Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 85, Ayat: 1-22)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْبُرُوجِ } إلى آخرها . أي : ورب السماء ذات القصور . قاله ابن عباس . قال الضحاك : البروج " [ يزعمون ] أنها قصور في السماء ، ويقال : هي الكواكب " . قال مجاهد : " البروج : النجوم " . وهو قول قتادة . وقيل : المعنى : ذات الرمل والماء . واختار الطبري أن يكون المعنى : ذات منازل الشمس والقمر ، على قول مجاهد أن البروج - وهي اثنا عشر برجاً - يسير القمر في كل برج ( منها يومين وثلثاً ، فذلك ثمان وعشرون منزلة ، ثم يستقر ليلتين وثلثاً ، وتسير الشمس في كل برج ) [ شهراً ] . وجواب القسم محذوف . وقيل : الجواب { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ } على تقدير حذف اللام ، أي : لقتل أصحاب الأخدود . وقيل : الجواب : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } وهو قول قتادة . وقيل : الجواب : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . ثم قال تعالى : { وَٱلْيَوْمِ ٱلْمَوْعُودِ } يعني يوم القيامة ، وعد الله به عباده لفصل القضاء بينهم روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبو هريرة وقتادة وغيرهم . ثم قال تعالى ذكره : { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ } قال أبو هريرة : " الشاهد يوم الجمعة ، والمشهود : يوم عرفة " . وقاله الحسن ، وروي ( ذلك ) عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عباس ، وقاله قتادة وابن المسيب وابن زيد . وعن ابن عباس أيضاً : أن الشاهد محمد صلى الله عليه وسلم لقوله : { وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] والمشهود " : يوم القيامة ، لقوله تعالى : { وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [ هود : 103 ] أي : يشهده الأولون والآخرون لفصل القضاء بينهم . وهو قول عكرمة ، وقاله الحسن بن علي أيضاً . وقال مجاهد : " الشاهد الإنسان ، والمشهود : يوم القيامة " . فالإنسان لا بد أن يشهد يوم القيامة ، ويوم القيامة مشهود لبني آدم ، فتكون الشهادة على هذا القول [ بمعنى ] الحضور . وقد روي مثل ذلك عن الضحاك . وعن عكرمة أيضاً و ( عن ) ابن عباس أن الشاهد : الله جل ذكره ، لقوله تعالى : { ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ } [ يونس : 46 ] والمشهود يوم القيامة لقوله تعالى : { وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } [ هود : 103 ] . وقال إبراهيم : الشاهد يوم الأضحى والمشهود يوم عرفة . وعن ابن عباس أيضاً . رواه عنه مجاهد " أن الشاهد : يوم عرفة ، والمشهود : يوم القيامة " . وروى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم ( قال ) : " أكثروا علي [ الصلاة ] يوم الجمعة ، فإنه مشهود تشهده الملائكة " وقيل : الشاهد : محمد ، والمشهود : الذين يشهد عليهم محمد صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى : { قُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ * ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } أي : لعن أهلك أصحاب الأخدود ، أخبرنا الله جل ذكره أنه أهلكهم ولعنهم . ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه : أنهم كانوا أهل كتاب ، وكانت الخمر أُحِلَّتْ لهم ، فشربها ملك من ملوكهم حتى [ ثَمِلَ ] ، فتناول أخته ، [ زاد عبد بن حميد : أو ابنته ، وذكر القصة ، وفيها : فإذا ذهب هذا في الناس بأسره خطبتهم فحرمته عليهم ] ، فوقع عليها ، فلما زال عنه السكر ندم ، فقال : لأخته : ويحك ، ما المخرج مما ابتليت به ؟ فقالت : اخطب الناس فقل : يا أيها الناس ، [ إن الله ] قد أحل نكاح الأخوات . ففعل ، [ فتبرأ ] الناس منه ومن قوله ، وقالوا : ما جاءنا به نبي ولا وجدناه في كتاب ! فرجع إلى أخته نادماً فقال لها : ويحك ! إن الناس قد أبوا علي أن يقروا بذلك ، فقالت : [ ابسط ] عليهم السياط ، ففعل ، فأبوا أن [ يقروا ] له ، فرجع إليها فقالت : ( اخطبهم ، فإن أبوا فجرد فيهم السيف ، ففعل فأبوا ) ، فرجع إليها فقالت : خُدَّ لهم الأخدود ، ثم اعرض عليها أهل مملكتك ، فمن أقر وإلا فاقذفه في النار . ففعل ، فمن لم يُقِرُّوا [ له ] بتحليل الأخوات قذفه في النار ، فلم يزالوا من ذلك الوقت يستحلون الأخوات والبنات والأمهات . / وبقايا [ أصحاب ] الأخدود الآن مجوس يعبدون النار . ولذلك ، قال بعض العلماء فيهم [ أن يسن فيهم ] سنة أهل الكتاب . وقوله : { ٱلنَّارِ } خفض على البدل من الأخدود ، وهو بدل الاشتمال . وقيل : هو خفض على الجوار ، وذلك بعيد . وفيه تقديران إذا جعلته بدلاً . أحدهما : أن التقدير : النار ذات الوقود نارها . والآخر : النار التي فيها . والأخدود : حفير [ مستطيل ] كالخندق . يروى أنه كان بموضع يقال له [ نجران ] ، أحرق فيه قوم مؤمنون ، أحرقهم ملك من ملوك حمير مشرك ، وكان ذلك قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم بسبعين سنة . وروى قتادة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : هم ناس كانوا بمدارع اليمن اقتتل مؤمنوها وكافروها ، فظهر مؤمنوها على [ كافريها ] ، ثم اقتتلوا الثانية فظهر كافروها على مؤمنيها ، ثم أخذ بعضهم على بعض عهوداً ومواثيق ألا يغدر بعضهم ( بعضا ) ، فغدر بهم الكفار فأخذوهم أَخْذاً ، ثم إن رجلاً من المؤمنين قال لهم : هل لكم إلى خير ؟ توقدون [ ناراً ] ، ( ثم ) تعرضوننا عليها ، فمن تابعكم على دينكم فذلك الذي تشتهون ، ومن لا ، اقتحم النار [ فاسترحتم ] منه . قال : [ فأججوا ] ناراً ، وعرضوا عليها ، فجعلوا يقتحمونها ضناً بدينهم حتى بقيت عجوز منهم كأنها تلكأت ، فقال لها طفل في حجرها : يا أمه ، امضي ولا تنافقي ، فقص الله جل ذكره نبأهم وخبرهم . وقال ابن عباس : هم ناس من بني إسرائيل ، خدُّواً أخدوداً في الأرض ثم أوقدوا فيه ناراً ثم أقاموا على ذلك الأخدود رجالاً ونساء ثم عرضوا عليها ، وزعموا أنه دانيال وأصحابه وكذلك قال الضحاك ، إلا أنه قال : فقالوا للرجال والنساء : تكفرون أو نقذفكم في النار ( قال ) . [ ويزعمون ] أنه دانيال وأصحابه . وروى صهيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنه كان في من كان قبلكم ملكٌ ، وكان له ساحرٌ ، فأتى الساحر الملك فقال : قد كبرت سنّي ودنا أجلي ، فادفع إلي غلاماً أعلمه السحر . فدفع إليه غلاماً يعلمه السحر ، فكان الغلام يختلف إلى الساحر ، وكان بين الساحر وبين الملك راهب . قال : فكان الغلام إذا مر بالراهب قعد إليه فيسمع كلامه ، فأعجب بكلامه ، فكان إذا أتى الساحر ضربه الساحر وقال : ما حبسك ؟ . وإذا أتى الغلام ( إلى ) أهله قعد عند الراهب يسمع كلامه ، فإذا أتى أهله ضربوه وقالوا : ما حبسك ؟ فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال له الراهب : إذا قال لك الساحر ما حبسك ؟ فقل : حبسني أهلي ، وإذا قال لك أهلك : ما حبسك ؟ فقل : حبسني الساحر . فبينما هو كذلك ، إذ مر في طريق ، وإذا دابة عظيمة في الطريق وقد حبست الناس لا تدعهم يجوزون ، فقال الغلام : الآن أعلم ، أمر الساحر أرضى عند الله أم أمر الراهب ؟ قال : فأخذ حجراً فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فإني أرمي بهذا الحجر هذا ويمر الناس . قال : فرماها ، فقتلها وجاز الناس فبلغ ذلك الراهب ، وأتاه الغلام ، فقال الراهب للغلام : إنك خير مني ، وإن ابتليت فلا تدلن علي . [ قال ] : وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الأدواء . ( قال : وكان للملك جليس فعمي ، قال : فقيل له : إن هاهنا غلاما يبرئ الأكمه والأبرص وسائر الآذاء ) فلو أتيته ؟ قال : فاتخذ له هدايا ، ثم أتاه فقال : يا غلام ، إن أبرأتني فهذه الهدايا كلها لك . فقال : ما أنا أشفيك ، ولكن الله يشفي ، فإن آمنت دعوت الله أن يشفيك ، قال : فآمن الأعمى ، فدعا الغلام الله - جل ذكره - فشفاه ، فقعد إلى الملك [ كما كان يقعد ] ، فقال له الملك : أليس كنت أعمى ؟ ! فقال نعم ، قال : فمن شفاك ؟ قال : ربي . قال : ولك رب غيري ؟ ! قال : نعم ، ربي وربك الله . قال : فأخذه بالعذاب . وقال : [ لتدلنني ] على من علمك هذا . قال : [ فدل ] على الغلام ، قال : فدعا الغلام فقال : / ارجع عن دينك . فأبى الغلام ، قال : فأخذه بالعذاب ، قال : فدل على الراهب ، فأخذ الراهب بالعذاب ، وقال له / : ارجع عن دينك . فأبى ، قال : فوضع المنشار على هامته فشقه حتى بلغ ( إلى ) الأرض ، ثم قال للغلام : لترجعن أو لأقتلنك . فقال : اذهبوا به حتى تبلغوه ذروة الجبل ، فإن رجع عن دينه وإلا [ دهدهوه ] . فلما بلغ ذروه الجبل قال الغلام : اللهم اكفنيهم . فرجف بهم الجبل فوقعوا فماتوا كلهم . وجاء الغلام يتلمس حتى دخل على الملك فقال : أين أصحابك ؟ ! قال : كفانيهم الله جل ثناؤه . فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقورة فتوسطوا به البحر ، فإن رجع عن دينه وإلا فغرقوه . قال فذهبوا ، فلما توسطوا به البحر قال الغلام : اللهم فاكفنيهم . فانقلبت بهم السفينة فغرقوا ، وجاء الغلام [ يتلمس ] حتى دخل على الملك ، فقال الملك : أين أصحابك ؟ قال : دعوت الله فكفانيهم . قال : لأقتلنك . قال : ما أنت بقاتلي حتى تصنع ما آمرك . قال : وما أصنع . قال : اجمع الناس في صعيد واحد ثم أصلُبْنِي ، ثم خذ سهماً من كنانتي فارمني وقل : باسم رب الغلام ، فإنك ستقتلني . قال : فجمع الملك الناس في صعيد واحد ، قال : وصلب الغلام وأخذ سهماً من كنانته فوضعه في كبد القوس ثم رمى به ، وقال : باسم رب الغلام . [ قال ] : فوقع السهم في صدغ الغلام ، فوضع الغلام يده على صدغه ومات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ، فقيل للملك : ما صنعت ؟ ! الذي كنت تحذر قد وقع ، قد آمن الناس برب الغلام ، فأمر الملك بأفواه الطرق والسكك فأخذت ، وخد الأخدود وضرب فيه النيران وأخذهم وقال : [ ارجعوا وإلا ألقيتكم ] في النار . قال : فكانوا يلقونهم في النار . قال : فجاءت امرأة معها صبي لها . قال : فلما ذهبت تقتحم وجدت حر النار فنكصت . قال : فقال لها صبيها : يا أمه ، امضِ ، فإنك على الحق . فاقتحمت في النار " . وقال الربيع بن أنس : كان أصحاب الأخدود قوماً مؤمنين اعتزلوا الناس في الفترة ، وإن جباراً من عبدة الأوثان أرسل إليهم يعرض عليهم الدخول في دينه أو يلقيهم في النار ، فاختاروا إلقاءهم في النار على الرجوع عن دينهم ، فألقوا في النار ، فنجى الله المؤمنين الذين ألقوا في النار من الحريق بأن قبض ( الله ) أرواحهم قبل أن تمسهم النار . قال : وخرجت النار إلى من على شفير الأخدود من الكفار فأحرقتهم ، فذلك قوله : { وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ } أي : لهم عذاب جهنم في الآخرة ولهم عذاب الحريق في الدنيا ، وهي ( النار ) التي خرجت إليهم من الأخدود فأحرقتهم . وقوله : { ذَاتِ ٱلْوَقُودِ } . أي : ذات الحطب الجزل ، فإن [ ضممت ] الواو فمعناه ذات التوقد . والأخدود " الحفرة تحفر في الأرض . وقوله : { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } . أي : [ إذ الكفار ] على النار قعود لحرق المؤمنين ، يعني : على حافة الأخدود الذي فيه النار . وقال قتادة : { إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } . يعني بذلك المؤمنين . ثم قال : { وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ } . يعني : الكفار . حضور يعرضون المؤمنين على الكفر فمن رجع إليه ، وإلا القوه في النار . ثم قال تعالى : { وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } . أي : وما فعل هؤلاء الكفار بالمؤمنين ما فعلوا من حرقهم إياهم بالنار إلا من أجل أنهم آمنوا بالله الشديد في انتقامه من أعدائه ، المحمود عند عباده بإحسانه إليهم . { ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } . أي : سلطان ذلك كله . { وَٱللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } . أي : والله شهيد على ما فعل هؤلاء الكفار بالمؤمنين وعلى غير ذلك من أفعالهم وأفعال جميع الخلق ، فمجازيهم على ما عملوا . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ } . أي : حرقوهم بالنار وعذبوهم ثم لم يتوبوا من كفرهم وفعلهم ، فلهم عذاب جهنم في الآخرة ، ولهم عذاب الحريق في الدنيا . هذا قول الربيع بن أنس . قال محمد بن إسحاق : احترقوا في الدنيا . وكذلك قال أبو العالية . { فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ } يعني : في الآخرة ، واحترقوا في الدنيا بعذاب الحريق . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ } . أي : إن الذين أقروا بتوحيد الله وعملوا الأعمال الصالحات وهم الذين حرقهم أصحاب الأخدود وغيرهم من سائر أهل التوحيد لهم بساتين في الآخرة تجري من تحت أشجارها الأنهار من الماء / والخمر ، واللبن والعسل . { ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْكَبِيرُ } [ أي ] : ذلك الذي أعطي هؤلاء هو الظفر الكبير بما طلبوا بإيمانهم بالله في الدنيا وطاعتهم له . ثم قال تعالى : { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } . أي : إن أخذ ربك يا محمد من أخذ من أعدائه وانتقامه منهم لشديد . وهو تحذير من الله لعباده أن يحل بهم من نقمه على كفرهم وتعذيبهم مثل الذي حل بأصحاب الأخدود . ثم قال تعالى : { إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } . أي : هو ابتدأ الخلق أول مرة ، وهو يعيدهم بعد مماتهم للبعث والجزاء . هذا معنى قول الضحاك وابن زيد . وقال ابن عباس : معناه : إنه هو يبدئ العذاب ثم يعيده . ( وهو اختيار الطبري ) ، أي : يبدئ العذاب لأهل الكفر في الدنيا ، ( وهو عذاب الحريق - ثم يعيده ) عليهم في الآخرة - وهو عذاب جهنم . ثم قال تعالى : { وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلْوَدُودُ } . أي : وهو الغفور لمن تاب من كفره وذنوبه . { ٱلْوَدُودُ } أي : ذو المحبة . وعن ابن عباس أنه قال : { ٱلْوَدُودُ } : " الحبيب " . وقال ابن زيد : { ٱلْوَدُودُ } : " الرحيم " . ثم قال تعالى : { ذُو ٱلْعَرْشِ ٱلْمَجِيدُ } . وقال ابن عباس : { ٱلْمَجِيدُ } : " الكريم " . ثم قال تعالى : { فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } . أي : يفعل ما يشاء ، فيوقف من شاء للتوبة فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء بأن [ يحول ] بينه وبين التوفيق فيموت على كفره . ثم قال تعالى : { هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } . أي : هل جاءك يا محمد حديث الجنود الذين تجندوا على الله ورسوله بأذاهم ومكروهِهم ؟ أي : قد أتاك ذلك وعلمته . فاصبر لأذى قومك كما صبر من كان قبلك من الرسل الذين تجند قومهم عليهم . ثم بين الجنود من هم فقال : { فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } أي : قوم فرعون وتباعه ، وثمود . ثم قال تعالى : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكْذِيبٍ } . أي : بل الذين كفروا من قومك في تكذيب بوعيد الله ووحيه { وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } أي : محيط بأعمالهم محصيها عليهم حتى يجازيهم عليها . ثم قال تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } . أي : بل ما يقول هؤلاء إنه شعر وسحر [ وكهانة ] ، قرآن مجيد محفوظ من أن يغير ، في لوح . قال ابن جبير : مجيد " كريم " وقاله قتادة . قال مجاهد : { فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } قال : " في أم الكتاب " . ومن رفع { مَّحْفُوظٍ } ، جعله نعتاً للقرآن ، بمعنى أنه محفوظ أن يغيره أحد بزيادة أو نقص . ودل على ذلك قوله : { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . ومن خفض ، جعله نعتا للوح ، أي : القرآن في لوح عند الله محفوظ ، وهو اللوح المحفوظ . كما قال مجاهد : هو أم الكتاب . وقال قتادة : { فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ } " عند الله " . وقال أنس بن مالك : " إن اللوح المحفوظ الذي ذكر الله في جبهة إسرافيل " . وقرأ محمد اليماني : بل هو قرآن مجيد ، بالإضافة على معنى : بل هو قرآن رب مجيد . قال ابن عباس : خلق الله اللوح المحفوظ من درة بيضاء ، دفتاه [ ياقوتة ] حمراء ، قلمه نور ، وكتابه نور ، ينظر إليه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، يُحيي في كل نظرة ، ويميت ويعز ويذل ، ويفعل ما يشاء ، لا إله إلا هو .