Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 88, Ayat: 1-26)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ٱلْغَاشِيَةِ } إلى آخرها . أي : قد أتاك - يا محمد - حديث الغاشية ، وهي القيامة تغشى الناس بقيامها وأهوالها . وقال ابن جبير : الغاشية جهنم . ثم قال تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } . أي : ذليلة ، وهي وجوه الكفار . قال قتادة : " خاشعة في النار " . ثم قال : { عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } . أي : هي عاملة ناصبة بمعنى : تعمل وتنصب في الدنيا ، وهي تصلى ناراً حامية في الآخرة . وهذا القول يُروى عن عمر رضي الله عنه . ولا يتم الكلام [ على ] [ ناصبة ] أو ( على ) { خَاشِعَةٌ } ويجوز أن يكون في الكلام تقديم وتأخير على هذا القول ، والتقدير : وجوه عاملة ناصبة في الدنيا يومئذ خاشعة . وقيل : الآية نزلت في عبدة الأوثان والرهبان من أهل الكتاب ، أنصبوا أنفسهم وأتعبوها بالعمل ولم يتقبل منهم ، لأنهم على غير إسلام . وقال عكرمة : ( معناه ) : عاملة في الدنيا بمعاصي الله ، ناصبة في الآخرة في النار . فيتم الكلام على هذا القول على " عاملة " . وقال الحسن وقتادة : إن الوجوه في القيامة خاشعة عاملة ناصبة ، وإنها ( لما ) لم تعمل في الدنيا لله أعملها الله في النار وأنصبها . فلا يتم الكلام من أوله على { نَّاصِبَةٌ } على هذا القول . قال ابن عباس : " تعمل وتنصب في النار " . وقال قتادة : " تكبرت في الدنيا عن طاعة الله ، فأعملها وأنصبها في النار " . وقال ابن زيد : " لا أحد أنصب ولا أشد من أهل النار " . وكان عمر رضي الله عنه يتأولها في الدنيا في البرهان وشبههم . يعملون في الدنيا ، ويجتهدون ، وهم في النار . ويكون الكلام يتم على { خَاشِعَةٌ } لأنه آخر صفتهم في يوم القيامة ، ثم ابتدأ بصفتهم في الدنيا . وقيل : التقدير : وجوه عاملة ناصبة في الدنيا { يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ } يعني : في الآخرة . وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم ذكر القدرية فبكى ، وقال : إن فيهم المجتهد . وقوله : { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } أي : ترد ناراً قد حميت واشتد حرها . والإخبار في جميع ذلك عن الوجوه ، والمراد به أصحابها ، لأن المعنى مفهوم . ثم قال تعالى : { تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } . أي : [ يسقى ] يومئذ أصحاب هذه الوجوه ( من عين قد ) انتهى حرها فبلغ الغاية في شدة الحر . وقال مجاهد : من عين قد ( أنى / نضجها ) منذ خلق الله عز وجل الدنيا . وقال ابن زيد : { مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ } أي : حاضرة . وقال تعالى : { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ } . أي : ( ليس ) لأصحاب هذه ( الوجوه ) الخاشعة - وهم الكفار - طعام يطعمونه في النار إلا طعام من ضريع . قال ابن عباس : " الضريع : شجر من نار " . وقال ابن زيد : الضريع : الشوك من النار ، والضريع عند العرب شوك يابس [ ولا ورق فيه ] . وقال عكرمة : الضريع : الحجارة . وقال الحسن : الضريع : الزقوم وعنه أيضاً : الضريع : الذي يضرع ويذل من أكله لمرارته وخشونته . وقال عطاء : الضريع : الشبرق . وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس ومجاهد وقتادة ، وعلى هذا القول كثير من أهل اللغة ، والشبرق : [ شجر ] كثير الشوك تعافه الإبل ، وأهل الحجاز يسمونه الضريع إذا يبس ، ويسميه غيرهم الشبرق . وقيل : الضريع واد من جهنم . وقد أخبر الله في هذه الآية بأن لا طعام لهم إلا طعام من ضريع ، فأثبت لهم طعاماً ، وقال في موضع آخر { فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَا هُنَا حَمِيمٌ * وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } [ الحاقة : 35 - 36 ] . فظاهره أنه قد أوجب لهم طعاما من غسلين فهذا خلاف ذلك في الظاهر . والمعنى في ذلك أن التقدير : فليس له اليوم هاهنا شراب حميم إلا من غسلين ولا طعام ينتفع به . ( وقيل ) : الغسلين من الضريع . وقيل : الغسلين لقوم والضريع لآخرين . ثم وصف الله أهل الجنة ونعيمهم بعد وصفه لأهل النار وعذابهم . فقال تعالى : { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ } . أي : ( غضرة ) نضرة ينعمها الله ، وهم أهل الإيمان بالله والعمل بطاعته . ثم قال تعالى : { لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ } . أي : لعملها الذي عملته في الدنيا من طاعة ربها راضية . وقيل المعنى : [ لثواب ] عملها راضية في الآخرة . ثم قال تعالى : { فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ } . أي : رفيعة القدر عالية المكان . { لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً } أي : لا يسمع أحد في الجنة كلمة لغو ، واللغو : الباطل . وقيل للكلمة التي هي لغة : لاغية ، كما قيل لصاحب [ الدرع : دارع ] ، ولصاحب الفرس فارس ، " ولابن " " وثامر " لصاحب اللبن والثمر . وقال الفراء : { لاَغِيَةً } ، أي : [ حالفاً ] يحلف بكذب . قال ابن عباس : معناه : لا تسمع فيها أذى ولا باطلاً . وقال مجاهد : " شتماً " . وقال قتادة : باطلاً ولا مأثماً . ثم قال تعالى : { فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ } أي : تجري من غير أخدود ، والعين تذكر وتؤنث [ والتأنيث ] أكثر ، وقد قال الشاعر : @ والعين بالإثمد [ الحاري ] مكحول . @@ فقال بعض النحويين : هذا على تذكير العين . وقال المبرد : ذكره كما يذكر كل مؤنث غير حقيقي التأنيث لا علامة للتأنيث فيه ، كما يقال : هذا دار وهذه دار . وقال الأصمعي : مكحول للحاجب هو ، لأنه قد تقدم ذكره ، ولا يعرف الأصمعي في العين إلا التأنيث . ثم قال تعالى : { فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ } . أي : عالية ليرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما خوله ربه من الملك والنعيم ، ويلحقه بصره . والسرر جمع سرير . وقيل : مرفوعة : موضونة . قاله ابن عباس ، كقوله : { سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } [ الطور : 20 ] أي : بعضها فوق بعض . ثم قال تعالى : { وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ } . أي : موضوعة على حافة العين الجارية كلما أراد الشرب وجدها ملأى من الشراب . والأكواب جمع : كوب ، وهي الأباريق التي لا آذان لها ، وقد تقدم ذكرها بالاختلاف فيها . ثم قال تعالى : { وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ } . النمارق جمع : نمرقة ، وهي الوسادة والمرفقة . وحكي فيها ضم النون والراء وكسرهما ، والضم ( أكثر ) . ومعنى مصفوفة أي : بعضها إلى بعض . وقد قال ابن عباس " النمارق : المجالس " ، وعنه : " المرافق " . وقال قتادة : هي " الوسائد " . ثم قال تعالى : { وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ } . قال أبو عبيدة : الزرابي البسط . وقيل الزرابي : الطنافس التي لها خمل ، و { مَبْثُوثَةٌ } كثيرة . وقال قتادة : [ زرابي ] " مبثوثة " أي " مبسوطة " . قال ابن عمر : ( رأيت عمر ) رضي الله عنه يصلى على عبقري ، وهي الزرابي . ثم قال تعالى : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } . هذا كله توبيخ لمنكري القدرة ، أي : أفلا ينظر من ينكر قدرة الله على كل ما يشاء مما وصف مما أعده الله للكافرين وللمؤمنين في هذه الآيات - إلى الإبل كيف خلقها الله وسخرها لهم ( وذللها ) ، وإلى ( السماء ) كيف رفعها / الله فوقهم لا خلل فيها ولا شقوق ولا اختلاف ، رفعها بغير عمد ترونها ، وإلى الجبال كيف نصبها الله على الأرض لئلا تميد بأهلها ، [ وأقامها ] منتصبة لا تسقط على الأرض . وإلى الأرض كيف سطحها الله ، أي بسطها فجعلها مستوية وطيئة ليتصرف عليها الخلق ولا يمتنعون من أسفارهم . وقال قتادة : لما [ نعت ] الله ما في الجنة ، عجب من ذلك أهل الضلالة ، فأنزل الله جل ذكره : { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } إلى { سُطِحَتْ } . قال : وكانت الإبل من عيش العرب . [ فخوطبوا ] ونبهوا على قدرته على أعظم ما في نفوسهم ، فلذلك بدأ بالإبل ، فكأنه قيل لهم : من قدر على إحداث هذه الأشياء وغيرها لكم وإحكام أمرها [ كيف ] لا يقدر على ما وصف من ( أمر ) الجنة والنار . وقال ابن عباس : الإبل ( ها ) هنا هي الإبل بعينها ، وليس شيء يحمل عليه وهو بارك إلا الإبل ، وفي ذلك آية . وقال المبرد : وقيل : الإبل : القطع العظام من السحاب . ثم قال تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ } . أي : ذكر - يا محمد - عبادي بآياتي ، فإنما أرسلت مذكرا لهم . { لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } . أي : بمسلط ولا بجبار تجبرهم على الإيمان . ومصيطراً : أصله السين ، وهو مأخوذ من السطر . وقيل : الآية منسوخة بقوله : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] وهو قول ابن زيد . وقيل : هي محكمة ، لأنهم إذا أسلموا تركوا على جملتهم ، ولم يسلط عليهم . قال جابر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أُمِرتَ أَن أقاتِلَ الناسَ حَتّى يَقولوا لا إِلَهَ إلاّ الله ، فَإذا قالوا لا إِلَهَ إِلاّ الله عَصَمُوا مِنّي دِماءَهُم وَأَموالَهُم إِلاّ بِحقّها وَحِسابُهُم عَلى الله . ثم تلا { فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ } " . قال ابن عباس : { بِمُصَيْطِرٍ } بجبار . ثم قال تعالى : { إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } . أي : فذكر يا محمد قومك إلا من تولى عنك فأعرض عن الإيمان وكفر فيكون هذا استثناء من الذين كان التذكير فيهم ، فيكون في موضع نصب . وقيل : الاستثناء منقطع مما قبله . والمعنى : لست عليهم { بِمُصَيْطِرٍ } إلا من تولى وكفر بعد ذلك ، فإنك ستسلط [ عليه ] إن أسلم أو السيف . والاستثناء المنقطع [ تعتبره ] أبداً بأن [ تحسن ] " إن " معه ، فإذا حسنت جاز أن يكون منقطعاً ، وإذا لم تحسن كان متصلا صحيحا . يقول القاتل : " سار القوم إلا زيدا " ، فلا يحسن دخول " إن " هنا ، ( لأنه ) استثناء صحيح . ثم قال تعالى : { فَيُعَذِّبُهُ ٱللَّهُ ٱلْعَذَابَ ٱلأَكْبَرَ } . وهو عذاب جهنم في الآخرة . ثم قال تعالى : { إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ } أي : رجوعهم في الآخرة . { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ } أي : ( علينا ) حساب أعمالهم [ فنجازيهم ] ( بها ) فالله ( هو ) المحاسب المعاقب لهم وأنت - يا محمد - مذكر مبلغ عن ربك إليهم .