Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 86, Ayat: 1-17)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلسَّمَآءِ وَٱلطَّارِقِ } إلى آخرها . هذا ( قسم ) أقسم ربنا تعالى بما شاء ، وتقديره : ورب السماء والطارق . ثم بين الطارق فقال : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلطَّارِقُ * ٱلنَّجْمُ ٱلثَّاقِبُ } أي : النجم المضيء ، يقال : طرقنا فلان : إذا أتى بليل . قال ابن عباس : معناه : " والسماء وما يطرق فيها " . قال قتادة : " يطرق بالليل ويخفى بالنهار " . قال ابن زيد : العرب تسمي الثريا النجم . وحكى الفراء : ثقب [ النجم ] إذا ارتفع . وقال : هو زحل . ويقال : ثقب الطائر إذا ارتفع وعلا . قال مجاهد : { ٱلثَّاقِبُ } : الذي يتوهج . ثم قال تعالى : { إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ } . من خفف [ لما ] ، فتقديره : إن كل نفس لعليها حافظ ، " فما " زائدة مؤكدة ، " وإن " مخففة من [ الثقيلة ] . ومن شدد [ لما ] جعلها بمعنى " إلا " لغة في هذيل ، و { إِن } بمعنى " ما " . والمعنى : ما كل نفس نفس إلا عليها حافظ من ربها يحفظ عملها [ و ] يحصي عليها ما تكسب من خير وشر . قال ابن عباس : معناه : كل نفس عليها حفيظ من الملائكة . وقال قتادة : " حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا ابن آدم قُبضت إلى ربك . وقال الفراء : كل نفس عليها حافظ يحفظها من الآفات حتى يسلمها إلى المقدور . ثم قال تعالى : { فَلْيَنظُرِ / ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } . أي : فلينظر الإنسان المكذب بالبعث بعد الموت ، المنكر قدرة الله على ذلك من أي شيء خلق . { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } أي : مدفوق . فيعلم أن من خلقه من ماء فصوره وسواه [ بشراً ] ، ( وهو ) قادر أن يعيده بشراً بعد موته ، وذل أهون وأيسر فيما تعقلون بينكم . قال الكسائي والفراء : أهل الحجاز أفعل الناس لهذا : يأتون بفاعل بمعنى مفعول إذا كان نعتاً ، يقولون : سر كاتم وماء دافق ، أي : مكتوم ومدفوق . وهذا عند البصريين لا يقاس عليه ، وإنما يأتي في ما لا يشكل . ولا يجوز رجل [ ضارب ] بمعنى مضروب ، لأن فيه بطلان الكلام كله وفساد المعاني . وقوله : { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ } . أي : يخرج الإنسان من بين صلب الرجل وترائب المرأة . وواحد الترائب : تريبة . ومعنى الكلام : [ منهما ] . وقرأ عيسى بن عمر : " ( بين ) الصلب " بضمتين . وقال إبراهيم بن عرفة : الترائب في اللغة : ضلوع الصدر ، واحدها تريبة . قال ابن عباس : الترائب : موضع القلادة من صدر المرأة . وسئل عكرمة عن الترائب فقال : " هذا ووضع يده على صدره بين ثدييه " وعن ابن عباس : أنها " بين ثديي المرأة " . وقال ابن جبير : { وَٱلتَّرَآئِبِ } [ الصدر ] . وقاله ابن زيد . وقال مجاهد : { وَٱلتَّرَآئِبِ } : " ما بين المنكبين والصدر " . وعنه أيضاً : أن الترائب " أسفل من التراقي " . وقال سفيان : الصلب : صلب الرجل ، والترائب : ترائب المرأة فوق الثديين . فالضمير في { يَخْرُجُ } على هذه الأقوال للإنسان . وعن قتادة أنه " يخرج من بين صلب الرجل ونحره " . وعن ابن عباس أن الترائب أطراف الرجل : اليدان والرجلان والعينان . وقاله الضحاك . وعن ابن جبير أيضاً أن الترائب أضلاع الرجل التي أسفل الصلب . وقيل : الترائب عصارة القلب ، ومنه يكون الولد . فالضمير في { يَخْرُجُ } على هذه الأقوال الثانية يعود على الماء . والمعروف في كلام العرب أن الترائب موضع القلادة من المرأة حيث تقع عليه من صدرها . ثم قال تعالى : { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } أي : إن الله [ على ] رده هذا الإنسان المنكر للبعث ( بعد الموت ) بعد موته لقادر في يوم تختبر السرائر . فالهاء في { رَجْعِهِ } للإنسان . هذا قول قتادة ، وهو اختيار الطبري : لأن بعده : { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } أي : على رده حياً في هذا اليوم الذي تختبر فيه سرائر الخلق فيكشف المستور منها . وهذا التأويل فيه بُعْدٌ في العربية ، لأن العامل على هذا التقدير في { يَوْمَ } { رَجْعِهِ } فهو داخل في صلته . وقد فرق بين الصلة والموصول بخبر ( إن ) ، وهو { لَقَادِرٌ } . وذلك لا يحسن . ولكن يكون المعنى على ما قال قتادة ، ويكون العامل في { يَوْمَ تُبْلَىٰ } { نَاصِرٍ } أي : فما للإنسان من قوة يرد عن نفسه بها ولا ناصر ينصره في يوم تبلى السرائر . وقال الضحاك : المعنى ( أن الله ) على رد الإنسان ماء كما خلقه من ماء لقادر فالهاء في { رَجْعِهِ } أيضاً للإنسان . وقال مجاهد وعكرمة : المعنى أن الله على رد الماء في الإحليل لقادر . فالهاء في { رَجْعِهِ } للماء ، وهو معنى قول ابن زيد . وعن الضحاك أيضاً أن معناه أن الله على رد الإنسان من الكبر إلى الشباب ، ومن الشباب إلى الكبر ، ومن الصبا إلى النطفة ، لقادر . فالهاء في { رَجْعِهِ } للإنسان . وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ائتمن الله خلقه على أربع : على الصلاة والزكاة والصيام والغسل من الجنابة ، وهي السرائر التي يختبرها الله يوم القيامة " . قال عطاء في قوله : { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } قال : ذلك الصوم والصلاة وغسل الجنابة . يقول في الدنيا إذا شاء : قد صمت ، ولم يصم ، وقد صليت ، ولم يصل ، وقد اغتسلت ولم يغتسل . وقال قتادة : " إن هذه السرائر مختبرة ، فأسروا خيراً وأعلنوه [ إن استطعتم ] ، ولا قوة إلا بالله " . وقوله : { فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ } . أي : فما للإنسان الكافر بيوم تبلى السرائر من قوة يمتنع بها من عذاب الله ، ولا ناصر ينصره ( فيستنقذه من العذاب ، وقد كان في الدنيا يرجع إلى قوة من عشيرة يمتنع بها ممن أراده بسوء ، وناصر ينصره ) مما ظلمه ، هذا معنى قول قتادة ومعمر . ثم قال تعالى : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } . أي : ورب السماء ذات المطر ، أي : ترجع بالغيوث وأرزاق العباد كل عام ، ورب الأرض ذات الصدع ، أي : ذات الصدع بالنبات . قال ابن عباس : { ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } : " السحاب فيه المطر " . وقال الحسن : " ترجع بأرزاق الناس كل عام " . وقاله قتادة . وقال مجاهد : { ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } : " السحاب يمطر ثم يرجع بالمطر " . وقال ابن زيد : { ذَاتِ ٱلرَّجْعِ } : شمسها وقمرها ونجومها ، يأتين من هاهنا . والرجع : تجمع على " رجعان " سماعاً على غير قياس ، وقياسه [ أرجع ] ( ورجوع ) . قال ابن عباس : { ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } أي : " ذات النبات " . وقال قتادة : تنصدع عن النبات . وقال ابن زيد : { ذَاتِ ٱلصَّدْعِ } أي : ذات الانشقاق للنبات . ثم قرأ : { ثُمَّ شَقَقْنَا ٱلأَرْضَ شَقّاً } [ عبس : 26 ] الآية . وقال أيضاً : صدعها : الحرق . ثم قال تعالى : { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ } . هذا جواب القسم ، أي : إن هذا القول أو الخبر الذي تقدم ذكره لقول ذو فصل ، أي : يفصل بين الحق والباطل ببيانه . وقيل : الجواب : { إِن كُلُّ نَفْسٍ } ، لأن " إن " بمعنى " ماء " ، وهو حسن ، وهو أقرب من غيره إلى القسم ، فهو أليق به . وقيل : الجواب : { إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ } . وقال ابن عباس : { لَقَوْلٌ فَصْلٌ } أي : " لقول حق " . وقال قتادة : { فَصْلٌ } : حكم . ثم قال تعالى : { وَمَا هوَ بِٱلْهَزْلِ } . أي : وما هو بالعبث ولا الباطل ولا اللعب . ثم قال تعالى : { إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً } . أي : إن هؤلاء المكذبين بالله ورسوله ووعده ووعيده يمكرون مكراً ، وأمكر مكراً ، أي : أجازيهم على مكرهم . فسمى الجزاء مكرا لأنه جزاء المكر ، فسمي باسم ما هو مجازاة عنه وإن لم يكن مثله ، كما قال تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] ، فسمي جزاء السيئة سيئة إذ هي جزاء لها وإن لم يكن الجزاء سيئة ، ومكره - تعالى ذكره - بهم : إملاؤه لهم واستدراجه إياهم . والمعنى : أنهم يكيدون النبي وأصحابه كيدا ، وأجازيهم على كيدهم جزاء . ثم قال تعالى : { فَمَهِّلِ ٱلْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً } . أي : فلا تعجل يا محمد على الكافرين بالعقاب ، أمهلهم قليلا حتى يأتي وقت حلول النقمة بهم . قال ابن عباس : الرويد : القريب . وقال قتادة : " الرويد : القليل " . قال ابن زيد : معناه : أمهلهم ولا تعجل عليهم ، تركهم حتى إذا أراد الانتصار منهم أمره بحربهم وقتالهم والغلظة عليهم فأهلكهم ببدر بالسيف .