Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 82, Ayat: 1-19)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

- قوله تعالى : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } إلى آخرها . [ إذا السماء انفطرت ، بمنزلة قوله : { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنشَقَّتْ } [ الإنشقاق : 1 ] ] . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْكَوَاكِبُ ٱنتَثَرَتْ } . أي : تساقطت . وقد تقدم ذكر هذا . - ثم قال { وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجِّرَتْ } . أي : فجر الله بعضها في بعض . قال قتادة : " فَجّرَ عَذْبَهَا في مالحها ، ومالحها في عذبها " . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا ٱلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ } . أي : [ أثيرت ] فاستخرج من فيها من الموتى أحياء . يقال : بعثر فلان حوض فلان [ وبحْثره ] : إذا جعل أسفله أعلاه . قال ابن عباس : { بُعْثِرَتْ } : " بُحِثَتْ " . وقال الفراء : بُعْثِرَتْ فألْقَتْ ما فيها من الكنوز والموتى . ولا معنى للكنوز في هذا ؛ لأنه يوم القيامة ، ولا كنز في القبور . - ثم قال تعالى : { عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ } . هذا جواب { إِذَا ٱلسَّمَآءُ ٱنفَطَرَتْ } وما بعده ، أي : علمت كل نفس ما قدمت لذلك اليوم وما أخرت من عمل صال أو سيء . وقيل : معنى ( أخرت ) ، أي : ما سنت من عمل فيعمل به بعده . ( قاله القرظي ) . وقيل : معناه : ما قدمت من العمل المفروض فعملت به ، وما تركت منه . وهو قول [ ابن ] عباس وعكرمة وقتادة وابن زيد . أي : [ ما ] عملت مما فرض عليها ، وما تركت فلم تعمل ( به ) . - ثم قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } . أي : يا أيها الإنسان الكافر بربه ، أي شيء غرك بربك الكريم حتى كفرت به وجحدت نعمه ؟ ! قال الطبري : غَرَّ الناس عدوُّهم المسلط عليهم . وقاله قتادة . - وقوله : { ٱلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ } . أي : اخترع خلقك [ بعد ] إن لم تكن شيئاً فسوى خلقك . { فَعَدَلَكَ } أي : فقومك ، فجعل خلقك معتدلاً ، ( لا ) تزيد رجل ( على رجل ) ، ولا يد على يد . ودل على هذا قوله : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] . ومن خفف { فَعَدَلَكَ } فمعناه : صرفك إلى أي صورة شاء ، إما حسنٌ وإما قبيحٌ ، وإما طويل وإما قصير . وقوله : { فِيۤ أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } . يدل على هذا المعنى . فقراءة ( التشديد أولى [ ليفيد ] الكلام فائدتين مجددتين ، لأن معنى التخفيف هو ما أفاد ) . قوله : { فِيۤ أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } . و { فِيۤ } متعلقة بِ { رَكَّبَكَ } ، ولا يحسن أن تتعلق بِـ ( عدلك ) لأنك إنما تقول : عدلت إلى كذا ، ولا تقول عدلته في كذا . وقد غلط الفراء فمنع قراءة التخفيف واستبعدها لإتيان { فِيۤ } بعد ( عدلك ) ، فظن أن { فِيۤ } متعلقة بـِ ( عدلك ) ، وليست كما ظن . وقد قيل : إن القراءة بالتشديد هي من هذا المعنى على التكثير ، أي : صرفك مرة بعد مرة إلى أي صورة شاء . وقيل : معنى التخفيف : ( أمالك إلى ) ما شاء من حسن وقبح وصحة وسقم . وقال مجاهد : { ( فِيۤ أَيِّ صُورَةٍ ) مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } معناه : في أي شبه أب أو أم أو خال أو عم شاء خلقك . وقال أبو صالح : معناه : إن شاء في صورة كلب أو خنزير أو حمار . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم ، أما قرأت في { فِيۤ أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } ؟ ! " . والتقدير في الكلام : في أي صورة ما شاء أن يركبك { رَكَّبَكَ } . وفي حديث آخر أنه قال : " إِنَّ اللهَ - جَلَّ وَعَزَّ - إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ النَّسْمَةَ فَجَامَعَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ ، طَارَ مَاؤُهُ فِي كُلِّ عَرْقٍ مِنْهَا ، ثُمَّ أَحْضَرَ لَهُ آباءَه مِنْ لُدُنِ آدَمَ ، ثُمَّ صَوَّرَهُ فِي صُورَةِ وَاحِدٍ [ مِنْهُمْ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ ] : { فِيۤ أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ } " . - ثم قال : { كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ } . أي : ليس الأمر - أيها الكافرون - على ما تقولون من أنكم على الحق في عبادتكم غيرَ الله ، لكنكم تكذبون بالجزاء والبعث والجنة والنار . ودل على ذلك قوله : { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ ٱلْكَرِيمِ } ( أي : ما غرك في عبادتك غير ربك الكريم ) الذي خلقك فسواك فعدلك . وقيل : { كَلاَّ } / بمعنى " حَقَّاً هَذَا " ، أو بمعنى " أَلاَ " . ولذلك ، لم ير أبو حاتم الوقف ( عليها ) ، وأجازه نصير . وقيل : المعنى ليس كما غررت به ، بل تكذب بالدين . وقال مجاهد : { بِٱلدِّينِ } : " بالحساب " . وقال قتادة " { بِٱلدِّينِ } : " يوم شدة ، يوم يدين الله ( العباد ) بأعمالهم " . - ثم قال تعالى : { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } . أي : وإن عليكم أيها الناس رقباء حافظين لأعمالكم حتى تدانوا بها يوم القيامة . ثم وصف الحافظين فقال : - { كِرَاماً كَاتِبِينَ } . أي : كراماً على الله يكتبون أعمالكم . قال مجاهد : يُوكِل بكل إنسان ملكين ، ملكاً عن يمينه يكتب الخير ، وملكاً عن شماله يكتب الشر . - وقوله : { يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } . أي : يعلم هؤلاء الحفظة ما تفعلون من خير وشر [ فيحصونه ] عليكم . قال أبو عبد الرحمن السلمي : إن الملك يأتي أحدكم كل غدوة بصحيفة بيضاء ، فإذا صلى الغدوة [ فليمل ] فيها خيراً ، فإذا طلعت الشمس فليقم لحاجته ، فإذا صلى العصر فليمل فيها خيراً . فإنه إذا أملى في أول [ صحيفته ] وآخرها خيراً ( كان ) عسى أن يكفر ما بينهما . - ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } . أي : إن الذين بروا بأداء فرائض الله واجتناب محارمه لفي نعيم الجنان يوم القيامة . وقيل : إنما سموا أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء . - ثم ( قال ) تعالى : { وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ( ٱلدِّينِ ) } . أتى بلفظ التأنيث في { يَصْلَوْنَهَا } حملاً على تأنيث النار ، أي : يَصْلَى الفجار الجحيم يوماً يدان فيه العباد ( بأعمالهم . وقال ابن عباس : " { يَوْمَ ٱلدِّينِ } ) من أسماء يوم القيامة ، [ عظمه ] الله وحذره عباده " . - ثم قال تعالى : { وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ } . أي : وما هؤلاء الفجار عن الجحيم بخارجين أبداً [ فغائبين ] عنها ، [ لكنهم ] مخلدون فيها أبداً . - ثم قال تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ * ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ ( مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ ) } . أي : وما أشعرك ، يا محمد ، أي شيء يوم الدين ! ، ثم كرره معظماً له محذراً ( منه ) عباده . وقيل : إن هذا ليس بتكرير . ومعناه : وما أدراك ، يا محمد ، ما في يوم الدين من العذاب للفجار ! ، وما أدراك ما في يوم الدين من النعيم للأبرار ! . ثم فسر بعض شأن ذلك اليوم فقال : - { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً … } . أي : ذلك اليوم يوم لا تملك فيه نفس لنفس نفعاً ولا ضراً . ومن رفع { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } جعله بدلاً مما قبله ، أو على إضمار مبتدأ ، أي : [ هو يوم لا تملك ] . واختار الفراء والكسائي [ الرفع فيه ] لأنه مضاف إلى مستقبل ، ولو كان مضافاً إلى ماض لآثروا الفتح ، فهو عندهم في الاختيار مُعَرَّبٌ إذا أضيف إلى معرب ، ومبني إذا أضيف إلى مبني . ويجوز في المستقبل من البناء على الفتح مثل ما جاز في الماضي . ومن فتح { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } فعلى الظرف ، أي : [ الدين ] في يوم تملك . ولا يجوز عند الخليل وسيبويه : أن يكون مبنياً وهو [ مضاف ] إلى معربٍ ، إنما يجوز ذلك إذا أضيف إلى ماضٍ . وأجاز الفراء أن يكون مبنياً وإن كان مضافاً إلى معرب ، وأن يكون منصوباً معربا ، وأن يكون - إذا كان مبنياً - في موضع نصب على الظرف ، وفي موضع رفع على إضمار مبتدأ . - ثم قال تعالى : { وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } . أي : والأمر كله - يوم الدين - لله ( أي ) ، ليس لأحد من خلقه أمر ولا نهي يومئذ . ومن رفع { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ } على البدل من { يَوْمَ } مرفوع قبله أو فتحه - وهو في موضع رفع على البدل منه أيضاً - أو نصبه على البدل من { يَصْلَوْنَهَا ( يَوْمَ ٱلدِّينِ ) } ، لم يبتدئ به . ومن رفعه على إضمار مبتدأ أو نصبه على إضمار فعل بمعنى : اذكر يوم لا تملك ، أو فَتَحَه وهو في موضع رفع على إضمار مبتدأ ، ابتدأ به .