Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 117-118)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ } ، إلى قوله : { هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } . قوله : { مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } ، رفع القلوب عند سيبويه بـ : { يَزِيغُ } ، و { كَادَ } ، فيها إضمار الحديث . ويجوز أن ترفع القلوب بـ : { كَادَ } ، ويكون التقدير : من بعد ما كاد قلوب فريق منهم تزيغ . وقال أبو حاتم : من قرأ : { يَزِيغُ } بالياء ، لا يجوز أن يرفع القلوب بـ : { كَادَ } ، وهو جائز عند غيره على تذكير الجمع . والمعنى : لقد رزق الله رسوله الإنابة إلى أمره ، ورزق المهاجرين وذراريهم وعشيرتهم الإنابة إلى أمره ، ورزق الأنصار ذلك ، { ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ } وهي غزوة تبوك ، خرجوا في حر شديد ، فاشتد عليهم العطش ، فكانوا ينحرون إبلهم ، ويعصرون كروشها ، ويشربون ماءها ، فهي العسرة التي لحقتهم ، قال ذلك عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ، فسأل أبو بكر النبي عليه السلام ، أن يدعو ، فدعا ، فأمطروا فشربوا وملأوا ما معهم . قال عمر : ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر . وكانوا أيضاً في قلة من الظَّهر وقلة من مال . قال مجاهد : أصابهم جَهْد شديد ، حتى إنَّ الرجلين يشقان التمرة بينهما . وقوله : { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ } . أي : ليثبتوا على التوبة ، كما قال : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ } [ النساء : 136 ] ، أي : اثبتوا على الإيمان . وقيل : المعنى : ثم فسح عليهم ، ولم يعجل عقابهم ليتوبوا . وقيل المعنى : ثم وفقهم الله للتوبة . يقال : " تاب الله عليه " ، أي : دعاه إلى التوبة ، و " تاب عليه " ، أي : وفقه للتوبة ، و " تاب عليه " قَبِل توبته . وقوله : { وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } [ التوبة : 106 ] . أي : وإما يوفقهم للتوبة . وأصل التوبة في اللغة ، الرجوع عما كان عليه . وهي تكون بثلاث شرائط : الندم على ما كان منه ، والإقلاع عن المعصية ، وترك الإصرار . { وَٱلأَنصَارِ } وقف . ثم قال : { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ } . أي : وتاب على الثلاثة الذين خُلِّفُوا ، فلم يفعلوا فعل أبي لُبابة وأصحابه ، إذ ربطوا أنفسهم في السواري ، وقالوا : لا نَطْعم ولا نَحُل حتى يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو الذي يحلنا بتوبة من الله والثلاثة هم الآخرون الذين أرجأ أمرهم المؤمنون ، فقال قوم : هلكوا ، وقال قوم : عسى الله أن يتوب عليهم . قال عكرمة وقتادة : خُلِّفُوا عن التوبة . وقرأ عكرمة : " خَلَفُوا " أي : أقاموا بِعَقِبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال محمد بن عرفة نفطوية : خلفوا عن أن يكونوا منافقين ، ويعتذروا فيعذروا ؛ لأنهم صدقوا ، ولم يأتوا بعذر كذب . وقرأ جعفر بن محمد : " خَالَفُوا " . قوله : { حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } . أي : بسعتها ، غمًّا منهم وندماً على تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ } . أي : بما نالهم من الكرب { وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ } ، أي : أيقنوا أنه لا ملجأ من الله ، أي : لا مهرب ، ولا مستغاث منه ، { إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ } ، أي : لينيبوا إليه ، ويرجعوا إلى طاعته ، { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } أي : هو الوهّاب لعباده الإنابة إليه ، { ٱلرَّحِيمُ } ، بهم ، أن يعاقبهم بعد التوبة على ما سلف منهم قبل / التوبة . والثلاثة هم : كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومُرارة بن ربيعة ، كلهم من الأنصار . وفي رواية : مُرارة بن الربيع . وفي أخرى : مُرارة بن ربْعي . وقال ابن جبير : ربيعة بن مرارة ، وهلال بن أمية ، وكعب بن مالك . وكان قد تخلف عن رسول الله عليه السلام ، في غزوة تبوك بضع وثمانون رجلاً ، فلما رجع أتاه قوم ، منهم الثلاثة الذين ذكروا في الآية ، فصدقوه حديثهم واعترفوا بذنوبهم ، وأتاه الباقون ، فكذبوا وحلفوا واعتذروا ، فوكل أمرهم إلى الله عز وجل ، وقال لأولئك الذين صدقوا : قُوما حتى يقضي الله فيكم ، فنزل القرآن بتوبتهم ، فقال : { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ } ، الآية [ التوبة : 102 ] ، وقال : { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ } ، الآية . قال كعب بن مالك : أتى ، المخلفون فاعتذروا ، فقبل منهم النبي صلى الله عليه وسلم ، ووكل سرائرهم إلى الله ، عز وجل ، وجئت إليه فرأيته يبتسم تبسم المُغْضَب ، ثم قال تعالى ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، وكنت لما سمعت بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حضرني بَثِّي على التخلف ، فطفقت أتذكر الكذب ، وأقول : بما أخرج من سخطه غداً ؟ فلما قدم النبي عليه السلام ، زال عني الباطل حين عرفت أني لم أنج منه بشيء أبداً ، فلما جلست بين يديه ، قال لي : ما خَلَّفك ؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟ قال : فقلت : يا رسول الله والله إنِّي لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا ، لرأيت أني سأخرج من سَخَطِه بعذر ، لقد أُعطيت جدلاً . ولكني والله لقد علمت أني لئن حدثتك اليوم بحديثٍ كذبٍ ترضى به عني ، ليوشكنّ الله أن يسخط علي ، ولئن حدثتك حديث صدق ، وتجد علي فيه ، إني لأرجو عفو الله ، والله ما كان لي عذر ، والله ما كنت قَطُّ أقوى ولا أيْسَر مني حين تخلفت عنك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمَّا هذا فقد صدق ، قم حتى يقضي الله فيك . فقمت ، وفعل رجلان مثل ما فعلت ، وكانا قد شهدا بدراً ، فكان لي فيهم أُسوة . وأخذ الناس يقولون : ألا اعتذرت كما اعتذر غيرك ، ثم تستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزالوا بي ( حتى ) كدت أرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأُكذِّب نفسي . ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن كلامنا الثلاثة من بين من تخلف عنه . فاجتنبنا الناس وتغيّروا لنا ، حتى تنكرت إلى نفسي الأرض ، فما هي بالأرض التي كنت أعرف . فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ، فأمَّا صاحباي فاستكَنَّا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشَبَّ القوم وأجلَدهم ، فكنت أخرج فأشهد الصلاة ، وأطوفُ الأسواق ، ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في مجلسه ، فأسلم عليه بعد الصلاة ، فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام ؟ ثم أفكر في غيره ، ثم أبكي قريباً منه وأسارقه النظر ، فإذا أقبلتُ على صلاتي نظر إلي ، وإذا التفت نحوه أعرض عنِّي ، ثم أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، باعتزال أهلي عند تمام أربعين ليلة في حديث طويل . فلم يزل حتى نزلت توبته بعد خمسين ليلة مع توبة صاحبيه .