Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 81, Ayat: 1-29)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

- قوله تعالى : { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } إلى آخرها . معنى كورت : ذهب ضوءها . وقال ابن عباس : تكويرها : إدخالها في العرش . قال أبو العالية : حدثني أبي بن كعب قال : ست آيات قبل يوم القيامة بينا الناس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس ، وبينا هم كذلك إذ تناثرت النجوم ، وبينا هم كذلك إذ وقعت الجبال على وجه الأرض ، فتحركت واضطربت وفزعت الجن إلى الإنس والإنس إلى الجن واختلطت الدواب والطير والوحوش وماج بعضهم في بعض . وقيل : { كُوِّرَتْ } : جمع بعضها إلى بعض ، ورمي بها كما تجمع العمامة إذا كورت على الرأس ولفت . - وقوله : { وَإِذَا ٱلنُّجُومُ [ ٱنكَدَرَتْ ] } . أي : تناثرت وتساقطت من السماء من أيدي الملائكة ، لأنهم يموتون . يروى أنها معلقة بين السماء والأرض ، مثل القناديل ، بسلاسل من نور ، وتلك [ السلاسل ] بأيدي ملائكة من نور ، فإذا كانت النفخة الأولى مات من في السماوات ( ومن في ) الأرض إلا من شاء الله ، فَتَنَاثَر الكواكب عند صوت الملائكة كيف شاء الله . وأصل الانكدار : الانصباب . قال قتادة ومجاهد والربيع : { ٱنكَدَرَتْ } : تناثرت وتساقطت . وقال ابن زيد : { ٱنكَدَرَتْ } : رمي بها من السماء إلى الأرض . وقال ابن عباس : " { ٱنكَدَرَتْ } : تغيرت " ، من قولهم : " ماءٌ كَدِرٌ " ، أي : متغير اللون . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } . أي : سيَّرها الله ، فكانت سراباً وهباءً منبثاً . قال مجاهد : { سُيِّرَتْ } أي : ذهبت . وقيل : { سُيِّرَتْ } : قلعت من أصلها فصارت بين المشرق والمغرب فصارت كالهباء المنبث . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } . أي : وإذا الحوامل من الإبل التي قد بلغت في الحمل عشرة أشهر ، وذلك أعز ما تكون عند أهلها لقرب نفعها من الولد واللبن ، قد عطلها أهلها وأهملوها فلا يسألون عنها لهول ما فَجِئَهُم . والعشار : جمع عُشَرَاء ، يقال : " ناقةٌ عُشَرَاءُ " : إذا أتى على حملها عَشَرَةُ أشهر . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } . قال ابن عباس : حَشْرُ البهائِمِ موتُها . وقال ( أبي ) بنُ كعب : { حُشِرَتْ } : " اختلطت " . وقال قتادة : { حُشِرَتْ } : جمعت فأميتت بعد أن يقتص لبعضها من بعض . وهو اختيار الطبري لقوله : { [ وَأَرْسِلْ ] فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } [ الأعراف : 111 ] أي : جامعين له الناس ، ولقوله : { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً } [ ص : 19 ] ، أي : مجموعة . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } . قال أبي بن كعب : { سُجِّرَتْ } : اشتعلت ناراً . وقد سأل علي بن أبي طالب رضي الله عنه رجلاً من اليهود فقال له : أين جهنم ؟ فقال : البحر ، ( فقال ) : ما أراه إلا [ صادقاً ] ، وقرأ : { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ } [ الطور : 6 ] ، { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجِّرَتْ } . وقال ابن زيد : { سُجِّرَتْ } : أُوقِدَتْ فصارت نيرانا ، وقاله سفيان . وقال الربيع بن [ خثيم ] : { سُجِّرَتْ } : " فاضَتْ " . وقال الضحاك : " فجرت " . ودليله قوله في الانفطار : { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجِّرَتْ } [ الانفطار : 3 ] ، فكيف يخبر عنها في هذه السورة بأنها تسعر ناراً ، [ و ] يخبر عنها في [ السورة ] الأخرى بأنها تفجر ؟ ! بل الخبر في السورتين عن تفجيرها أولى . وقال قتادة : { سُجِّرَتْ } : ذهب ماؤها وغار . وقال الحسن : " يبست " ، وهذا موافق لقول الضحاك وموافق لمعنى ما في السورة الأخرى من ذكر التفجير ، لأنها إذا فجرت ذهب ماؤها ، وإذا ذهب ماؤها يبست ، فالمعنى متَّفِق في ذلك . وقال ابن عباس : جهنم في البحر الأخضر [ تكوَّر ] الشمس والقمر فيه ، [ وتتناثر ] الكواكب ثم تسجر فتكون جهنم . وقال معاوية بن سعيد : بحر الروم [ وسط ] الأرض ، أسفله آبارٌ مطبقة بنحاس تسجر يوم القيامة . وقال ( أبو ) عمران الجوني : بلغنا أن دون العرش بحاراً من نحاس تسجر يوم القيامة . والمسجور [ و ] السَّاحر في اللغة : المَلآنُ ، فمعناه - على قول من جعله جهنم - أنها تملأ ناراً . وقيل : هي بحار في جهنم ، إذا كان يوم القيامة سجرت بأنواع العذاب ، أي : ملئت [ بذلك ] . [ روي أن الأوزاعي وقف على بحر الشام ، فقال : هذا بحر ، وتحته نار ، وتحت النار بحر ، وتحت البحر نار ، حتى أتى على سبعة أبحر وسبعة أنوار . ثم قال : ينصب عليه الماء يوم القيامة ، تشتعل نيرانه فتصير جهنم ] . وقوله : { وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتْ } . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هو الرجلان ( يعملان ) بعمل أهل الجنة أو بعمل أهل النار . فَيُقْرَنُ كل شكل بشكله . ودليله قوله : { ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ } [ الصافات : 22 ] ، أي : وأشكالهم في الشر . وقال عكرمة : يقرن الرجل الصالح بقرينه الصالح - في الدنيا - في الجنة [ ويقرن ] الرجل الطالح بقرينه [ الطالح ] الذي كان يعينه في الدنيا على ذلك في النار ، وكذلك تزوج الأنفس . وقيل : معناه أن نفوس المؤمنين تقرن / بحور العين . وتقرن نفوس [ الكفار ] والمنافقين بأنفس الشياطين . وقال الحسن : { زُوِّجَتْ } " ألحق كل امرئ بشيعته " . ( وقاله قتادة ) ، ( قال ) : يلحق اليهود باليهود ، والنصارى بالنصارى . وقال عكرمة : معناه : وإذا النفوس ردت إلى الأجساد ، فتقرن كل نفس بجسدها . وهو قول الشعبي . - [ ثم قال تعالى ] : { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } . { بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } . أي : طلب منها من قتلها ؟ توبيخاً له ، أي : وقيل لها : من قتلك ؟ ولأي شيء قتلت بغير ذنب ؟ توبيخا لقاتلها . وأصل الوأد في اللغة : الثِّقْلُ . يقال : وَأَدَهُ [ يَئِدُهُ ] وَأْداً : إذا أثقله ، فكأنه يُثْقِلُ المولودة بالتراب . ومنه : { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } [ البقرة : 255 ] وكان أهل الجاهلية يقتلون بناتهم ، فوبخهم الله بذلك . [ وقرأ ] ابن عباس وجابر ابن زيد : { وَإِذَا ٱلْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } ، أي : سألت قاتلها : بأي ذنب قتلها . وقيل : معناه : سألت ربها عن ذلك على طريق التوبيخ والتقرير للقاتل . روي أن الجاهلية لما زعمت أن الملائكةَ بناتُ الله ، ألقى الله بغض البنات في قلوبهم ، فكان بعضهم يكسو بنته جبة صوف [ أو شعر ] ويجعلها ترعى الغنم بغضاً فيها . وكان بعضهم يدفنها حية ، وبعضهم يقتلها ، وبعضهم يلقيها في بئر ويلقي التراب عليها . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا ٱلصُّحُفُ نُشِرَتْ } . أي : وإذا صحف أعمال العباد نشرت لهم بعد أن كانت مطوية على ما فيها مكتوب من الحسنات والسيئات . قال قتادة : " صحيفتك يا ابن آدم تملى [ ما ] فيها ، ثم تطوى ، ثم تنشر عليك يوم القيامة " . وقيل : ( المعنى ) : نُشِرَ مَا فيها من أعمال بني آدم . روي أن في السماء مَلَكاً ( اسمه ) : " السِّجِلُّ " ، تَرفع إليه الملائكةُ الحفظةُ [ كل يوم ] أعمال بني آدم ، ما كتبوا بالليل والنهار ، فينظر في تلك الكتب فيرى ما لهم وما عليهم ، فيطرح منها قول الرجل : اخْرُجْ ، كُلْ [ اشْرَبْ ] ، ونحوه مما ليس فيه ثواب ولا عقاب ، ثم تطوى تلك الكتب ويطبع عليها كل يوم وليلة ، فلا تفتح إلى يوم القيامة ، فتنشر للحساب ، وهو معنى قوله تعالى : { يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ } [ الأنبياء : 104 ] . أي : [ نطوي ] السماء ( كما يطوي ) ذلك الملك الكتب التي فيها أعمال بني آدم . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا ٱلسَّمَآءُ كُشِطَتْ } . قال الفراء : " نُزعت وطويت " . وفي قراءة عبد الله : " قُشِطَتْ " ، بالقاف . وهما لغتان . والأصل الكاف . قال مجاهد { كُشِطَتْ } : " جذبت " . وقيل : معناه : { كُشِطَتْ } عمن فيها ( كما ) يكشط الجلد عن الكبش . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْجَحِيمُ سُعِّرَتْ } . أي : أُوقِد عليها فَأُحْمِيَتْ لأهلها . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ } . أي : قربت [ وأدنيت ] من أهلها . - ثم قال تعالى : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ } . هذا جواب { إِذَا ٱلشَّمْسُ كُوِّرَتْ } وما بعده . وإلى هذا أَتَى بالقصة من أولها ، أي : إذا وقع كل ما ذكر من الحوادث ، علمت ( كل ) نفس ما أحضرت من خير أو شر ، وما أخرت . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " إلى هذا جرى الحديث " . والمعنى : ما وَجَدَته حَاضِراً ، كما يقال : " أَحْمَدْتَ الرَّجل " : إذا وجدته محموداً . - ثم قال تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ * ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ } . ( لا ) زائدة مؤكدة ، والمعنى : أقسم بالخنس ، وهي النجوم الدراري الخمسة ، تَخْنَسْ في مجراها فترجع وتكنس [ فتصير ] في بيوتها كما تكنس [ الظباء ] في الغار وهي بهرام - [ وهو ] المريخ - وزحل وعطارد والزهرة والمشتري . قال علي : الخنس : " النجوم تخنس بالنهار وتكنس بالليل " . وقال [ بكر ] بن عبد الله : " هي النجوم الدراري التي تجري تستقبل المشرق " . وهو قول الحسن ومجاهد . وقال قتادة كقول الحسن ، [ قال ] : هي النجوم تبدو بالليل وتكنس بالنهار . وقال عبد الله بن مسعود : هي بقر الوحش . وكذلك قال النخعي وجابر بن زيد . وقال ابن عباس : هي الظباء ، وهو قول ابن جبير والضحاك . وإنما يقال لبقر الوحش والظباء " خُنْسٌ " ، لأن الواحد أخنسُ والأنثى خَنْسَاءُ ، أي : قصيرات الأنوف . وقيل للنجوم " خُنَّسٌ " ، لأنها تخنس ، أي : ترجع في مجراها ، من قولهم : خَنَست عن الرجل : إذا تَأَخَّرْت عنه . ويقال : خَنَسْتَ عن الرجل : إذا استَتَرْتَ عنه ، فلذلك قال الحسن : هي النجوم تخنس بالنهار أي : تستتر فيه ، والكنس : المستقرة ، والكِنَاسُ : أن تتخذ البقرة الوحشية من / الشجرة القديمة بيتاً تأوي إليه . وقيل : الكنس سبعة : الشمس والقمر [ والمشتري ] وعطارد والمريخ وزحل والزهرة . أقسم الله - جل ذكره - بها ، والتقدير : فأُقْسِمُ [ برب ] الخنس ، والله - جل ذكره - يقسم بما شاء من خلقه . - ثم قال تعالى : { وَٱللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } . ( قال ابن عباس رضي الله عنه : { عَسْعَسَ } ) : " أدبر " . وهو قول علي ومجاهد وقتادة . وقال زيد بن أسلم { عَسْعَسَ } : ذهب . وقال الحسن : { عَسْعَسَ } : إذا غشي الناس بظلامه . وهو قول الفراء . والعرب تقول : عسعس الليل وسعسع : إذا أدبر فلم يبق منه إلا اليسير . وقيل : هو من الأضداد . وقال المبرد : ليس هو من الأضداد ، لكن يقال : عسعس إذا لم يستحكم ظلمته ، فهذا يصلح لأوله ولآخره . - ثم قال تعالى : { وَٱلصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } . أي : أقبل وتبين . والتقدير : وَضَوْءُ الصبح إذا أقبل . - ثم قال تعالى : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } . هذا جواب القسم المتقدم . [ وأجاز ] الكسائي " أنَّهُ " بالفتح على معنى : أقسم أَنَّهُ . والمعنى : إِنَّ هذا القرآن لقول رسولٍ كريمٍ عن الله بَلَّغَهُ ، يعني جبريل عليه السلام كريم عند مرسله . وقيل : الرسول [ الكريم : محمد ] ، ونسب إليه القرآن فجعل من قوله لأنه يعمل بما فيه ، ويقول به وهو مذهبه ، كما تقول : فلان يقول بقول مالك وبقول الشافعي ، أي بمذهبه . فأضاف القول إليه لانتحاله إياه . كذلك من جعله جبريل ، أضاف القول إليه ؛ لأنه ينزل به من عند الله ، فهذه إضافة لفظ دون معنى . - وقوله : { ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } . يعني جبريل ، أي : صاحب قوة على ما كُلِّف من تبليغ الوحي ، مكين عند رب العرش ، أي : متمكن الحال والدرجة عند ربه . - ثم قال تعالى : { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } . أي : مطاع في السماء ، تطيعه الملائكة ، [ أمين ] عند الله على وحيه إلى أنبيائه . قال أبو صالح : { مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } قال : " جبريل أمين على أن يدخل سبعين سُرْادِقاً من نور بغير ( إذن ) " . قال ابن عباس والضحاك : هو جبريل . - ثم قال : { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } . يعني [ محمد ] صلى الله عليه وسلم ، أي : ليس ( هو ) بمجنون كما قال المبطلون . - ثم قال : { وَلَقَدْ رَآهُ بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } . [ أي ] : ولقد رأى [ محمد ] جبريل عليه السلام في صورته في الناحية [ التي ] تتبين فيها الأشياء ، فيرى من قبلها وذلك ناحية مطلع الشمس من قبل المشرق . وقال قتادة : { بِٱلأُفُقِ ٱلْمُبِينِ } ، كنا نُحَدِّثُ أن الأفق من حيث تطلع الشمس ويجيء النهار . قال ابن عباس : رأى محمد جبريل على صورته عند الله . قال ابن مسعود : رأى جبريل له خمسمائة جناح وقد سد الأفق . - ثم قال تعالى : { وَمَا هُوَ عَلَى ٱلْغَيْبِ بِضَنِينٍ } . من قرأه بالضاد غير مرفوعة فمعناه : وما محمد على القرآن ببخيل ، بل [ يبذله ] ويدعو له ويعظ ( به ) . ويذكر به ويعلمه . ومن قرأه بالظاء مرفوعة فمعناه : بمتهم . أي : ليس هو بمتهم على القرآن ، بل هو أمين عليه وعلى تبليغه كما أوحي إليه . - ثم قال : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ } . أي : وما القرآن الذي جاءكم به محمد { بِقَوْلِ شَيْطَانٍ [ رَّجِيمٍ } ، أي ] : مرجوم ، أي : ملعون ، مطرود . ولكنه كلام الله ووحيه . - ثم قال تعالى : { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } . أي : فأين تعدلون عن ( هذا ) القرآن وعن قبوله وتصديق من جاءكم به ؟ ! قال قتادة : معناه : فأين " تعدلون عن كتابي وطاعتي " ؟ ! . وقال : { فَأيْنَ تَذْهَبُونَ } ، ولم يقل ( فإلى أين ) تذهبون . كما تقول : ذهبت الشام ، وذهبت إلى الشام . وذهبت المشرق وذهبت إلى المشرق . وحكي عن العرب سماعاً : انطلق به [ الغَوْرَ أي إلى الغَوْرِ ] . ولا يجيزه سيبويه إلا في : " ذَهَبْتُ الشَّامَ " ، سماعاً . لا يجوز عنده : " ذَهَبْتُ مِصْرَ " . - ثم قال تعالى : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } . أي : ما هذا القرآن إلا ذكر وعظة للعالمين من الجن والإنس . ثم بين لمن هو ذكر وعظة ، فأبدل من " العالمين " بدل البعض من الكل بإعادة الجار [ فقال ] : - { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } . أي : لمن شاء أن يتبع الحق . ( والمعنى : إنْ هذا القرآن إِلاَّ ذكر لمن شاء منكم أن يتبع الحق ) [ ويستقيم ] عليه . - ثم قال تعالى : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } . أي : وما تشاءون - أيها الناس - / ، الاستقامة على الحق إلا أن يشاء الله ذلك لكم . وقيل : ( معناه ) وما تشاءون شيئاً من الطاعة والمعصية ، إلا أن يشاء الله رب العالمين ذلك منكم ، ولو شاء لحال بينكم وبين ما تشاءون . وهذا قول أهل السنة : كل طاعة ومعصية بمشيئة الله كانتا . وروي أنه لمَّا [ نزل ] قوله : { لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ } ، قال أبو جهل : ذلك إلينا ، إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم ، فأنزل الله : { وَمَا تَشَآءُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } . وفي الكلام معنى التهدد والوعيد .