Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 97, Ayat: 1-5)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } إلى آخرها . أي : إنا أنزلنا القرآن إلى السماء الدنيا جملة [ واحدة ] في ليلة القدر . فهذا إضمار لم يتقدم له ذكر في السورة ، لأنه قد ( عرف ) ، وقيل : إنما جاز ذلك ، لأن القرآن كله كالسورة الواحدة . وقيل : الهاء تعود على المنزل ، ودل " أنزلنا " على المنزل ، والمنزل هو القرآن . وليلة القدر [ ليلة ] الحكم التي يقضي الله جل وعز فيها قضاء ( السنة ) ، والقدر : مصدر [ قدر ] الله خيرا فهو يقدره قدراً . يقال : ليلة القدر والقدر ، والتقى القوم على قدر وعلى قدر ، وهذا قدر الله وقدَره . وسميت ليلة القدر لتقدير الله فيها ما شاء من أمره . قال ابن عباس : نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان على السماء الدنيا ، فكان الله - جل وعز - إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئاً أنزل منه حتى جمعه ، وقال الشعبي وابن جبير . ( قال مجاهد : { لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } : ليلة الحكم " . قال ابن جبير : " يؤذن للحاج في ليلة القدر ، فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فلا يغادر منهم أحد ولا يزاد فيهم ولا ينقص منهم " . قال رجل للحسن : أرأيت ليلة القدر ، أفي كل رمضان ؟ فقال : نعم ، والذي لا إله إلا هو ، إنها لفي كل رمضان ، وإنها لليلة يفرق فيها كل أمر حكيم ، فيها يقتضي الله عز وجل كل أجل وكل عمل ورزق وخلق إلى مثلها . وقيل : إنما سميت " ليلة القدر " على معنى ليلة الجلالة والتعظيم ، من قولهم : لفلان قدر . وقد [ تواترت ] الأخبار أنها في العشر الأواخر من رمضان ، أخفاها الله عز وجل في العشر [ ولم يعينها النبي صلى الله عليه وسلم ] لئلا يفرط الناس في العمل في غيرها والاجتهاد ويتكلوا على فضل العمل فيها . فهي أبداً في ليلة من العشر الأواخر من رمضان . وهي تختلف ، فتكون مرة في [ ليلة ] سبع ، ومرة في ليلة غيرها . روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رأيت ليلة القدر ، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها ، فالتمسوها في العشر الأواخر " . ( وعنه صلى الله عليه وسلم : " فالتمسوها في العشر الأواخر " ) ، وفي الوتر منها ، أو في السبع البواقي " شك الراوي . وروى ابن عباس عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إلتَمِسُوها فِي العَشْرِ الأَوَاخِِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، في تَاسِعَةٍ تَبْقَى ، أَوْ سَابِعَةٍ تَبْقَى ، أَو خَامِسَةٍ تَبْقَى " . وقال عبادة بن الصامت : " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن يخبرنا بليلة القدر ، فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال رسول الله : " إني خرجت إليكم وأنا أريد أن أخبركم [ بليلة ] القدر ، فكان بين فلان وفلان لحاء فرفعت ، وعسى أن يكون خيرا ، فالتمسوها في العشر الأواخر في الخامسة والسابعة والتاسعة " " . وقال أبو سعيد الخدري : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الوسط من رمضان ، فاعتكف عاماً حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين ، وهي التي يخرج فيها من اعتكافه ، قال : من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر ، فقد رأيت هذه الليلة ثم أنسيتها . وقد [ رأيتني ] أسجد من صبيحتها في ماء / وطين ، فالتمسوها في العشر الأواخر ، والتمسوها في كل وتر . قال أبو سعيد : فمطرت السماء من تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف . قال أبو سعيد : فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين " . وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنيساً أن يتوخاها ليلة ثلاث وعشرين " . وروى عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كان متحريها [ فليتحرها ] في ليلة سبع وعشرين " . وعن ابن عباس أنه استدل على أنها ليلة سبع وعشرين بقوله : { سَلاَمٌ هِيَ } فهي الكلمة السابعة والعشرون من أول السورة ، فكذلك ليلة القدر ليلة سبع وعشرين من الشهر ، وهذا استدلال فيه نظر إن صح عنه . وقال كعب : والذي أنزل الكتاب على محمد صلى الله عليه وسلم أنها ليلة سبع وعشرين ، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ( أخبر ) [ لها ] بآية فقال : " إن الشمس تطلع غداً تئذ كأنها طست ليس لها شعاع " . " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة [ أن ] تدعوا إذا وافقت ليلة القدر فتقول : " اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " " . ثم قال تعالى : { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ } أي : وما أشعرك يا محمد أي شيء ليلة القدر ، على التعظيم لها . ثم قال تعالى : { لَيْلَةُ ٱلْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } . أي : العمل فيها أفضل من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر قاله مجاهد وغيره . وهو قول قتادة . وهو اختيار الطبري . وقال مجاهد : كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي . يفعل ذلك ألف شهر ، فأنزل الله في هذه الأمة ليلة القدر خير من ألف شهر ، أي : قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل . وقال الحسن بن علي بن أبي طالب : هي ألف شهر ، وليت فيها بنو أمية ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أريهم على المنابر [ فهاله ] ذلك ، فأحصيت ولا يتهم بعد ذلك فكانت كذلك . وقال بعض العلماء : معناه : خير من ألف شهر رمضان بصومه . وقال : [ قم ] ليالي رمضان رجاء إصابة ليلة القدر ، فإنها خير من ألف شهر رمضان تصومها . ثم قال : { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم } . ( الروح : جبرائيل عليه السلام ، أي تتنزل الملائكة وجبرائيل معهم فيها بأمر ربهم ) من كل أمر ، فيه الآجال [ والأرزاق ] والأعمال إلى السماء الدنيا . وهذا هو التمام عند كثير من النحويين . [ وهو ] قول الفراء . وقاله نافع . وقال قتادة : { مِّن كُلِّ أَمْرٍ } ، قال : يقضي فيها ما يكون في السنة إلى مثلها . فعلى هذا المعنى ، / يكون التمام : " من كل أمر " . وقال ابن عباس : معنى [ ذلك ] : تنزل الملائكة وجبرائيل معهم في ليلة القدر بإذن ربهم ، أي : [ نزولهم ] بإذن ربهم . قال ابن عباس : لا يلقون مؤمناً ولا مؤمنة إلا سلموا عليه . وكان ابن عباس : ( يقرأ " من ) كل امرئ " فيكون معناه : إنهم يتنزلون في ليلة القدر بإذن ربهم من كل ملك لتسلم على المؤمنين والمؤمنات . ( وقال الشعبي : من كل امرئ من الملائكة سلام على المؤمنين والمؤمنات ) ، على قراءة ابن عباس . وقيل : " من " بمعنى الباء ، أي : تنزل الملائكة والروح فيها بكل أمر بإذن ربهم . ومعنى : { سَلاَمٌ هِيَ } - على قراءة الجماعة - سلام من الشر كله ليلة القدر إلى طلوع الشمس . وقال قتادة : { سَلاَمٌ هِيَ } أي خير هي حتى مطلع الفجر . قال ابن زيد : " ليس : فيها شر ، هي خير كلها ] حتى مطلع الفجر . وسلام - على قراءة الجماعة - : خير . هي ، على معنى : هي ذات سلامة . و " سلام " على قراءة ابن عباس مرفوع بالابتداء ، وما قبله الخبر . و " المطلع " بالفتح : المصدر ، أي إلى طلوع الفجر . وحكى الفراء كسر اللام عن العرب وهم يريدون المصدر ، كما قالوا " أكرمتك كرامة " يريدون إكراماً ، و " أعطيتك عطاء " يريدون إعطاء . ومثله " المشرق " بالكسر يريدون به المصدر ، والعرب تقول : شرقت الشمس مشرقاً - بالكسر - ، يريدون شروقاً ، والأصل فيه الفتح ، ومثله المغرب والمفرق والمنبت [ والمجزر ] والمسكن والمنسك والمعشر والمسقط . هذه الأحد عشر [ تقال ] بالفتح والكسر في المصدر ، والفتح الأصل ، [ لأن ما ] كان ( على ) " فعل يفعل " بالضم ، فالمصدر منه واسم المكان " مفعل " ( بالفتح ) . وقد كان يجب أن يكون اسم المكان بالضم ، / إلا أنه ليس في الكلام " مفعل " بالضم ، فرد إلى الفتح ، لأنه أخف من الكسر ، فاستوى المصدر واسم المكان . والدليل على أن أصل اسم المكان عنه الضم : أن اسم المكان من فعل يفعل بكسر العين مفعل بالكسر ، نحو المجلس ، إلا أن العرب قد قالت : " مطلع " بالكسر للمكان الذي تطلع فيه الشمس ، سماعاً بغير قياس . وقال بعضهم : " مطلع " أيضاً في المصدر بالكسر ، والأصل الفتح في ذلك .