Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 24-25)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ للَّهِ وَلِلرَّسُولِ } ، إلى قوله : { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } . قال أبو عبيدة معنى { ٱسْتَجِيبُواْ } : أجيبوا ، كما قال : فلم يستجب عند ذاك مُجيب ، أي : يجبه . ومعنى : { لِمَا يُحْيِيكُمْ } . أي : للإيمان . وقيل : للإسلام . وقيل : للحق . وقيل : للقرآن وما فيه . وقيل : إلى الحرب وجهاد العدو . وسماه " حياةً " ؛ لأنَّ الكافر مثل الميِّت . وقيل معنى : { لِمَا يُحْيِيكُمْ } ، أي : لما تصيرون به إذا قبلتموه إلى الحياة الدائمة في الآخرة . " ورُوِيَ أن النبي صلى الله عليه وسلم ، دعا أُبيّا وهو يصلي فلم يجبه أبيّ ، فخفف الصلاة ، ثم انصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما منعك إذ دعوتك أن تجيبني ؟ قال : يا رسول الله ، كنت أصلي ، قال له : أفلم تجد فيما أوحي إليَّ : { ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } ؟ قال : بلى ، يا رسول الله ، ولا أعُودُ " . فهذا يبين أن المعنى يراد به الذين يدعوهم رسول الله صلى الله عليه وسلم . إلى ما فيه حياة لهم من الخير بعد الإسلام المدعو إيمانه . وقوله : { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } . قال ابن جبير : يحول بين الكافر أن يؤمن ، وبين المؤمن أن يكفر . وكذلك قال ابن عباس . وقال الضحاك : يحول بين الكافر وطاعته ، وبين المؤمن ومعصيته . وقال مجاهد معناه : يحول بين المرء وعقله ( حتى لا يدري ما يصنع . وقال السدي في معناه : يحول بين الإنسان وقلبه ) . فلا يستطيع أن يؤمن ولا أن يكفر إلا بإذنه . وقيل المعنى : يحول بين المرء وبين ما يتمناه بقلبه من طول العيش وامتداد الآمال والتسويف بالتوبة ، فيعاجله الموت قبل بلوغ شيء من ذلك . وقال قتادة معناه : إنَّه قريب من قلب الإنسان ، لا يخفى عليه شيء أظْهَرَهُ ، ولا شيء أسَرَّهُ ، وهو مثل قوله : { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ ق : 16 ] . وقال الطبري : هو خبر من الله عز وجل ، أنه أملك بقلوب العباد منهم ، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء ، حتى لا يدرك الإنسان شيئاً من الإيمان ولا الكفر ، ولا يَعِي شيئاً . ولا يفهم شيئاً ، إلا بإذنه ومشيئته . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، كثيراً ما يقول في دعائه : " يا مُقَلِّب القُلُوبِ قَلِّبْ قلبي إلى طَاعَتِك " . وفي رواية أخرى : " ثبِّتْ قلبي على طاعتك " . وكان يحلف : " لاَ ومُقلِّب القُلُوب " . ومن هذا يقال : لا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بالله ، فمعناه : لا حولَ عن معصية ، ولا قوة عن طاعةٍ إلا بالله . ( وقال النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ نظر إلى زوجة زيد ) فاستحسنها ، وقد كان عرضت عليه نفسها فلم يستحسنها : " سُبْحَانَ مُقلِّبَ القُلُوبِ " . { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } . أي : تردون . وقوله : { وَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً } . المبرد يذهب إلى أنَّ { تُصِيبَنَّ } ، نَهْيٌ ، فلذلك دخلت " النون " . والمعنى في النَّهي : للظالمين ، أي : لا تقربوا / الظلم ، وهو مثل ما حكى سيبويه من قوله : ( لا أرينَّك هاهنا ) ، أي : لا تكن هاهنا ؛ فإنَّ من يكون هاهنا أراه . وقال الزجاج : هُوَ خَبَرٌ . ودخلته " النون " ؛ لأن فيه قوة الجزاء ، قال : وزعم بعضهم أنه جزاء فيه ضرب من النهي . ومثله مِمَّا اخْتلفَ فيه : { ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ } [ النمل : 18 ] . ومعنى ذلك : أنها أمر من الله للمؤمنين أن يتقوا اختباراً وبلاء يبتليهم به ، لا يُصيبنَّ ذلك { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } ، بل يصيب الظالمين وغيرهم . فالظالمون هم الفاعلون الكفر . وقيل : نَزَلَتْ في قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم أصحاب الجمل . قال ابن عباس : أمر الله المؤمنين ألاّ يُقِرُّوا المنكر بين أظهُرِهِمْ ، فيعمهم الله بالعذاب . وقال الزبير ، يوم الجمل لما لقي ما لقي ، : ما توهمت أن هذه الآية نزلت في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، إلا اليوم . وقال القُتَيْبي معناه : لا تخص الظالم ، ولكنها تعم الظالم وغيره . وقوله تعالى : { هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّٰلِمُونَ } [ الأنعام : 47 ] . يَدُلُّ على أنَّ العقوبة تخص الظالم . وقد يدخل المداهن الساكت على رؤية المنكر في الظُّلم ، فيكون ممن يلحقه العقاب مع الظالم . وقد قال الحسن : إنَّ الآية نزلت في علي ، وعثمان . وطلحة ، والزبير [ رضي الله عنهم ] . وأكثر النَّاس على أن حكمها باقٍ في الظالم ، والمداهن الساكت على إنكار المنكر ، وهو يقدر على إنكاره ، فإن كان لا يقدر على الإنكار ، وخاف على نفسه ، أنكر على قدر استطاعته أو بقلبه . قوله : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } . أي : لمن عصاه وخالف أمره .