Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 122-123)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } إلى قوله : { مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } . المعنى : لم يكن لهم ليفعلوا ذلك ، فظاهره خبر ومعناه نهي ، أي : ما كان لهم أن يفعلوا ذلك ، أي : لا يفعلوه ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بعث قوماً ، ليعلموا الناس الإسلام ، فلما نزل قوله : { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } ، الآية ، رجع أولئك من البوادي إلى النبي عليه السلام ، خشية أن يكونوا ممن تخلف عنه . فأنزل الله ، عز وجل ، عذرهم : { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } ، وكره انصرافهم من البادية إلى المدينة ، قال ذلك مجاهد . ثم قال تعالى : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } ، هَلاَّ أتى للخروج من هؤلاء الذين يعلمون الناس { مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } ، ويبقى الباقون ليتفقه أهل البوادي في الدين { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ } ، أي : يخبرونهم بما تعلموا { لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } ، مخالفة أمر الله ، سبحانه . وقال ابن عباس المعنى : ما كان المؤمنون لينفروا في غزوهم جميعاً ، ويتركوا نبيهم عليه السلام ، { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } ، يعني : السرايا ، فلما رجعت السرايا ، ونزل بعدهم قرآن ، تعلمه القاعدون من النبي عليه السلام ، قالوا للسرايا : إن الله عز وجل ، قد أنزل على نبيكم عليه السلام ، قرآنا بعدكم / وقد تعلمناه . فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل بعدهم ، ويمضي الآخرون الذين كانوا مقيمين للسرايا ، فذلك قوله : { لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ } . فمعنى الكلام : فهلاَّ نفر من كل فرقة طائفة لتيفقه المتخلفون في الدين { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ } ، أي : ليعلم القاعدون القادمين من السرايا ما تعلموا في مغيبهم ، وهو قول قتادة . وقال : هذا في الجيوش أمرهم الله [ أن ] لا يُعَرُّوا نبيهم عليه السلام ، وأن تقيم طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تتفقه في الدين وتنطلق طائفة تدعو قومها إلى الله سبحانه ، فإذا رجعوا علمهم المقيمون ما نزل بعدهم . ومثل ذلك قال الضحاك . وعن ابن عباس أيضاً : أنها ليست في الجهاد ، ولكن لما دعا النبي عليه السلام ، [ على مُضر ] بالسنين أجدبت بلادهم ، فكانت القبيلة منهم تُقبل بأسرها إلى المدينة يعتلون في إقبالهم بالإسلام وليس كذلك ، إنما بهم الجَهْد الذي نزل بهم ، فأخبر الله ، عز وجل ، نبيه عليه السلام ، أنهم ليسوا من المؤمنين ، وأنهم لو كانوا مؤمنين ما أتوا بأجمعهم ، ولكن يأتي بعضهم يتفقه في الدين ، ويعود فينذر من بقي لعله يحذر ما حرم الله سبحانه ، فإتيانهم بجماعتهم يدل على أنهم إنما أتوا من أجل الجَهْد لا من أجل الإيمان . وقال عكرمة : إنما هو تكذيب للمنافقين ، وذلك أنه لما نزل : { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ } ، الآية ، قال المنافقون : هلك من تخلف ، فألحقوا من عذره الله في التخلف بمن لم يعذره الله سبحانه ، فأنزل الله عز وجل ، عذراً ثانياً لمن تخلف من الأعراب بعذر ، فقال { وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً } . وقال الحسن : المعنى ، لتتفقه الطائفة الغائبة ، بما يؤيدهم الله عز وجل ، من الظهور على المشركين ، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم . أي : يخبر الغائبون في الجهاد الحاضرين ، بما فتح الله عز وجل ، عليهم فيزداد إيمانهم ، وهو اختيار الطبري . قال : تتفقه الطائفة النافرة بما ترى من نصر الله عز وجل ، { وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ } أي : يخبرونهم بما فتح الله سبحانه عليهم فيحذرونهم أن ينزل بهم بأس الله ، سبحانه . فـ : " قومهم " على هذا القول : من بقي من أهليهم مشركين ، يحذرونهم ليؤمنوا ، وهو قول الحسن . وهذه الآية دليل على جواز قبول خبر الواحد . وقد رُوي : أنها نزلت في أعرابٍ قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، المدينة فَعَلَوْا الأسعار ، وملأوا الطرق بالعَذِرَة فنزلت : { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ } . ثم قال تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ } . والمعنى : أنَّها تحضيض من الله ، عز وجل ، للمؤمنين ، أن يبدأوا بقتال الأقرب فالأقرب من الكفار ، والغلظة عليهم . والمراد به يومئذ : الروم ، لأنهم كانوا سكاناً بالشأم ، والشأم أقرب إلى المدينة من العراق . والفرض على أهل [ كل ] بلد أن يقاتلوا من يليهم دون الأبعد منهم ، إلا أن يضطروا إلى ذلك ، فيقاتلون الأبعد دون الأقرب . وقد سئل ابن عمر عن قتال الروم والدَّيْلَم . فقال : الروم أولى . وكذلك قال الحسن . قوله : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } . أي : وأيقنوا أن الله عز وجل ، معكم عند قتالكم لهم ما اتقيتموه .