Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 59-60)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ } ، إلى قوله : { وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } . خطَّأ أبو حاتم من قرأ بـ : " الياء " ، ووجهها عند غيره ظاهر حسن . والمعنى في " الياء " : ولا يَحْسَبَنَّ من خلفهم الذين كفروا سبقوا ، فيكون ضمير الفاعل في { يَحْسَبَنَّ } ، يعود على { مَّنْ خَلْفَهُمْ } [ الأنفال : 57 ] ، و { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } : مفعول أول ، و { سَبَقُوۤاْ } في موضع الثاني . وقال الفراء التقدير : أن سَبَقوا . وقال : وفي حرف عبد الله : / { وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } . ورُوي عنه : " ولا يَحْسَبَ " ، بفتح الباء ، على إرادة النون [ الخفيفة ] . ومن فتح : { إِنَّهُمْ } ، وقرأ بـ " الياء " أو بـ : " التاء " فمعناه : لأنهم ، ولا يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً بـ : " حسب " ، كما لا يجوز : حَسَبْتَ زيداً أنه قائم ؛ لأن زيداً غير قيامه ، ولو قلت : حسبت أمرك أنك قائم ، جاز فتح " أن " لأن أمرك هو قيامك . ومعنى ذلك : لا يحسب من ظفر بالخلاص مَنْ هذه الوقعة سبق . ثم قال : { إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } ، لا يفوتون . ومن قرأ بـ : " الياء " فمعناه : لا يحسب مَنْ خلفهم الذين كفروا سبقوا ، أي : بالخلاص ، ثم قال : { إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } ، أي : لا يفوتون . ثم حضّ المؤمنين على أن يُعِدُّوا لهؤلاء الذين خِيَف منهم نقض العهد ما استطاعوا { مِّن قُوَّةٍ } . أي : من الآلات التي تكون قوة في الحرب مثل : السلاح ، والنبل ، والخيل . و " القوَّة : الرَّمْيُ " ، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال عكرمة : { مِّن قُوَّةٍ } : الحصون . وقال مجاهد : { مِّن قُوَّةٍ } : ذكور الخيل ، { وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } : إناثها . قوله : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ } . أي : تخيفونهم به . ورُوَي : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " ألاَ إنَّ القُوةَ الرَّمْيُ " ، وأعادها ثلاثاً . قال عكرمة : [ القُوّة ] : ذكور الخيل ، ورباطها : إناثها . قال عقبة بن عامر الجُهَني : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يُدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة : صانِعُه يحتسب في صنعته الخير ، والرامي به ، ومُنْبِلَه ، فارموا واركبوا ، وأن تَرْمُوا أحب إلي من أن تركبوا ، وليس اللهو إلا ثلاثة : تأديب الرجل فرسَه ، وملاعبتَه امرأته ، ورميه بقوسه ونَبْله . ومن ترك الرّمي من بعد ما علمه فإنه نعمة كفرها أو كفر بها " . قال أبو نجيح السُّلَمي : حاصَرْنا قصر الطائف فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " مَنْ رمى بسهم في سبيل الله ، فهو له عدل رقبة ، ومن شاب شيبة في الإسلام فهو له عدل مُحَرَّرٍ من النار " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الخَيْل مَعْقُودٌ في نَوَاصِيهَا الخَيْر إلى يوم القيامة : الأجر والمَغْنَمُ " ، رواه عروة البَارِقِيُّ عنه ، وكذلك رواه أبو هريرة وابن عمر . وروى أنس بن مالك عنه أنه قال : " البَرَكَةُ في نواصي الخَيْل " . وروى عنه أبو هريرة أنه قال : " من احتبس فرساً في سبيل الله ، إيماناً بالله ، وتصديقاً بوعد الله ، كان شِبَعُهُ وَرِيُّهُ وَبَوْلُهُ ورَوْثُه حسناتٍ في ميزانه يوم القيامة " . قوله : { وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ } . يعني بهم : بني قريظة . قال السدي : هم أهل فارس . وهذان القولان يردهما علم المؤمنين ببني قريظة وبفارس ، وقد قال تعالى : { لاَ تَعْلَمُونَهُمُ } . وقال ابن زيد : هم المنافقون لا تعلمونهم ؛ لأنهم [ معكم ] ، يقولون : لا إله إلا الله ، لا يعلمهم إلا الله . وهذا قول حسن موافق لقوله : { لاَ تَعْلَمُونَهُمُ } ، فالله هو المطلع على سرائرهم . وقيل : هم الجن . وهو اختيار الطبري . وهو أحسن الأقوال ، لما رُوي أن الجن تفرُّ من صهيل الخيل . ورُوِيَ : أن الجن لا تقرب داراً فيها فرس ، وأيضاً : فإنا لا نعلمهم ، كما قال عز وجل . روى ابن مِقْسَمِ : أن رجلاً أتى ابن عباس ، فشكا إليه ابنته تُعترى ، فقال له : ارتبط فرساً ، إن كنت ممن يركب الخيل وإلا فاتخذه ، فإن الله جل اسمه ، يقول : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ } ، فإن الجن من الذين لا تعلمونهم ، ففعل الرجل ما أمره ، فانصرف عن ابنته العارض . وقوله : { وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ } . أي : لا يضيع ( لكم ) عند الله / أجره في الآخرة ، ولا خَلَفه في الدنيا . قوله : { وَآخَرِينَ } . منصوب على معنى { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ } : وتَوَقَّوا آخرين ، فلا تقف على ما قبله على هذا . ويجوز أن يكون نصبه بإضمار فعل غير هذا ، فتبتدئ به إن شئت . وإن جعلته معطوفاً على : { عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } ، أي : وترهبون آخرين ، لم تقف أيضاً قبله . { لاَ تَعْلَمُونَهُمُ } وقف .