعلت " أن قولهم " لا " رَدُّ الكلام . وقولهم : " والله " : ابتداءُ يمينٍ فكذلك { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } . - وقوله : { بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } . أي : بالنفس التي " تلوم على الخير والشر " . قاله ابن جبير . وقال مجاهد : معناه بالنفس التي تندم وتلوم على ما فات . يروى أنه ما من نفس إلا تلوم نفسها يوم القيامة . يلوم المحسن نفسه : أَلاَ ازْدَادَ خيراً ؟ ! ويلوم المسيء نفسه ( على إساءته / وعلى ما فاته من التوبة . قال الحسن : المؤمن يلوم نفسه ويعاتبها ويقول ) : [ لِمَ ] أَكلت ؟ ! [ لم شربت ] ؟ ! لم تحدثت ؟ ! لم تكلمت ؟ ! - يعني : يفعل ذلك في الدنيا - قال : والكافر لا يعاتب نفسه ، يَمُرُّ قدما قدماً في الذنوب . وعن الحسن [ أيضاً ] أنه قال : هو المؤمن ، إن تلقاه إلا يعاتب نفسه : [ ما أردت بكذا ] ؟ ! [ ما أردت ] بنظرك ما أردت بكلمتك ؟ ! وقال قتادة : اللوامة : " الفاجرة " . وعن ابن عباس : هي " المذمومة " . - ثم قال : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } . أي : أيظن ابن آدم أن لن نقدر على جمع عظامه بعد تفرقها ؟ ! يعني : أيحسب الكافر أنه لا يبعث بعد تفرق عظامه ؟ ! بل نقدر على أعظم من ذلك ، وهو أن نسوي أصابع يديه ورجليه فنجعلها شيئاً واحداً [ كَخُفِّ ] البعير ، وحَافِرِ الحمار ، فلا يقدر أن يأكل بيديه ويرجع إلى الأكل بفمه كالبهائم ، ولكن ( الله ) فرق أصابع يديه ورجليه ليتناول بها ويُفْضِيَ إذا شاء ، هذا معنى قول ابن عباس وغيره من المفسرين . ونصب { قَادِرِينَ } على الحال ، أي : بلى ، نجمعها في حال قدرة على تسوية بنانه . هذا قول سيبويه . وقيل : التقدير : بل نقدر ، فلما وقع { [ قَادِرِينَ ] } في موضع " نقدر " ، نصب على الحال . وهذا غلط ، لأنه يلزم أن يقول : " قائماً زيد " [ بنصب ] " قائم " إذا رفع " زيداً " بفعله ، لأنه في موضع " يقوم " . وقال الفراء : تقديره : بلى ، نقوى على ذلك قادرين . - ثم قال : { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } . أي : ليس يجهل الإنسان أن ربه يقدر على جمع عظامه وإحيائه بعد موته ، ولكن يريد أن يمضي أمامه قدماً لا يُثْنَى عن ذنوبه ولا يتوب من كفره ، ويُسَوِّفُ بالتوبة . قال ابن جبير : { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } ، يعني الأمل ، يقول : أعمل ثم أتوب قبل يوم القيامة . قال مجاهد : يمضي ابن آدم { أَمَامَهُ } راكباً رأسه . وقال الحسن : لا تلقى ابن آدم إلا تَنْزَعُ نَفْسُهُ إلى معصية الله قُدُماً قُدُماً إلاَّ من عصم الله . وقال عكرمة : … " لا ينزع عن فجوره " . وقال الضحاك : يركب رأسه في طلب الدنيا دائماً ، لا يذكر الموت ، يقول : أصيبُ من الدنيا كذا ، وأصيب من الدنيا كذا ، ولا يذكر الموت . وعن ابن عباس أن معناه أن الإنسان هُنَا " الكافر ، يكذب بالبعث والحساب " ، وهو قول ابن زيد . فالهاء في { أَمَامَهُ } للإنسان [ في جميع هذه ] الأقوال . وقيل : الهاء ليوم القيامة ، والمعنى : بل يريد الإنسان ليكفر بالحق بين يدي يوم القيامة . وقيل : المعنى : يقدم الذنب ويؤخر التوبة . - ثم قال : { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } . أي : يسأل الإنسان الدائم في معصية الله : متى يوم القيامة ؟ ! تسويفاً منه بالتوبة . قال قتادة : [ يقول ] : " متى يوم القيامة " . قال عمر بن الخطاب : " من سأل عن يوم القيامة فليقرأ هذه السورة " . قال ابن عباس : معناه : يقول الإنسان : سوف أتوب . قال : فبين له ، فقيل له : { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ * وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ … } . - وقوله : { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } . من فتح الراء فمعناه : [ لمع ] عند الموت ، ومن كسر فمعناه : حَارَ وفَزِعَ [ عند الموت ] . قال قتادة : { بَرِقَ ( ٱلْبَصَرُ ) } : شخص ، يعني : عند الموت . وقيل : ذلك يوم القيامة عند المبعث . وسياق الكلام يدل على ذلك ، لأن بعده : { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ * وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ * يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } ، فهذا كله يوم القيامة يكون فكذلك { بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } . وقيل : الفتحُ في الراءِ والكسرُ لغتان ، بمعنى : لَمعَ وشَخَصَ . ويدل على [ صحة ] ذلك قوله : { لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ [ طَرْفُهُمْ ] } [ إبراهيم : 43 ] ، فهذا هو الشخوص ، [ لا تُطْرَفُ ] أَعينُهُم ، وذلك من شدة هول يوم القيامة . - ثم قال : { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } . أي : ذهب ضوءه . - { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } . أي : جمع بينهما في ذهاب الضوء ، فلا ضوء لواحد منها . وفي قراءة عبد الله : وجمع بين الشمس والقمر . روي أنهما يجمعان فيكوران كما قال تعالى : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } [ التكوير : 1 ] ( قال مجاهد : كورتا يوم القيامة . وقال ابن زيد : جمعتا فرُميَ بهما في الأرض . وتأويل { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } [ التكوير : 1 ] أن معناه : كورت في الأرض ، [ أي ] [ رمي ] بها . فيكون معنى الجمع بينهما هنا : أن يُرْمَى بهما في الأرض . وقال عطاء : يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان في البحر [ فيكونان ] نار الله الكبرى . وقيل : { وَجُمِعَ } ، ولم يقل : " وجمعت " ، لأن معناه : وجمع بين الشمس والقمر . فحمل على تذكيرين . وقيل : لما كان الكلام لا يتم إلا بالقمر ، غلب المذكر - وهو القمر - . وقال الكسائي : حمل على المعنى . والتقدير : وجمع / النوران الضياءان . وقال المبرد : ذُكِرَ { وَجُمِعَ } لأنه تأنيث غير حقيقي ، [ إذ ] لم تؤنث الشمس للفرق بين شيء وشيء . فلذلك ، تذكيره على معنى : " شَخْص " و " شَيْء " . - ثم قال : { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } . أي : يقول الإنسان - مما يرى من الأهوال يوم القيامة - : أين الفرار ؟ ! ، " والمَفَرُّ " مصدرٌ . عن ابن عباس : " أَيْنَ المَفِرُّ " بكسر الفاء ، وروي عن عيسى بن عمر وابن أبي إسحاق ويحيى بن يعمر ، فهو على هذا : اسم مكان ، أي المكان الذي يفر إليه . وأجاز في المصدر الكسر . - ثم قال : { كَلاَّ لاَ وَزَرَ } . أي : لا ، ليس هنالك يا ابن آدم فرار ، ولا مكان يلجأ إليه ويفر إليه ، ولا جبل ولا معقل . قال ابن عباس : { لاَ وَزَرَ } : " لا حصن ( ولا ملجأ " . وقال مطرف بن الشخير : { لاَ وَزَرَ } : لا جبل ، إن الناس إذا فروا قالوا : عليك بالوزر . وهو قول الحسن ومجاهد وقتادة . وقال الضحاك : { لاَ وَزَرَ } : " لا حصن ) وهو قول أبي قلابة . وقال ابن جبير : لا محيص . وقال عكرمة : لا منعة . وأصل هذا أنهم كانوا إذا ضُيِّقَ عليهم في الحروب والهزائم الشداد لجؤوا إلى الجبال والمعاقل ، فأعلموا أنه لا ملجأ من عذاب الله في القيامة إلى جبل ولا إلى غيره . - ثم قال : { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } . قال ابن زيد : " استقر أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار " وقال قتادة : معناه : إلى ربك يومئذ المنتهى . - ثم قال : { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } . أي : يُخْبر الإنسان يوم يجمع الشمس والقمر بما قدم من عمله وما أخر بعده مما يعمل به من أجله . قال ابن عباس : " يخبر الإنسان يوم القيامة بما عمل قبل موته وبما سَنَّ فَعُمِلَ به بعد موته " . وقاله ابن مسعود . وقيل : المعنى : بما قدم من المعصية وأخر من الطاعة . روي ذلك أيضاً عن ابن عباس . وقال مجاهد : معناه : يخير الإنسان يوم القيامة بأول عمله وآخره . وقال قتادة : يخبر بما قدم من طاعة الله وبما أخر ، أي : ما ضيع من حق الله . وقال ابن زيد : { وَأَخَّرَ } معناه : بما ترك من العمل بطاعة الله . و { بِمَا قَدَّمَ } [ معناه ] : ما قدم من عمل من خير أو شر . وقيل : ما أخر : ما أوصى به بعد موته ، وما أبقى من أثر عمله بعده . - ثم قال تعالى : { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } . أي : هو شاهد على نفسه . قال ابن عباس : " يشهد عليه سمعه وبصره ويداه ورجلاه وجوارحه " ، فيكون { ٱلإِنسَانُ } ابتداء ، و { بَصِيرَةٌ } ابتداءٌ ثانٍ ، و { عَلَىٰ نَفْسِهِ } خبرٌ ، والجملة خبرُ [ عن ] الإنسان . وقال ابن جبير وقتادة : معناه : أن الإنسان عارف بعيبه ، فهو عارف بعيب غيره ، متغافل عن عيبه . فيكون { ٱلإِنسَانُ } على هذا التأويل ابتداء ، و { بَصِيرَةٌ } خبره . ودخلت الهاء في " بصيرة " للمبالغة . وقيل : دخلت حملا على المعنى ، [ لأن ] المعنى : بل الإنسان حجة على نفسه . وقيل : معنى { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } : يعني الكاتبين يكتبان خيره وشره . ودل على ذلك قوله : { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } ، أي : ولو سدل ستوره ليخفي صنعه لم ينفعه شيء . - ثم قال تعالى : { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } . أي : بل الإنسان شاهد على نفسه ولو اعتذر مما أتى من المآثم وجادل بالباطل [ لا ينفعه ] ذلك شيئا . قال ابن عباس : " { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } يعني الاعتذار . ألم تسمع إلى قوله تعالى : { لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } [ غافر : 52 ] يعني قولهم : { مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ } [ النحل : 28 ] ، وقولهم : { رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ؟ ! قال ابن زيد : " قوم يؤذن لهم فيعتذرون فلا ينفعهم العذر ، وقوم لا يؤذن لهم فيعتذروا " . وقال مجاهد : { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } : " ولو جادل عنها فهو بصيرة عليها " . وقال السدي : " معناه : ولو أرخى الستور وأغلق الأبواب " . وقال الحسن و [ قتادة ] : " ( معناه ) : ولو ألقى معاذيره لم تقبل منه " ، إذ هي باطل . - ثم قال تعالى : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } . أي : لا تحرك يا محمد بالقرآن - إذا نزل عليك - ( لسانك ) لتعجل به . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه شيء من القرآن عجل به يريد حفظه [ لحبه ] إياه ، فقيل : لا تعجل به ، فإنا سنحفظه عليك . قال ابن عباس : كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يَلْقَى مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً ، يُحَرّكُ شَفَتَيْهِ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَفَلَّتَ مِنْهُ ، فَأَنْزَلَ اللهُ - جَلَّ ذِكْرُهُ - : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } ، أَيْ : جَمْعَهُ في صَدْرِكَ ، وَأَنْ تَقْرَأَهُ . { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ ( قُرْآنَهُ ) } ، أَيْ : فَأَنْصِتْ وَاسْتَمِعْ . { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } . ( أَيْ ) : ( إِنَّ ) عَلَيْنَا أَنْ نُبَيِّنَهُ بِلِسَانِكَ / ، قَالَ : فَكَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا أََتَاهُ جِبْرِيلُ [ اسْتَمَعَ ] ، فَإذَا انْطَلَقَ قَرَأَهُ ( كَمَا قَرَأَهُ ) . قال الشعبي : " كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الوحيُ عَجِلَ يَتَكَلَّم بِهِ مِنْ حُبِهِ إِيَّاهُ ، فَنَزَلَ : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } . وقال ابن زيد : " ( معناه ) : لا تكلم بالذي أوحينا إليك حتى نقضي إليك وحيه ، فإذا قضينا إليك وحيه فتكلم به " . وقال الضحاك : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل عليه القرآن حرك به لسانه مخافة أن ينساه ، فقيل له : { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ } أي : حفظه في [ قلبك ] . وأن تقرأه بعد حفظه . وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة . [ وقال قتادة ] : معنى { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } أي : جمعه في قلبك حتى تحفظه { وَقُرْآنَهُ } أي : [ تأليفه ] . يقال : قرأت هذه الفاتحة في بطنها جنيناً إذا ضمت رحمها على ذلك . - وقوله : { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } . معناه عند ابن عباس : ( " فإذا أنزلناه إليك فاستمع قرآنه " . وعنه أيضاً أن [ معناه ] : " فإذا تلي عليك فاتبع ما فيه " . وقال قتادة : { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ } " فاتبع ) حلاله ، واجتنب حرامه " . وقال الضحاك : " فاتبع ما فيه " . وعن ابن عباس أيضاً أن معناه : فإذا بيناه فاتبع قرآنه ، أي : اعمل به . - وقوله { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } . أي : علينا بيان ما فيه من حلال وحرام [ وأحكام ] ، فأعلم الله - جل ذكره - أنه المتولي لحفظ كتابه علينا ، ولم [ يكل ] ذلك إلينا ، فَسَلِمَ من التغيير . [ ولو وكله ] ( إلينا ) لم نأمن أن يغيره ويبدله زنادقة هذه الأمة ، فالحمد لله على ذلك ، وقد وكل الله حفظ التوراة والإنجيل إلى اليهود والنصارى فغيروا وبدلوا . وقد سئل سفيان بن عيينة فقيل له : كيف غيرت التوراة والإنجيل وهما من عند الله ؟ ! فقال : إن الله جل ثناؤه وكل حفظهما إليهما ، فقال جل ذكره : { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ } [ المائدة : 44 ] ، ولم [ يكل ] حفظ القرآن إلى أحد ، فقال جل ذكره : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] ، فما حفظه الله علينا لم يغير . وقيل : معنى قوله : { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } أي [ أن ] نبينه بلسانك . - ثم قال تعالى : { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } . أي : ليس الأمر أيها الناس على قولكم : إنكم لا تبعثون ولا تجازون بأعمالكم . ولكن الذي دعاكم إلى ذلك [ حبكم ] الدنيا وزينتها ، وإيثاركم عاجلها على آجل الآخرة ، ونعيمها الدائم . فأنتم لذلك تؤمنون بالعاجلة وتكذبون بالآجلة . ( ويجوز أن تكون " كلا " بمعنى " حقاً " أو بمعنى " ألا " . قال قتادة : اختار الناس العاجلة إلا من عصم الله ) . - ثم قال : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } . أي : حسنة ناعمة جميلة من السرور والغبطة . هذا قول جميع أهل التفسير . - ثم قال : { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } . أي : تنظر إلى ربها . قال عكرمة : " تنظر إلى ربها نظراً " . قال الحسن : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } : " أي حسنة : { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } : قال : تنظر إلى الخالق ، وحق ( لها ) أن [ تنضر ] وهي [ تنظر ] إلى الخالق " . وقال عطية العوفي : هي تنظر إلى الله - جل وعز - لا تحيط أبصارهم به من عظمته ، ويحيط بهم ، { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ } [ الأنعام : 103 ] . [ وقد ] قال بعض أهل البدع : إنه بمعنى منتظرة إلى ثواب ربها ، وهذا خطأ في العربية ، [ ( لا ) يقال ] : " نظرت إليه " بمعنى انتظرته ، وإنما يقال : " نظرته " بمعنى انتظرته . وأيضاً فإنه لا يجوز " انتظرت زيداً " بمعنى [ انتظرت ] عطاءه أو غلامه أو ثوابه أو نحوه ، لأن فيه تغيير المعاني وإبطال الخطاب . وأيضاً ، فإن النظر إنما يضاف إلى الوجوه ، والانتظار ( إنما ) يضاف إلى القلوب ، فلا يجوز أن يقال : " [ وجهي ] منتظر لك " . فلما أتى النص بإضافة النظر إلى الوجوه ، لم يَجُزْ أَنْ يَتَأَوَّلَ فيه معنى الانتظار ، ولو قال : " قلوب يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة " ، لحسن كونه بمعنى الانتظار لإضافته إلى القلوب . قال الحسن في الآية : نَظَرت إلى الله [ فنضرت ] من نوره ، أي : نعمة من نوره . وقد روى عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إِنِّي حَدّثْتُكُمْ عَنِ المَسِيحِ الدَّجَالِ ، إِنَّهُ قَصِيرٌ أَفْحَجُ جَعْدٌ أَعْوَرُ [ مَطْمُوسُ ] عَيْنِ اليُسْرَى ، لَيْسَتْ بِنَاتِئَةٍ وَلاَ حَجْرَاءَ ، فَإِنِ الْتَبَسَ عَلَيْكُمْ فَاعْلَمُوا أَنْ رَبَّكُمْ - عز وجل - / لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ - جَلَّ ذِكْرُهُ - حَتَّى تَمُوتُوا " . وقد ( استدل ) من أنكر النظر بإضافة النظر إلى الوجه ، قال : والعين لا تسمى وجها . وقد [ أضاف ] النظر إلى الوجه . وهذا غلط ظاهر ، لأن العرب من لغتها أن تسمي الشيء ( باسم ) الشيء إذا قرب منه وجاوره ، وقد قال الله تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ * لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } [ الغاشية : 8 - 9 ] ، والسعي للأقدام ، وقد أضاف السعي [ للوجوه ] ، وهو أبعد من الأقدام من العين إلى الوجه ، فإذا جاز أن يضاف سعي الأبدان والأقدام إلى [ الوجوه ] - لالتباس الوجوه بها - كان ( إضافة ) النظر إلى [ الوجه ] - يراد به العين - أَجْوَزَ وَأَحْسَنَ ، لأن العين في الوجه ، وهي من جملة الوجه . وهذا سائغ جائز في اللغة وفي كثير من القرآن . [ وأحَادِيثُ ] تصحيح النظر إلى الله جل ذكره في الآخرة كثيرة أشهر من أن تذكر ها هنا . ويدل على تصحيح جواز ذلك - من القرآن والنظر - قوله تعالى - حكاية عن موسى عليه السلام - : { قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [ الأعراف : 143 ] . ففي سؤاله النظر دليل على جوازه ، لأن موسى لا يمكن أن يسأل ما لا يجوز وما يستحيل ، فأعلمه الله أنه لا يراه في الدنيا أحد . فأما قوله تعالى : { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ } [ الأنعام : 103 ] ، فمعناه : لا تحيط به . ومن قال : إن معناه : لا تراه ، فقد [ غلط ] : لأنه يلزم أن يكون ( معنى ) : { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ } [ يونس : 90 ] : إذا رآه ، وذلك محال ! إنما معناه : إذا أحاط به . وكذلك يلزمه أن يكون معنى { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] : إنا [ لمرئيون ] ، ولم يخافوا أن يراهم قوم فرعون ، إنما خافوا أن يحيطوا بهم ، فالمعنى : إنا لمحاط بنا ، وكذلك يلزمهم أن يكون معنى : { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً } [ طه : 77 ] : ( لا تخاف ) رؤية ، وهذا محال ، لم يؤمنه الله من رؤية آل فرعون له ، إنما أَمَّنَهُ من إحاطتهم به وبمن معه واستعلائهم عليهم ، فالمعنى في الآية : لا تحيط به الأبصار في الدنيا ولا في الآخرة . ومعنى { لَن تَرَانِي } [ الأعراف : 143 ] أي : لن تراني في الدنيا . فالإحاطة به منفية ، والرؤية له في الآخرة غير منفية . كما أن قوله : { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } [ البقرة : 255 ] ، لا يكون نفياً عن أن يعلموه ، فكما كانت الإحاطة تدل على نفي العلم ، كذلك بقي الإدراك لا يدل على نفي الرؤية . وكما جاز أن يعلم الخلق أشياء ولا يحيطون بها علماً ، كذلك جاز أن يروا ربّهم ولا تحيط به أبصارهم ، فمعنى الرؤية غير معنى الإدراك . فلذلك ، لا يجوز أن يكون معنى { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ } لا تراه . و [ قد ] قيل : معنى { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ } أي : في الدنيا ، على أن يكون { تُدْرِكُهُ } بمعنى ، تراه ، وتدركه في الآخرة أي : تراه ، بدلالة قوله : { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } ، وبدلالة قوله : { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } [ المطففين : 15 ] . وهذا من أدل ما يكون من النص على جواز الرؤية ، لأن المؤمنين لا بد أن يكونوا في الآخرة إما محجوبين [ عن الرؤية ] أو غير محجوبين ، [ فإن كانوا محجوبين ] فلا فرق بينهم وبين الكفار الذين حكى الله عنهم أنهم محجوبون في الآخرة ، ولا فائدة في إعلام الله لنا أن الكفار محجوبون عنه ، إذ الكل محجوبون ، فلا بد أن يكون المؤمنون غير محجوبين عن رؤيته ، بخلاف حال الكفار . وقيل : معنى { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ } أي : بالنهاية والإحاطة . فأما الرؤية فنعم . وقيل : معنى { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ } كإدراكه خلقه ، لأن أبصارهم ضعيفة . وقيل : المعنى : لا تدركه في الدنيا ولا في الآخرة ، أي : أبصار الخلق التي خلقها الله [ فيهم ] لا يرونه بها ، ولكن يحدث لهم تعالى في الآخر [ حاسة ] سادسة يرونه بها . وهذه دعوى لا دليل يصحبها من أثر ولا نظر ، والله قادر على كل شيء . وقد روى جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا - يَعْنِي القَمَرَ - لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ " وفي بعض الرواية : " لاَ تُضَارُونَ فِي رُؤيَتِهِ " وفي بعضها : " كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ فِي غَيْرِ سَحَابٍ " ، وفي بعضها : " كَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ نِصْفَ النَّهَارِ وَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ سَحَابَةٌ " ، وفي بعضها : " كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ وَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ سَحَابَةٌ " . وقد ذكر النحاس في " تضارون " و " تضامون " واختلاف ألفاظهما ومعانيهما ثمانية أوجه . " تُضَارَونَ " / و " تُضَامُّون " مضموم الأول مخففاً ، قال : ويجوز " تُضَارُّونَ " ( و ) " تُضَامُّونَ " مضموم الأول مشدداً ، قال : ويجوز " تَضَامُّونَ " مفتوح الأول مشدداً ، وأصله : " تَتَضَامُّونَ " ، ( ثم حذفت إحدى التاءين كـ { تَفَرَّقُواْ } [ آل عمران : 103 ] و { تَسَآءَلُونَ } [ النساء : 1 ] قال : ويجوز " تَضَّامُّونَ " مفتوح الأول مشدد ) الضاد والميم على أن تدغم التاء الثانية [ في الضاد ] ، كما قال : { تَظَاهَرُونَ } [ البقرة : 85 ] ، وكذلك يجوز " تُضَّامُّونَ " و " تُضَّارُّونَ " على ذلك ، التقدير في الحذف والإدغام . والرواية فيها بالتخفيف ، ومعناه : لا ينالكم عند رؤيتكم ضير ولا ضيم . ومن رواه مشدداً مضموم الأول فمعناه : لا يُضَّارَّ بعضكم بعضاً في الرؤية ، ولا يُضَّامَّ بعضكم بعضاً كما تفعلون في رؤية الهلال في الدنيا إذا [ أزدحمتم ] لرؤيته . - ثم قال تعالى : { [ وَ ] وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } . أي : متغيرة الألوان كالحة مسودة . قال مجاهد : { بَاسِرَةٌ } " كاشرة " . وقال قتادة : " كالحة عابسة " . - ثم قال تعالى : { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } . أي : تعلم وتوقن أنه يفعل بها داهية . قال مجاهد : { فَاقِرَةٌ } : " داهية " . وقال قتادة : " تيقن أنها ستدخل النار " ، كأن الفاقرة هي التي إذا حلت بالإنسان كسرت فقاره ، أي : ظهره . - ثم قال : { كَلاَّ … } . أي : ليس الأمر على ما يظن هؤلاء المشركون ألا يعاقبوا على شركهم . فيوقف عليها هذا التأويل ، ويجوز أن تكون بمعنى " حقاً " ، أو بمعنى " إلا " . فيبتدأ ( بها ) . - ومعنى { إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } . يعني النفس عند الموت وحشرج بها . - { وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ } . أي : وقال أهله ومن حوله : ( من ) يرقيه فيشفيه [ لِمَا بِهِ ] ، وطلبوا له الأطباء فلم يغنوا عنه من أمر الله شيئاً . هذا معنى قول عكرمة وابن زيد . وقال أبو قلابة : { مَنْ رَاقٍ } : " من طبيب وشاف " ، وهو قول الضحاك وقتادة . وعن ابن عباس أن معناه : وقالت الملائكة - يعني أعوان ملك الموت - : من يرقى بنفسه فيصعدها ؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب ؟ يقال : رَقَى يَرْقِي من الرُّقْيَةِ . وَرَقَى يَرْقَى من الصُّعُودِ . واسم الفاعل فيهما رَاقٍ . - ثم قال تعالى : { وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلْفِرَاقُ } . أي : أيقن : بالموت فليس أحد يدفعه عنه . - ثم قال تعالى : { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } . أي : اختلطت شدة كرب الدنيا وكرب الآخرة ، هذا معنى قول ابن عباس . وعنه أيضاً أنه يقول : " آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة ، فتلتقي الشدة بالشدة " . وقال الضحاك : معناه : " أهل الدنيا يجهزون الجسد ، وأهل الآخرة يجهزون الروح " . وقال قتادة : { وَٱلْتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ } : " [ الشدة ] بالشدة ، ساق الدنيا بساق الآخرة " . وقيل : " عمل الدنيا بعمل الآخرة " . وذكر ابن زيد قولين في ذلك ، أحدهما : " ساق الآخرة بساق الدنيا " ، والآخر أنه حكي عن بعض العلماء أنهم قالوا : " قل ميت يموت إلا التفت إحدى ساقيه بالأخرى . و ( هو ) قول مروي عن قتادة وأبي مالك والسدي . واختار القول ( الأول ) لقوله تعالى : { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } . وقال الحسن : هو لف ساقيك في الكفن . وعن مجاهد في معناه : [ التف ] " بلاء ببلاء " . - ثم قال تعالى : { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمَسَاقُ } . أي : إلى ربك مساقه إذا اشتد كربه وحَشرَجَتْ نفسه . - ثم قال تعالى : { فَلاَ صَدَّقَ وَلاَ صَلَّىٰ } . أي : لم يصدق ولم يصل ، فـ " لا " نفي وليست بعاطفة ، لأنها لو كانت عاطفة لأشبه [ الثاني ] الدعاء ، والمعنى : فلم يصدق بكتاب الله ، ولم يصل لله صلاة . ولكنه { كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } . أي : كذب بكتاب الله وبنبيه ، وأعرض عن القبول والطاعة . - { ثُمَّ ذَهَبَ إِلَىٰ أَهْلِهِ يَتَمَطَّىٰ } . أي : [ مضى ] [ منصرفاً ] [ متبختراً ] في مشيته . قال قتادة : { يَتَمَطَّىٰ } : " يتبختر " . قال زيد بن أسلم : { يَتَمَطَّىٰ } : يتبختر ، وهي مشية بني مخزوم . وهو مشتق من المطا ، وهو الظهر . كأنه يلوي ظهره متبختراً . ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي المُطَيْطَاءَ " ويجوز أن يكون من مططت ، ثم [ أبدل ] من إحدى الطاءين ياء ، كما قالوا : " تَظَنَّيْتُ " في " تَظَنَّنْتُ " ، فيكون المعنى : يمد يديه ورجليه في الخطا [ متبختراً ] . قال مجاهد وابن زيد : نزلت هذه الآية في أبي جهل . - ثم قال تعالى : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ } . هذا وعيد وتهدد لأبي جهل . قال قتادة : " ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ الله عليه السلام أَخَذَ بِمَجَامِعِ [ ثِيَابِ ] أَبِي جَهْلٍ ، فَقَالَ : { أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ * ( ثُمَّ أَوْلَىٰ لَكَ فَأَوْلَىٰ ) } ، فَقَالَ عَدُوُّ الله : [ أَيُوعِدُنِي ] مُحَمَّدٌ ؟ ! وَالله ، مَا تَسْتَطِيعَ لِي أَنْتَ وَلاَ رَبُّكَ شَيْئَاً ، وَالله ، لأَنَا أَعَزُّ مَنْ مَشَى بَيْنَ جَبَلَيْهَا . فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ ، أَشْرَفَ عَدُوُّ الله عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ : لاَ يُعْبَدُ / اللهُ بَعْدَ اليَوْمِ أَبَداً ، فَضَرَبَ اللهُ عُنُقَهُ وَقَتَلَهُ شَرَّ قَتْلَةٍ " والعرب تقول : " أولى ( لك ) : كدت تهلك ثم ( أفلت ) " . وتقديره ، أولى لك فأولى لك الهلكة ، ( ثم أولى لك فأولى لك الهلكة ) ، فهو وعيد بعد وعيد " . وقال بعض أهل المعاني : { أَوْلَىٰ لَكَ } هو " أفعل " الذي للتفضيل بمنزلة " أخزى لك " و " أقبح لوجهك " ، وهو مشتق من الويل . وفيه قلب ، قدمت [ اللام ] وهي لام الفعل قبل الياء ، وهي عين الفعل ، قال : وإنما فعلوا ذلك لئلا يلزمهم من الإدغام ما [ تتغير ] به الكلمة . فلو أتوا به على الأصل للزمهم أن يقولوا : " أيل " ، لأن الواو تدغم فيها [ الياء ] إذا تقدمت ساكنة ، بمنزلة : [ ميت ] وهين . - ثم قال تعالى : { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى } . أي : مهملاً لا يؤمر ولا ينهى ، يعني بذلك الكافر . قال ابن عباس : { سُدًى } مهملاً . قال ابن زيد : " لا يفترض عليه عمل ولا يعمل " . يقال : " أسديت الشيء " بمعنى : أعملته . - ثم قال تعالى : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } . أي : ( ألم ) يك - هذا المنكر قُدرةَ الله على إحيائه بعد موته - ماءً قليلاً في صلب الرجال ( مِن مَنِيٍّ ) ؟ ! - { ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً } . ثم دماً . - { فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } . أي : فخلقه الله إنساناً من بعدما كان نطفة وعلقة ثم [ سواه ] بشراً ناطقاً سميعاً بصيراً . - { فَجَعَلَ مِنْهُ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } . أي : فجعل من هذا الإنسان بعد ما سوّاه بشراً أولاداً ، ذكوراً وإناثاً . - { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ } . أي : [ أليس ] الذي قدر على ذلك واخترعه من غير مثال [ قادراً ] على أن يحيي الموتى بعد مماتهم ؟ ! وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا قرأ آخر ( هذه ) السورة يقول : بلى . قال قتادة : " كان يقول : سبحانك ، وبلى " . وأجاز الفراء الإدغام في { يُحْيِـيَ } ، وهو غلط عند الخليل وسيبويه ، لئلا يلتقي ساكنان .