Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 1-19)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } إلى آخرها . أي : عظم يا محمد اسم ربك . وقيل : معناه عظم ربك الأعلى . وكان بعضهم إذا قرأ ذلك قال : سبحان ربي الأعلى . وقد رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم . وكذلك روى السدي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وقيل معناه : نزه يا محمد اسم ربك أن تسمي به شيئا سواه كما فعل المشركون من تسميتهم آلهتهم باللات والعزى ، جعلوا العزى مشتقة من العزيز واللات من الله . وقيل : معناه : نزهه عما يقول فيه المشركون كما قال : { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ } [ الأنعام : 108 ] . وقيل : معناه : نزه - يا محمد - تسميتك ربك الأعلى ، وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت خاضع متذلل . قالوا : فالاسم هنا موضوع في موضع التسمية ، فوضع الاسم مكان المصدر . وقيل : معناه : [ صل ] بذكر ربك الأعلى ، أي : صل [ وأنت له ذاكر ] . وقيل : معناه صل يا محمد لربك . وقيل : معناه : عظم اسم ربك ونزّهه على أن تنسبه إلى ما نسبه إليه المشركون . وهذا مما يدل على أن الاسم هو المسمى ، لأن معناه : سبح الله . وليس يجوز " سبحان " اسم الله ، ولا سبحان اسم الرب ، فدل على أن معنى { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ } سبح ربك . وقوله : { ٱلأَعْلَىٰ } . أي : القاهر لك شيء ، العالي عليه . قال عقبة بن عامر : " لما نزلت : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجعلوها في سجودكم " . ولما نزلت : { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ } قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجعلوها في ركوعكم " " . قال الفراء : " سبح اسم ربك " وسبح باسم ربك " ، كل صواب . كأنه جعله مما يتعدى بحرف وبغير حرف ، ككلتك وكلت لك . ولا يحسن أن تقدره مما يتعدى بحرف ثم حذفه ، إذ لا يجوز : مررت زيداً ( على مررت بزيد ) إلا في شعر شاذ . وهذا مما يستدل به على أن الاسم هو المسمى ، لأنه تعالى لم يأمر نبيه أن يعبد ( ويسبح ) ويصلي لغيره . فمعنى : { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ } : [ سبح ربك ] ، فالاسم هو المسمى ، ولو كان غيره لكانت العبادة لغير الرب [ سبحانه ] ، والتسبيح لغيره - [ جلت عظمته ] - وليس يريد بالاسم هاهنا التسمية ، لأنه لا اختلاف [ في ] أن التسمية غير / المسمى ، وهذا باب يحتاج إلى بيان وشرح . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ } . أي : خلق الأشياء كلها ، فسوّى خلقها وعدلها . والتسوية : التعديل . ثم قال : { وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } . أي : قدر خلقه فهدى الإنسان لسبيل الخير والشر ، وهدى البهائم للمراعي . قال مجاهد : " هدى الإنسان للشقوة والسعادة ، وهدى الأنعام [ لمراتعها ] . وقيل : معناه : هدى الذكر لإتيان الأنثى . وقيل : معناه : فهدى وأضل ، ثم حذف لدلالة الكلام عليه ، ومن شدد { قَدَّرَ } ، جعله من التقدير ، فمعناه : قدر خلقه كل مخلوق ، [ وهداه ] إلى مصلحته . ودليله : { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً } [ الفرقان : 2 ] . فأما من خففه ، فإنه جعله من القدرة والملك ، ( فمعناه ) : الذي أحاطت قدرته [ بكل ] شيء فهدى وأضل . ويجوز أن يكون من التقدير مثل الأول ، كما قال : { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ } [ الرعد : 26 ] . ثم قال : { وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ } . أي : الذبات . { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ } . أي : فجعله يبساً أسود بعد أن كان ناعماً أخضر . " فأحوى " بمعنى : ( أسود ) ، وهو نعت للغثاء . وقيل : في الكلام تقديم وتأخير . " وأحوى " بمعنى : أخضر . والتقدير : أخرج المرعى أحوى ، أي : أخضر ، فجعله غثاء ، أي : يبساً . فيكون " أحوى " [ بمعنى : أخضر ، ( وهو [ حال ] من المرعى . وفي هذا تكلف لغير ضرورة تدعو إليه ) . قال ابن عباس : { غُثَآءً أَحْوَىٰ } ، أي : " هشيماً متغيراً " . وقيل : معناه : غثاءً ، أي : يبساً تنسفه الرياح فيجري به السيل [ فصار ] غثاء للسيول بعد حضرته وغضارته ، هذا معنى قول مجاهد وابن زيد . وقال ( أبو ) عبيدة : { غُثَآءً أَحْوَىٰ } ، أي : [ هيجه ] حتى يبس فجعله أسود من احتراقه { غُثَآءً } أي : هشيماً . ثم قال تعالى : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ } . أي : سنقرئك - يا محمد - القرآن [ فلست ] تنساه إلا ما شاء الله أن تنساه . قال مجاهد : كان النبي صلى الله عليه وسلم يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى فأعلمه الله أنه ليس ينسى . وقوله : { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } هو ما أراد الله نسخه فينسيه نبيه فيرفع حكمه وتلاوته ، وذلك ما أنزله تعالى على نبيه للصلاح في وقت ، وتقدم في علمه [ أنه ] سينسيه إياه في وقت [ آخر ] . وقيل : معنى الآية : سنقرئك - يا محمد - فلا تترك العمل بشيء منه إلا ما شاء الله أن تترك العمل به ( مما ) ننسخه [ فنأمرك ] بتركه فتتركه . " ولا " في القولين جميعاً [ نفي ] وليست للنهي . وقال الفراء : فلست تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه ، ولا يشاء أن ينسى منه شيئاً . ومثله عنده : { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ } [ هود : 107 ] ، وليس يشاء غير الخلود لهم . وقيل : معنى الآية : إلا ما شاء الله مما يلحق الآدميين . وقيل : إلا ما شاء الله أن يرفع حكمه ولا يرفع تلاوته . وقيل : المعنى : فجعله غثاء أحوى إلا ما شاء الله أن يناله بنو آدم والبهائم ، وينتفعوا فإنه لا يصير غثاء أحوى . ثم قال : { إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ } . أي : إنه يعلم ما أظهرته من عملك وما أخفيته ، أي : يعلم السر والعلانية . وهذا خطاب للنبي ، وأمته داخلة في ما خوطب به . ثم قال تعالى : { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ } . أي : وسنسهلك ( يا محمد ) لعمل الخير ، وهو اليسرى ، والمعنى للحال اليسرى ، وهو فعلى ، من [ اليسر ] . ثم قال تعالى : { فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ } . أي : ذكر إن نفعت ذكراك وإن لم تنفع ، حذف لدلالة الكلام عليه ، مثل : { قَدَّرَ فَهَدَىٰ } ومثله : { سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم } [ النحل : 81 ] . وقيل : المعنى أن الذكرى تنفع بكل حال . والتقدير : فذكر إن كنت تفعل ما أمرت به . وقال الطبري : معناه : فذكر عباد الله - يا محمد - عظمته وعظهم ، وحذرهم عقوبته ، إن الذكرى لا تنفع الذين [ آيستك ] من إيمانهم . ثم قال تعالى : { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } . أي : سيذكر يا محمد من يخشى الله ويخاف عقابه . { وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى } . أي : ويتجنب الذكرى ( الأشقى ) يعني أشقى الفريقين من المؤمنين والمشركين ثم نعته ، فقال : { ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ } . وهم الذين لم تنفعهم الذكرى وتجنبوها . قال قتادة : قوله { سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ } : إنه والله ما خشي عبد قط الله إلا ذكره . ولا والله لا يسكت عبد عند الذكرى زهداً فيها وبغضاً لأهلها إلا شقيّ بين الشقاء . والنار الكبرى : نار جهنم ، هي كبرى عند نار الدنيا من شدة حرها وألمها . وقال الفراء : النار الكبرى : " السفلى من أطباق النار " . وقوله : { ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } . روي أن نفس أحدهم تصير في حلقه فلا تخرج فتفارقه [ فيموت ] ولا / ترجع إلى موضعها من الجسم فيحيا . وقيل : معناه : لا يموت فيها فيستريح ، ولا يحيا حياة تنفعه . وقيل : أريد به شدة الأمر . والعرب تقول [ للرجل ] يقع في شدة شديدة أو علة مثقلة : لا هو حي ، ولا هو ميت . فخوطبوا على ما جرى به كلامهم . ثم قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } . أي : قد أدرك طلبته وظفر ببغيته من تظهر الكفر وعمل بطاعة الله . قال ابن عباس : من تزكى - يعني - من الشرك . وعنه أنه جعله في زكاة الفطر . وقال : أخرجوا زكاة الفطر قبل صلاة العيد . وقال عكرمة : { مَن تَزَكَّىٰ } : من قال : لا إله إلا الله . قال عطاء : { مَن تَزَكَّىٰ } من آمن . وقال قتادة : من تزكى بالعمل الصالح والورع . وقال ابن جريج : من تزكى بماله وعمله . وقال عبد الله : إذا خرجت إلى الصلاة فتصدق بشيء إن استطعت ، فإن الله يقول : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } . والتزكي - في اللغة - : التطهر . قال عمر بن عبد العزيز وابن المسيب وأبو العالية : هي زكاة الفطر ، ( ثم نسخها زكاة الأموال ) . وقيل : هي سنة ، وزكاة المال فرض . وعلى هذا أكثر العلماء . قال ابن عباس : { وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ } أي : " ووحد الله سبحانه " . وقيل : معناه : ودعا إليه وصلى الصلوات الخمس . وقيل : عني به صلاة العيد . وقيل : الصلاة هنا الدعاء . ( وقيل : معناه : وذكر اسم ربه في صلاته بالتحميد والتمجيد ) . ثم قال تعالى : { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } . أي : تؤثرون زينتها على الآخرة ، والآخرة خير لكم وأدوم نعيما . ثم قال تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ } . أي : إن هذه الآيات في { سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } لفي صحف إبراهيم وموسى . وقيل : معناه : إن قوله : { بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } الآية ، لفي { صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ } . وقيل : معناه إن الفلاح لمن تزكى وذكر اسم ربه فصلى لفي صحف إبراهيم وموسى . واختار الطبري أن يكون معناه أن قوله : { قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ ( فَصَلَّىٰ ) } إلى قوله { وَأَبْقَىٰ } لفي صحف إبراهيم وموسى ، فتكون الإشارة إلى ما قرب من هذا .