Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 100, Ayat: 1-11)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً … } إلى آخره . قال علي - كرم الله وجهه - وعبد الله - رضي الله عنهما - : هي الإبل . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - وغيره من أهل التأويل : هي الخيل ؛ غير أن عليا - رضي الله عنه - قال : ذلك يوم بدر . وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - : ذلك في الحج . ومن قال : هي الخيل ، قال : ذلك في سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبطأ عليه خبرها ؛ فاغتم لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزل جبريل - عليه السلام - بخبرها على ما ذكر ووصف ؛ فسر بذلك المؤمنون . فإن كان في أمر السرية والخيل على ما قاله ابن عباس - رضي الله عنهما - فجهة القسم بذلك تحتمل وجوها : أحدها : أنه من علم الغيب ؛ إذ لا يعلم بحالهم وما وصف من أمر الخيل لا يكون إلا بالوحي من السماء ، أو لمن شهد ذلك ، فإذا لم يحضرهم أحد ممن شهدها ، ثم أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ظهر عندهم على ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علموا بذلك أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه إنما عرف بالوحي من الله تعالى إليه ، وذلك من أعظم آيات الرسالة . أو أن يكون القسم بما ذكر من شدة الخيل وقوتها وحدة بصرها ؛ حيث عدت في ليل مظلم ، لا قمر فيه ، ولا نور - عدوا يخرج النار من شدة عدوها من الحجارة التي تضرب بحوافرها ما لا يقدر الإنسان العدو في مكان مستو ، فضلا أن يقدر على ذلك من الصعود والهبوط ، وما ذكر من إثارة النقع من شدة عدوها ، وتوسطها في العدو . أو يذكر موافقة مرادهم وحصول غرضهم في الإغارة على عدوهم في أغفل ما يكون العدو ، وهو وقت الصبح . ثم القسم بقوله : { وَٱلْعَادِيَاتِ } ، وما ذكر من الموريات وغيره ، هو صفة العاديات ونعوتها . وفيه بشارات ثلاثة : أحدها : أنه لم تحدث لهم حادثة . والثاني : الإغارة على العدو . والثالث : أنهم قد توسطوا العدو . ومن قال : هي الإبل ، وذلك في أمر الحج ، يذكر سرعة سيرها ، وشدة عدوها في الليلة المظلمة التي فيها الأودية والهبوط والصعود . ثم قوله : { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } على هذا التأويل ، أي : تضرب الحجر بالحجر ؛ فتخرج منه النار من شدة سيرها وعدوها ، وفي الخيل شدة ضرب الحوافر على ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } على هذا التأويل ، يقول بعضهم : نزولهم في تلك المغارات والأودية في وقت الصبح . والأشبه أن يكون خروجهم من تلك المغارات والأودية في ذلك الوقت ؛ لأن ذلك الوقت وقت الخروج منها والدفع ، لا وقت المقام . أو يكون قد استقبلهم العدو هنالك ، ومن [ أراد بهم ] الشر ؛ فتكون المغيرات على الإغارة عليهم ؛ إن كان ثم عدو . { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } على هذا التأويل : الجمع في الحجج ، وهو الجمع المعروف . ومن قال : ذلك في الخيل ، يكون توسطهن في جمع العدو . ثم الذي وقع به القسم قوله - تعالى - : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } ، أي : الإنسان لنعم ربه لكفور ، لا يشكرها ، وهو أن الإنسان يذكر مصائبه وما يصيبه من الشدة في عمره أبدا ، وينسى جميع ما أنعم الله عليه ، وإن لا يفارقه طرفة عين ؛ ولذلك قال الحسن : الكنود : هو الذي يعد المصائب وينسى النعم . وقيل : الكنود : القتور البخيل الشحيح في الإنفاق ، ويجب أن يكون وصف كل إنسان ما ذكر ، لكن المؤمن يتكلف شكر نعم الله - تعالى - ويجتهد في ذلك ، ويصبر على المصائب ، وهو كقوله - تعالى - : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } [ المعارج : 19 ] ، وخلق { عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] ، هو كل إنسان ، ثم استثنى المصلين منهم ، وهم المؤمنون ؛ أي : كذلك خلق وطبع كل إنسان ، لكن المؤمن يتكلف إخراج نفسه من ذلك الطبع الذي أنشئ عليه ، وطبع إلى غيرها من الطبائع ؛ كالبهائم والسباع التي طبعها النفور من الناس بالاستيحاش عنهم ، ثم تصير بالرياضة ما تستقر عندهم وتجيبهم عند دعوتهم . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } ، قال بعضهم : إن ذلك الإنسان على ما فعله في الدنيا لشهيد في الآخرة على [ ما جمعه ] ؛ أي : يشهد ذلك ويعلمه ؛ كقوله : { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } [ القيامة : 14 ] . وقال بعضهم : { وَإِنَّهُ } ، أي : ذلك الإنسان لبخله وامتناعه عن الإنفاق { لَشَهِيدٌ } ، أي : يتولى حفظ ماله وإحصاءه بنفسه ، لا يثق بغيره . وقال بعضهم : { وَإِنَّهُ } يعني : الله تعالى { عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } أي : عالم ، يحصيه ؛ ويحفظه ، كقوله : { لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا … } [ الكهف : 49 ] . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } ، أي : ذلك الإنسان لشديد الحب للمال ، فذكر بخله ، وشحه في المال ، في ترك الإنفاق والبذل ، وعلى ذلك طبع كل إنسان ؛ على ما ذكرنا ، لكن المؤمن يتكلف إخراج نفسه مما طبع بالرياضة ، ويجتهد في الإنفاق ، والحب هاهنا : حب إيثار ، أي : يؤثر لنفسه . وقوله - عز وجل - : { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ } ، يقول - والله أعلم - : فهلا يعلم قدرة ربه وسلطانه وحكمته في إنشائه أنه يستخرج ما في القبور ويحييهم . أو يكون قوله : { أَفَلاَ يَعْلَمُ } ، أي : فيعلم { إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } ، أي : إن ربهم يومئذ لخبير بما كان منهم في الدنيا ، { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } ، يقول : فهلا يعلم - أيضا - أنه يميز ما في الصدور ، ويبين ويظهر ما فيها ، لا يترك كذلك غير مميز ، ولا مبين ، بل يظهر ويميز ، كقوله : { يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَآئِرُ } [ الطارق : 9 ] . ثم قوله : { نَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ } ، أي : عن علم له بذلك يأخذهم ، ويجزيهم بما يجزيهم . وفي قوله - تعالى - : { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } دلالة أن حصول الأعمال وخلوصها وما يثاب عليها ويعاقب بالقلوب وبالنيات ، لا بنفس الأعمال ؛ حيث قال : { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } . قال أهل اللغة وأبو عوسجة : { ضَبْحاً } : الضبح : صوت في الصدر ؛ ضبح يضبح ضبحا ، فهو ضابح . { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } ، أي : هيجن الغبار بحوافرهن ، والنقع : الغبار ، والنقوع : جماعة ، { فَوَسَطْنَ } من التوسط ، أي : صرن في الوسط ، و { لَكَنُودٌ } : كفور ، { وَحُصِّلَ } ، أي : اختبر ؛ يقال : حصلت : أي : اختبرت . وقال بعضهم والقتبي : { وَٱلْعَادِيَاتِ } : الخيل ، والضبح : صوت حلوقها إذا عدت . وقيل : الضبح والضبع واحد في السير ؛ يقال : ضبحت الناقة ، وضبعت . { فَٱلمُورِيَاتِ } ، أي : أورت النار بحوافرها ، والأرض الكنود : التي لا تنبت شيئا ، ويقال : بعثرت ، أي : قلبت ، فجعل أسفلها أعلاها . { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } ، أي : ميز ما فيها من الخير والشر ، والشك ، واليقين ، والله أعلم .