Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 91, Ayat: 1-15)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } إلى آخرها . هذا قسم ، يقسم ربنا بما شاء . والتقدير : ورب الشمس . وقوله : { وَضُحَاهَا } يعني : ونهار الشمس . قاله قتادة والفراء . وهو اختيار الطبري . وكذلك قوله : { وَٱلضُّحَىٰ } [ الضحى : 1 ] ، هو عند الفراء : النهار كله . وقال مجاهد : وضحاها : " وضوءها " . والضحى عند العرب إذا طلعت الشمس بعد ذلك . وهي مؤنثة مقصورة ، فإذا ارتفع النهار قيل : الضحاء . فتح الضاد والمد مذكراً . ثم قال تعالى : { وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا } . أي : إذا اتبع الشمس . وذلك في النصف الأول من الشهر ، إذا غربت الشمس تبعها القمر طالعا . هذا قول مجاهد وغيره . وقال قتادة : { إِذَا تَلاَهَا } ، يعني " صبيحة الهلال ، فإذا سقطت الشمس رئي الهلال " . وقال ابن زيد : ( القمر ) يتلو الشمس نصف الشهر الأول ، وتتلوه النصف الآخر ، فأما النصف ( الأول فهو يتلوها وتكون أمامه وهو وراءها ، فإذا كان النصف ) الآخر كان هو أمامها يقدمها ، وتليه الشمس . وقال الفراء : تلاها : أخذ منها . يذهب إلى أن القمر أخذ من ضوء الشمس . ثم قال تعالى : { وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا } . أي : جلى الشمس بإضاءته . وقال قتادة : " جلاها " : " إذا غشيها النهار " . وقال الفراء : إذا جلى الظلمة ، أي : أذهبها بضوء ، فأضمر الظلمة في { جَلاَّهَا } ، ولم يجر لها ذكر ، وفيه بعد . وقيل : " جلاها " ، أي : جلى الدنيا . وقيل : جلى الأرض . ثم قال تعالى : { وَٱللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا } . أي : والليل إذا يغشى الشمس . وذلك حين [ تغيب ] فتظلم الآفاق . ثم قال : { وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا } . قال الطبري : " ما " بمعنى " من " ، كما قال تعالى { وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ } [ البلد : 3 ] ، فأتت ( " ما " ) في موضع " من " ، أي : ومن ولد ، لأنه أقسم بآدم وولده . وروي عن مجاهد أنه قال : { وَمَا بَنَاهَا } : الله جل وعز [ بنى ] السماء . وقال المبرد : " [ ما ] " والفعل : مصدر ، أي : والسماء [ وبنائها ] ، ومثله في الاختلاف والتقدير : { وَٱلأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا } . ( ومعنى ) : { وَمَا طَحَاهَا } : بسطها يميناً وشمالاً ومن كل جانب . وقال ابن عباس ) : " وما خلق فيها " ، " فما " - على هذا - على وجهها ، ليست بمعنى " من " ، ولا [ هي ] - مع الفعل - مصدر ، بل بمعنى : " الذي " . وقال مجاهد : { طَحَاهَا } " دحاها " . وقال ابن زيد وأبو صالح : { طَحَاهَا } " بسطها " . وعن ابن عباس أيضا : { طَحَاهَا } " قسمها " . ثم قال تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } . أي : ومن سواها ، يعني نفسه جل ذكره ، لأنه سوى النفس فخلقها فعدل خلقها ، ويجوز أن تكون [ ما ] والفعل مصدراً أي : ونفسي وتسويتها . ثم قال تعالى : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } . [ أي ] : فبين لها ما ينبغي أن تأتي [ وتذر ] من خير أو شر . وقال ابن عباس : " بين الخير والشر " ، وعنه : " علمها الطاعة والمعصية " . قال مجاهد : { فَأَلْهَمَهَا } : " عرفها " . وقال قتادة : / بين لها ذلك وقال الضحاك وسفيان : " بين لها الطاعة والمعصية " . [ وقال ] ابن زيد : معناه : " جعل فيها فجورها وتقواها " . ( و ) عن النبي عليه السلام : " من كان الله خلقه لإحدى المنزلين [ يهيئه ] ( لها ) . يريد السعادة والشقاء ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : وتصديق ذلك في كتاب الله جل وعز : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } " وهذا فيه أعظم حجة على القدرية أن كل امرئ ميسر لما قدر عليه قبل أن يخلق ، فمن كان قد قضى الله له السعادة يسر إلى عمل أهل السعادة ، ومن كان ( قد ) قضى ( الله ) له بالشقاء يسر إلى عمل أهل الشقوة ، ولا يكون [ ذلك منه ] ظلماً لخلقه ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، قد علم قبل خلقهم ما هم عاملون ، فخلقهم على ما تقدم من علمه بهم فجاؤوا على مثل ذلك : مؤمن وكافر ، وشقي وسعيد . ثم قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا } . أي : قد نجا وفاز من زكى نفسه فطهرها ونماها بالإيمان والعمل الصالح ، والزكاة أصلها النماء والزيادة . وهذا جواب القسم على تقدير حذف اللام ، أي : لقد أفلح من زكاها ، وهو قول الأخفس . والتمام عنده على { زَكَّاهَا } . وقيل : إنه لا تقدير حذف في هذا ، وهو جواب القسم بغير لام على التقديم والتأخير ، ( والتقدير ) : قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ، والشمس وضحاها ، كما تقول : " قد نام زيد ، والله ، قد خرج الأمير ، والله ، وهذا قول أبي حاتم . و ( قد ) قيل : معنى الآية : قد أفلح من زكى الله نفسه . قاله ابن زيد وابن أبي طلحة وفيه بعد في العربية ، لأنه لا يعود على " من " [ شيء ] لصلتها ، لأن الضمير المرفوع في " زكى " : " الله " ، والهاء للنفس ، ويبعد أن تجعل " من " ( للنفس ، ولكن يجوز ذلك على حيلة ، وهي أن تجعل " من " ) للفرقة أو الطائفة ونحوها ، فتكون الهاء في " زكاها " تعود على " من " على المعنى ، [ فيكون المعنى ] : قد أفلحت الفرقة التي [ طهرها ] الله للتوفيق لطاعته . والأول هو قول عكرمة وقتادة ، وهو حسن ، لا يحتاج إلى حيلة ، يكون الضمير في " زكى " يعود على " من " ، والهاء تعود على النفس والتقدير : قد أفلح الإنسان الذي طهر نفسه بالعمل الصالح . وقوله تعالى : { وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا } . أي : وقد خسر النجاء والفوز من دسى نفسه بالعمل الخبيث والكفر ، فوضع منها وأوردها غضب الله . وقيل : معناه وقد خسر من [ دسى ] الله نفسه فخذله حتى مات على كفره . وتكون " من " ( أيضاً ) - على هذا القول - للفرقة أو الطائفة لتعود الهاء على " من " . وأصله : [ دسها ] ، لأنه من دس [ ودست ] ، ولكن أبدل من إحدى السينين ياء ، كما قالوا : " قصَّيت أظفاري " ، بمعنى : قصصت . وكما قالوا : [ " تظنيت هذا الأمر " بمعنى : تظننته ] . وكما قال العجاج : تَقَضيِّ البازي إذا البازي كسر . يريد : تَقَضُّضَ البازي ، فأبدل من الضاد الثانية ياء ، وكسر الأولى لتصح . وقال آخر : رأت رجلاً أيما إذا الشمس عارضت . ( يريد " أما " ، فأبدل من الميم الأولى ياء ) . ثم قال تعالى : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ } . أي : كذبت ثمود - وهم قوم صالح - بطغيانهم ، أي : بعذابهم الذي أوعدهم به صالح . وسمي العذاب طغياناً ، لأنه طغى عليهم وعتا فأهلكهم كما قال : { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } [ الحاقة : 5 ] . [ أي : بالعذاب الذي اسمه الطاغية ] . ودل على ذلك قوله بعد ذلك : { وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } [ الحاقة : 6 ] ، فذكر العذاب الذي عذب به [ الإنسان ] ، وسماه . قال ابن عباس : اسم العذاب إلى جاء ثمود : الطغوى ، ( فقال : كذبت ثمود بعذابها ، وتقديره : بعذاب ) طغواها . وقال محمد بن كعب القرظي : معناه : كذبت ثمود بعصيتهم الله . فيكون " طغوى " بمعنى : طغيان ، وهما مصدران ، لكن أتى هنا على [ فعلى ] ، لأنه أشبه برؤوس الآتي . وعنه أيضاً : [ أن ] معناه : كذبت ثمود بأجمعها . رواه ابن وهب عنه . ثم قال تعالى : { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } . أي : إذ ثار أشقى ثمود ، وهو قدار بن سالف . وحكى الفراء أن { أَشْقَاهَا } [ لاثنين ] ، قدار وآخر ، وشبهه بقول ( الشاعر ) : @ ألا بكر " النَّاعي " ، [ بخير ] بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد @@ فقال " بخير " ، ثم أتى باثنين ، وشبهه ( بقولهم ) : " هذان أفضل الناس ، وهذان خيرُ الناس . وفي هذا بعد / لأن ظاهر الخطاب لا يخرج على حده إلا بدليل ، ولا دليل في الآية ( يدل ) على أنهما اثنان . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خبر صالح وناقته : " انتدب لها رجل " ولم يقل : رجلان . وقال في خطبة ( له ) إذا ذكر الناقة والذي عقرها - قال : { إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا } ، انبعث لها رجل عزيز عارم ممنع في رهطه مثل أبي زمعة . قال قتادة : " إذا انبعث أشقاها " " احيمر ثمود " . ثم قال تعالى : { فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا } . أي : احذروا ناقة الله وسقياها ، أي : [ لا تؤذوها ] ولا تحولوا بينها وبين شربها لكم يوم ، ولها يوم . قال قتادة : " ناقة الله وسقياها " أي : " [ قسم ] الله الذي قسم لها من هذا الماء " . قال تعالى : { فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا } . أي : فكذبوا صالحاً في الخبر الذي أخبرهم عن الله أن للناقة شرب ، يوم ، ولهم شرب يوم ( معلوم ) ، وأن الله ينزل بهم نقمته إن عقروها ، وذلك أنهم كانوا سلموا للناقة شرب يوم ولهم شرب يوم ، ثم بدا لهم فكذبوا صالحاً في ما قال لهم ، وأجمعوا على عقرها ومنعها الشرب ، وعن رضاء جميعهم عقرها من عقرها ، فلذلك نسب العقر إلى جميعهم ( وإن كان عاقرها واحد . ، لأنهم لما رضوا بذلك كانوا كالفاعلين له فنسب التكذيب والعقر إلى جميعهم ) . ثم قال تعالى : { فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا } . أي : فسوى الدمدمة عليهم جميعاً فلم يفلت منهم أحد . ودل " دمدم " على الدمدمة . وقال الفراء : { فَسَوَّاهَا } [ أي ] : فسوى بينهم العقوبة ، فلم يبق منهم أحداً ، ومعنى " دمدم " : دمر . وقال الفراء : أرجف . وذنبهم : هو تكذيبهم لصالح وعقرهم للناقة ، ووحدة ، لأنه مصدر . قال قتادة : ذكر ( لنا ) أن أحيمر ( ثمود أبى ) أن يعقر الناقة حتى بايعه صغيرهم وكبيرهم ، وذكرهم وأنثاهم ، فلما [ اشترك ] القوم في عقرها ، دمدم الله عليهم بذنبهم فسواها . وقال الحسن : " لما عقروا الناقة طلبوا فصيلها ، فصار في قارة الجبال ، فقطع الله عز وجل قلوبهم " . ثم قال تعالى : { وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا } . أي : فلا يخاف الله تبعة دمدمته عليهم ، قال ابن عباس : " لا يخاف الله من أحد تابعة " . وقال الحسن : ذلك ربنا لا يخاف منهم تبعة فيما صنع بهم . وهو قول مجاهد . [ فالضمير ] في " يخاف " لله جل ذكره . وقال الضحاك : معناه : [ فلم يخف الذي عقرها عقبى فعله . وهو قول السدي . فالضمير في " يخاف " للعاقر . وقال إبراهيم بن عرفة : من قرأ بالفاء : " فلا يخاف " فالضمير في " يخاف " : الله ، [ لا غيرة ] . ومن قرأ : " ولا يخاف " ، بالواو ، فالضمير للعاقر . وقال غيره : يجوز أن يكون لله أيضاً على قراءة من [ قرأ ] بالواو ، فإذا جعلته للعاقر لم تقف على { فَسَوَّاهَا } ، وإذا جعلته لله ، وقفت على { فَسَوَّاهَا } ، وكذلك [ يقف ] على { فَسَوَّاهَا } من قرأ بالفاء ، لأن الضمير لله جل ذكره .