Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 40-40)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِلاَّ تَنصُرُوهُ } ، الآية . { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } : نصب على الحال . وقال علي بن سليمان : نصبه على المصدر ، والمعنى { إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، فخرج { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ } . مثل : { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ [ مِّنَ ٱلأَرْضِ [ نَبَاتاً ] } [ نوح : 17 ] … ومعنى الآية : أنها إعلام ] من الله لأصحاب النبي عليه السلام ، أن الله ، عز وجل ، قد تكفل بنصره على أعدائه في كل وقت ، وحين : { أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني : قريشاً ، مفرداً مع صاحبه أبي بكر ، { إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ } ، يعني [ النبي ] عليه السلام ، يقول لأبي بكر : { لاَ تَحْزَنْ } ، ذلك أن أبا بكر خاف من أن يعرف مكانه ، فمكث النبي عليه السلام ، وأبو بكر في الغار ثلاثة أيام . والغار بجبل يسمى : " ثوراً " . وكان عامر بن فهيرة في غنم لأبي بكر بـ : " ثور " هذا ، يروح بتلك الغنم على النبي صلى الله عليه وسلم ، بالغار ، وكان أبو بكر قد أرسله بتلك الغنم إلى " ثور " قبل خروجه مع النبي صلى الله عليه وسلم عدة . قال أبو بكر رضي الله عنه : " بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، [ في الغار ] وأقدام المشركين فوق رؤوسنا ، فقلت : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم الله ، لو أن أحدهم رفع قدمه أبصرنا ، قال : " يَا أَبَا بَكْرٍ ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَينِ اللهُ ثَالِثُهُما " " . والمعنى : الله ثالثهما ، بالحفظ والكلاءة والمنع منهما . وفي فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا مع أبي بكر سُنّةٌ لكل من خاف من أمر لا قوام له به ، أن يفر منه ، ولا يُعرّض نفسه إلى ما لا طاقة له به ، اتباعاً لفعل نبيه ، عليه السلام ، ولو شاء الله ، عز جل ، أن يسكنه معهم ، ويُعمي أبصارهم عنه لفعل ، ولو شاء لمشى بين أيديهم ولا يرونه ، ولو شاء أن يهلكهم بما أرادوا أن يفعلوا لفعل ، ولم يكن ذلك عليه عزيزاً ، ولكن أراد [ الله ] تعالى ، أن يبلغ الكتاب أجله ، ولتستنَّ بفعله صلى الله عليه وسلم ، أمتُه بعده . وفي فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر دليلٌ على فساد قول من قال : من خاف شيئاً سوى الله عز وجل ، لم يوقن بالقدر . فحذر أبي بكر من أن يراهم المشركون دليل على الحذر من قدر الله ، عز وجل ، لم يوقن بالقدر . فقال ذلك ، رضي الله عنه ، إشفاقاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن يُنَالَ بأذى أو يُفْتَنَ هو في دينه إن قدر عليه ، فخف من ذلك ، مع علمه أنّ الله عز وجل ، بالغ أمره فلي كل ما أراد . وقال الله حكاية عن موسى ، عليه السلام . { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىٰ } [ طه : 67 ] { قُلْنَا لاَ تَخَفْ } [ طه : 68 ] . وقوله : { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } . أي : [ على ] أبي بكر ، والنبي عليه السلام ، لم تفارقه السكينة قط . والسكينة : الطمأنينة من السكون . وقد قيل : إنَّ " الهاء " تعود على النبي صلى الله عليه وسلم . والأول أحسن ؛ لأن النبي عليه السلام ، معصوم من ذلك ، على أنه قد قال تعالى : { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الفتح : 26 ] ، وذلك أن النبي عليه السلام ، خاف على المؤمنين يوم حنين لما اضطربوا ، فلما أيد الله عز وجل ، المؤمنين بنصره ، سكن خوف النبي / صلى الله عليه وسلم ، عليهم . وقوله : { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } . " الهاء " عائدة على النبي صلى الله عليه وسلم . أي : قوّاه بالملائكة . { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ } . أي : قهر الشرك وأذله . { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا } . أي : كذلك هي ، ولم تزل كذلك . وقرأ علقمة ، والحسن ، ويعقوب : " وكلمة الله " بالنصب ، وهو بعيد من وجوه . أحدهما : أن الرفع أبلغ ؛ لأنها لم تزل كذلك ، والنصب يدل على أنها جُعلت كذلك بعد أن لم تكن علياً . وَبَعيدٌ أيضاً : من أنه يلزم أن يقال : " وَكَلِمَتَهُ هي العُلْيَا " ، لأنه لا يجوز في الكلام : " أَعْتَقَ زَيْدٌ غُلاَمَ أبي زَيْدٍ " والثاني هو الأول . وزعم قول إن إظهار الضمير في هذا حسن ؛ لأنّ فيه معنى التعظيم ، ولأن المعنى لا يشكل ، وليس بمنزلة زيد ونحوه الذي يشكل ، قال : وهو مثل ما أنشد سيبويه : @ لاَ أَرَى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيْءٌ … @@ ومثل : { إِذَا زُلْزِلَتِ ٱلأَرْضُ زِلْزَالَهَا } [ الزلزلة : 1 ] { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] . { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } . أي : عزيز في انتقامه من أهل الكفر ، { حَكِيمٌ } ، في تدبيره . قال نافع : { فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ } ، وقف ، وهو بعيد ، لأن { إِذْ } ، قد عمل فيها : { نَصَرَهُ } . { ٱلسُّفْلَىٰ } ، وقف حسن إن رفعت { وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ } ، وإن نصبت ، كان الوقف : { ٱلْعُلْيَا } . { وَجَعَلَ } في هذا الموضع بمعنى : " صيَّر " ويلزم المعتزلة أن يجعلوها بمعنى " خَلَقَ " وهم لا يفعلون ذلك . لأنهم يقولون : كفر الكافر ليس بخلق الله عز وجل ، ثم يقولون في قوله : { جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [ الزخرف : 3 ] ، معناه : خلقناه ، فيجعلون " جعل " بمعنى " خلق " في هذا الموضع ، ويمتنعون منه في هذا الموضع الآخر . و " جعل " يكون : بمعنى " صَيّرَ " . وبمعنى : " سَمَّى " . وبمعنى " خَلََقَ " . فإذا كانت بمعنى : " صَيَّرَ " تعدت إلى مفعولين وكذلك إذا كانت بمعنى : " سمّى " كقوله : ( { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً } . وإذا كانت بمعنى : " خَلَقَ " تعدت إلى مفعول واحد ، كقوله ) : { وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ } . وقوله : { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } [ المؤمنون : 50 ] هي بمعنى : " صيَّر " تعدت إلى مفعولين وهما : { ٱبْنَ } ، و { آيَةً } . و { كَلِمَةُ ٱللَّهِ } ، في هذا الموضع : لا إله إلا الله .