Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 90, Ayat: 1-10)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } إلى قوله : { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } . قال الأخفش : " لا " صلة ، وأجاز أن تكون بمعنى " ألا " . وقد قيل : إن " لا " رد لكلامهم . ثم ابتداء : ( أقسم ) بهذا البلد ، وهو قول مجاهد والمعنى : أقسم يا محمد بهذا البلد الحرام ، وهو مكة ، وهو قول أكثر المفسرين . وقيل : " لا " غير زائدة - والمعنى أن الله جل ذكره يقول لنبيه : لا أقسم بهذا البلد بعد خروجك منه . ثم قال تعالى : { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } . يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، ( أي ) : وأنت حلال يا محمد بهذا البلد تصنع فيه [ ما شئت ] من قتل من أردت قتله وأسر من أردت أسره ، [ ما شئت من ذلك مطلق لك ] ، يقال : حل وحلال بمعنى . قال ابن عباس : { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } يعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، أحل ( الله ) ( له ) يوم دخل مكة أن يقتل من شاء ويستحيي من شاء ، فقتل ابن خطل يومئذ صبراً وهو آخذ بأستار الكعبة . ولم يحل لأحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتل فيها ( أحداً ) . قال مجاهد : { وَأَنتَ حِلٌّ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } ، أحل لنبيه أن يصنع ما شاء فيها . [ وقال ] ابن زيد : لم يكن [ بها أحد ] حلالاً غير النبي صلى الله عليه وسلم ، كان كل من كان [ بها ] . حراماً ، لم يحل لهم أن يقاتلوا فيها ولا يستحلوا حرمة فأحله الله جل وعز لرسوله ، فقال المشركين ( فيه ) . وقال عطاء : إن الله حرم مكة لم تحل لنبي إلا لنبيكم ساعة من نهار . ثم قال تعالى : { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } . قال مجاهد : الوالد : آدم عليه السلام ، وما ولد : ولده . وهو قول قتادة وأبي صالح والضحاك وسفيان . وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : " الوالد : الذي [ يلد ] . { وَمَا وَلَدَ } : العاقر الذي لا يولد له " فهو عام . وقال أبو عمران الجوني : عنى بذلك إبراهيم عليه السلام وولده . وعن ابن عباس أيضاً أن الوالد : من ولد له ، و ( ما ولد ) : ولده . فهو عام أيضاً على هذا القول ، كأنه قال : ووالد وولادته ، وهذا اختيار الطبري . ثم قال تعالى : { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } . هذا جواب القسم والمعنى : لقد خلقنا ابن آدم من شدة [ وعناء ] ونصب . قال قتادة : { فِي كَبَدٍ } : في مشقة لا تلقى ابن آدم إلا يكابد أمر الدنيا والآخرة . قال الحسن : " لم يخلق الله خلقاً يكابد ما يكابد ابن آدم وعن ابن عباس أيضاً : ( في كبد ) : " في شدة معيشته وحمله وحياته ونبات أسنانه " . وقال سفيان : { فِي كَبَدٍ } : خروج أسنانه . وعن ابن عباس أيضاً : { فِي كَبَدٍ } : في انتصابه ، خلق معتدل القامة منتصباً . وعنه قال : خلق ابن آدم مستوياً ، وخلق كل دابة على أربع . وقال عبد الله بن شداد : { فِي كَبَدٍ } : معتدل القامة . وقاله أبو صالح . وقال الضحاك : { فِي كَبَدٍ } : " خلق منتصباً على رجلين لم تخلق دابة على خلقه " . وقال الحسن : { فِي كَبَدٍ } : يكابد [ مضايق ] الدنيا وشدائد الآخرة . وقال مجاهد : { فِي كَبَدٍ } ، يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم … ، ( فلا يزال ) في مكابدة . وقال ابن زيد : { فِي كَبَدٍ } في السماء ، خلق آدم في السماء . ثم قال تعالى : { أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ } . يروى أنها نزلت في رجل [ بعينه ] من بني جمح كان يدعى [ أبا الأشدين ] ، وكان شديداً قوياً . يروى أنه كان يأخذ الأديم فيجعله تحت قدمه ويجذبه ( عشرة ) حتى يتمزق ولا تزول قدماه ، وكان معادياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فالمعنى : أيحسب هذا القوي أن لن يقهره أحد ؟ ! فالله غالبه . ثم قال : { يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً } . أي : يقول هذا القوي : أنفقت مالاً كثيراً في عداوة محمد ، وهو كاذب في قوله . واللبد : الكثير من التلبد ، وهو الكثير بعضه على بعض . قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد : اللبد : المال الكثير . وقرأ أبو جعفر : " لبداً " - ( [ بالتشديد ] ) - جعله جمع " لابد " . فأما من خفف ، فإنه جعله جمع " لبدة " . وقيل : هو واحد ، " كحطم " . وقرأ / مجاهد : " لُبُداً " - بضمتين - جعله جمع لبود . ثم قال تعالى : { أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ } . أي : أيظن هذا القائل ( إني ) أنفقت مالاً كثيراً في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم ، أن لم يره أحد في حال إنفاقه ما يزعم أنه أنفقه ؟ ! وإنما قال ذلك تندماً على أن أنفق . وقيل : قاله افتخاراً . ثم قال تعالى : { أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ } . أي : ألم نجعل لهذا القائل : " أهلكت مالاً لبداً " ، عينين يبصر بهما حجج الله عليه ، ولساناً وشفتين نعمة من الله عليه ؟ ! قال قتادة : نعم الله متظاهرة عليك ، يعرفك بها كيما تشكر . ثم قال تعالى : { وَهَدَيْنَاهُ ٱلنَّجْدَينِ } . أي : الطريقين : طريق الخير وطريق الشر ، كقوله : { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [ الإنسان : 3 ] . هذا قول ابن مسعود . وقال ابن عباس : { ٱلنَّجْدَينِ } : الهدى والضلال . وهو معنى قول مجاهد وعكرمة وابن زيد . وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . وعن ابن عباس أيضاً : { ٱلنَّجْدَينِ } : الثديين ، [ سبيل ] اللبن . وقال الضحاك ، وقاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه . والنجد في اللغة الطريق المرتفع .