Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 96, Ayat: 1-19)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } إلى آخر السورة . أي : اقرأ يا محمد بذكر ربك الذي خلق - ثم بين ما خلق ، فقال : { خَلَقَ ٱلإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ } . أي : من الدم والمراد : من علقة . " وعلق " جمع " علقة " ، فجمع : لأن الإنسان بمعنى الجماعة . ومعنى الباء اللزوم ، أي : الزم القراءة بذكر ربك . ثم قال : { ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلأَكْرَمُ } أي : الأكرم من كل شيء . روى الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " أول ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي : الرؤيا [ الصادقة ] ، كانت تجيء مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، فكان بِحَراء يَتَحَنَّثُ فيه اللَّيَالي ذَواتِ العَدَدِ قبل أن يَرْجِعَ إلى أَهْلِهِ فَيَتَزَوَّدُ لمثلها حَتَّى [ فَجِئَهُ ] الحقَّ فَأَتَاه ، فقالَ : يا مُحَمَّدُ ، أنتَ رسولُ الله . قالَ رسولُ الله : فَجَثَوْتُ لِرُكْبَتَيَّ وأنا قائِمٌ ثُمَّ رَجِعْتُ يَرْجِفُ فُؤَادِي ، ثُمَّ دَخَلْتُ - يريد على خديجة - فَقُلْتُ : زَمِّلُوني ، زَمِّلُوني ، حتى ذهب عني الروع ثم أتاني فقال : يا محمد ، أنت رسول الله . ( قال ) : فلقد هممت أن أطرح نفسي من حالق من جبل ، فتبدى لي حين هممت بذلك فقال : يا محمد ، أنا جبرائيل ، وأنت رسول الله ، ثم قال : اقرأ . قلت : ما أقرأ ؟ فأخذني [ فغطني ] ثلاث مرات حتى بلغ مني الجهد ، ثم قال : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } فقرأت ، فأتيت خديجة فقلت : لقد أشفقت على نفسي ، وأخبرتها خبري ، فقالت : أبشر ، فوالله لا يحزنك الله أبداً . والله إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتؤدي الأمانة ، وتحمل الكل ، وتقري الضيف ، وتصبر على نوائب الحق . قال : ثم انطلقت بي خديجة إلى ورقة بن نفل بن أسد فقالت : اسمع من ابن أخيك . فسألني ، فأخبرته خبري . فقال : هذا الناموس الذي أنزل على موسى ابن عمران . ليتني أكون فيها [ جذعاً ] ، ليتني أكون حياً [ حين ] يخرجك قومك . قلت : [ أمخرجي هم ] ؟ ! قال : نعم ، إنه لم يجيء رجل قط بما جئت به إلا عودي . ولئن أدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً . ثم كان أول ما أنزل علي من القرآن - بعد " أقرأ " - { [ نۤ ] وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } . حتى قرأ ( إلى ) { فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ } ، ( و ) { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ } . { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } " . قال مجاهد وعطاء بن يسار وعبيد بن عمير وأبو رجاء [ العطاردي ] : أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم : { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ } ، كقول عائشة رضي الله عنها . والرواية أنه إنما عليه من { ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ } إلى قوله { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } ، ثم نزل باقيها بعد : { يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } [ المدثر : 1 ] و { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } [ المزمل : 1 ] . وقوله : { ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ } أي : علم خلقه الكتاب والخط . قال قتادة : القلم نعمة من الله جل وعز عظيمة ، لولا ذلك لم يتم أمر ولم يصلح عيش . ثم قال : { عَلَّمَ ٱلإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } أي : علمه الخط بالقلم وغيره ، ولم يكن يعلمه . ثم قال : { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } . قيل : " كلا " ردع ورد ، ومعناها : ما هكذا ينبغي أن يكون الإنسان ! [ ينعم ] عليه ربه بتسويته خلقه وتعليمه ما لم يكن يعلم ثم يكفر به ! ثم بين كفره من أين أتاه ، فقال : { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } . أي : إن الإنسان إذا أحس بالغنى طغى واستكبر وكفر . فيوقف على " كلا " [ على ] هذا التأويل . قال ابن مسعود : منهومان لا يشبعان : طالب علم ، وطالب دنيا . فأما طالب العلم فيزداد خيفة . قال الله / : { إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [ فاطر : 28 ] ، وأما طالب الدنيا فيزداد طغيانا . قال الله : { كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } . ويجوز أن [ يكون ] " كلا " بمعنى : " ألا " ، فيبتدأ بها لأن المعنى الذي يكون رداً له لم يظهر لفظه في الآية ، [ فيبعد ] أن [ تكون ] ردا لما ( لم ) ينص قبلها . [ " ورأى " ] هاهنا من رؤية القلب ، دل على ذلك [ تعدي ] [ الضمير ] إلى المضمر ، ولو كان من رؤية العين لم يجز " رآه " ، والفاعل هو المفعول . وإنما كان يقال : " رأى نفسه " ، " كضرب نفسه " . والمفعول الثاني [ " لرأى " ] : " استغنى " . ثم قال تعالى : { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } . أي : إن إلى ربك - يا محمد - مرجع هذا الإنسان ، فذائق من أليم عقابه ما لا طاقة لا به . ثم قال : { أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْداً إِذَا صَلَّىٰ } . روي أن هذه الآية نزلت في أبي جهل بن هشام ، وذلك أنه قال : لئن رأيت [ محمداً ] يصلي عند المقام لأَطَأَنَّ رقبته . وكان ينهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطي . فالمعنى : أرأيت يا محمد أبا جهل الذي ينهاك عن الصلاة ؟ ! يعجب نبيه من جهل أبي جهل وجرأته . هذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وقتادة . قال قتادة : كان يقال : لكل أمة فرعون وفرعون هذه الأمة أبو جهل . والجواب محذوف ( لعلم [ السامع ] . فالمعنى والتقدير : أرأيت ، يا محمد ، الذي ينهى عبدا إذا صلى ، أمصيب هو ، أم هو آمن من العقوبة ؟ ! والمعنى عند سيبويه : أخبروني عن هذا . وقوله : { أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَىٰ ٱلْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } . أي : أرأيت إن كان محمد على الهدى والرشاد في صلاته لربه ، أليس الناهي هالكاً ملعوناً ؟ ! ثم قال تعالى : { أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰ } . أي : أو أمر محمد هذا الذي ينهاه عن الصلاة [ بالتقوى ] فلم يقبل منه ، أليس هو مالكاً ملعوناً ؟ ! ثم قال تعالى : { أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ } . أي : إن كذب أبو جهل بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه وأدبر فلم يصدقه . { أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ } . [ أي : ألم يعلم ] أبو جهل بأن الله يراه فيما صنع من نهيه عن الصلاة وتكذيبه وإعراضه عما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فيخاف أن تنزل به عقوبة من الله ؟ ! ثم قال تعالى : { كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ } . قيل : " كلا " رد وردع ، والمعنى : لا يتهيأ لأبي جهل أن يتم له نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاته وعبادته ربه . وقال الطبري : المعنى : ليس الأمر كما يقول إنه يطأ عنق النبي صلى الله عليه وسلم ، أي : لا يقدر على ذلك ولا يصل إليه ، فيوقف على " كلا " على تقدير التقديرين . ويجوز أن تكون " كلا " بمعنى " حقاً " . وبمعنى " ألا " ، فيبتدأ بها ، إذ ليس قبلها لفظ ظاهر تكون رداً له ، وإنما يحسن الوقوف عليها إذا كان قبلها لفظ منصوص يحسن أن يكون رداً له . والوقف عند القتبي على " كلا " ، وعند أبي حاتم : " يرى " ، وهو الوجه الظاهر . وقوله : { لَئِن لَّمْ يَنتَهِ } تهدد ووعيد ، أي : لئن لم ينته أبو جهل عن أذى محمد { لَنَسْفَعاً بِٱلنَّاصِيَةِ } أي : [ لنأخذن ] بمقدم رأسه فلنقهرنه ( ولنذلنه ) . يقال : سفعت بيده ، إذا أخذت بها . وقيل : معناه : لنسودن وجهه ، فاكتفى بذكر الناصية من الوجه ، إذا كانت الناصية في مقدم الوجه . وقيل : معناه : لنأخذن بناصيته إلى النار ، كما قال تعالى : { فَيُؤْخَذُ بِٱلنَّوَاصِي وَٱلأَقْدَامِ } [ الرحمن : 41 ] . [ واللام ] في " لئن " : لام توطئة للقسم ، وهي من [ لامات ] التأكيد . [ واللام ] في " لنسفعاً " : لام قسم . ومعنى " توطئة " أنها تؤذن بإتيان القسم بعدها . ثم قال تعالى : { نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } أي : كاذب صاحبها خاطئ ، وهي بدل من الأول . ثم قال تعالى : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } . أي : فليدع أبو جهل أهل مجلسه وأنصاره وعشيرته لنصرته . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم [ انتهر أبا ] جهل لما نهاه ) عن الصلاة ، فقال أبو جهل : علام يتوعدني محمد وأنا أكثر أهل الوادي نادياً ؟ ! فأنزل الله : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } ، أي : أهل ناديه ، فإن دعاهم { سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } ( لهم ) . قال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته زبانية العذاب من ساعته . قال أبو هريرة : قال أبو جهل : هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم ، فقال : واللات والعزى ، لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته . قال : فما [ فجئهم ] منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه . قال : [ فقيل له : ما لك ] ؟ ! قال : إن بيني وبينه خندقاً من نار [ وهؤلاء ] . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا . قال ابن عباس : { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ } ، أي : " ناصره " . وقال قتادة : عشيرته . والنادي والندي : المجلس . / والزبانية : ملائكة ، وهم عند العرب الشرط ، وهو مشتق من " زبنه " إذا دفعه ، كأنهم يدفعون الكفار إلى النار . وواحد الزبانية عند أبي عبيدة : زبنية . وقال عيسى بن عمر واحدهم : زابن . وقال الأخفش : واحدهم : زباني . وقال الكسائي : واحدهم : زبني . قال عبد الله بن أبي الهذيل : " الزبانية : أرجلهم في الأرض ورؤوسهم في السماء " . ثم قال : { كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ } . أي : ليس الأمر على ما يقول أبو جهل في نهيه إياك يا محمد عن الصلاة وطاعة ربك ، لا تطعه فيما أمرك به واسجد لربك واقترب منه بالدعاء والعمل الصالح في السجود . وفي الحديث : " أقرب ما يكون العبد من ربه إذا كان ساجداً ، ( فأكثروا من الدعاء في السجود ، فقمن أن يستجاب لكم " . قال مجاهد : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) ، ألم تسمعوا إلى قوله : { وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب } . ويجوز أن تكون " كلا " بمعنى : " حقا " ، وبمعنى : " ألا " فيبتدأ بها . وروى ابن وهب عن رجاله أن أبا جهل كان يقول : لئن رأيت محمداً يصلي لأطأن على رقبته ، فأمر الله نبيه بالسجود ، فقال : { وَٱسْجُدْ } ، وقال لأبي جهل : " واقترب " ، على طريق التهدد ، أي : اقترب من محمد إن كنت صادقا في قولك : فقيل لأبي جهل : هذا محمد يسجد ، فاقترب منه ! فقال : ما أستطيعه ، إن بيني وبينه كالفحل ، لو اقترتب منه لأهلكني . هذه رواية ابن وهب ، وفيها زيادة تفسير لما روي ، وفيها بعض اختصار .