Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 101, Ayat: 1-11)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { ٱلْقَارِعَةُ } قال : القارعة عندهم هي الداهية الشديدة من الأمور ، وهي في هذا الموضع وصف لشدة هول يوم القيامة ، وهو من الله - تعالى - تذكير لعباده ، وتعجيب لهم عما يكون في ذلك اليوم من الأهوال في [ الأحوال والأفعال ] وسمى الله - تعالى - في كتابه ذلك اليوم بما يكون فيه من اختلاف الأحوال ، نحو قوله : { ٱلْحَاقَّةُ } ، و { ٱلْوَاقِعَةُ } [ الواقعة : 1 ] ، وما أشبه ذلك ، فكذلك قوله - عز وجل - : { ٱلْقَارِعَةُ } [ تذكير لهم ] بما وصف من حال ذلك اليوم وشدته ؛ ليتفكروا في العواقب ، ويتدبروا ما يستقبلهم في الأواخر من العذاب ؛ فيمتنعوا بذلك عما نهاهم الله - تعالى - عنه . ثم إن الله - تعالى - خلق [ في ] بني آدم نفسا يدرك بها الشهوات واللذات في الدنيا ، وعقلا يتذكر به عواقب الأمور وأواخرها ، ويزيده ذلك تيقظا وتبصرا ، ثم العقل مرة يدعوه إلى نفسه حتى يميل إلى ما يدعوه في جزاء ما أطمع في العاقبة ، والنفس مرة تدعوه إليها ؛ فيصير هواه وميله فيما يتلذذ [ به ] من الشهوات في دنياه ، وعلى ذلك تأويل قوله : { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ … } [ يوسف : 53 ] ، أي : [ يرحمه ويعصمه ] عن اختيار السوء . أو رحمه حتى جعل هواه فيما توجبه العواقب من الجزاء والثواب ؛ فلذلك ذكر الله - تعالى - عباده بما يستقبلهم من الأهوال في ذلك اليوم ؛ ليعملوا عقولهم في أفكاره ، والتذكر عنه ؛ فيزدجروا عما زجرهم عنه . أو يتذكروا ما وعد لهم من الجزاء في ذلك اليوم ؛ فيزدادوا بذلك حرصا في الخيرات . وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } ، اختلفوا في تأويله من وجوه ، ولكنه في الحاصل يرجع إلى معنى واحد : فمنهم من قال : أي : كالجراد المنتشر حين أرادت الطيران . ومنهم من قال : كالجراد الذي يموج بعضه في بعض . ومنهم من قال : كالفراش [ المبثوث ] الذي يتهافت في النار ؛ فيحترق ؛ وكل ذلك يؤدي معنى الحيرة والاضطراب من هول ذلك اليوم . وأصل ذلك قوله - تعالى - : { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } [ الحج : 2 ] ، فكأن الله - تعالى - قال : إنهم يصيرون في الحيرة من هول ذلك اليوم وشدته كالطائر الذي لا يدري أين يطير ؟ وأين يثبت ؟ وأين ينزل ؟ وقوله - عز وجل - : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } قال بعضهم : كالصوف المصبوغ . وقال بعضهم : كالمندوف من الصوف . فإن كان على التأويل [ الأول ] فمعناه - والله أعلم - : أن الجبال في ذلك اليوم تتلون ألوانا من شدة ذلك اليوم بلون العهن ؛ ألا تراه يقول : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } [ النمل : 88 ] ، وقال : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } [ طه : 105 ] ؛ فكذلك هذا على ذلك المعنى . وإن كان على التأويل الآخر ، فمعناه : أن الجبال مع شدتها وصلابتها ، تصير في الرخاوة والضعف من هول ذلك اليوم كالصوف المندوف ؛ إذ ذلك أضعف أحواله . وقال قتادة : شبههم بغنم لا راعي لها ، ذكر العهن كناية عن الغنم . وقوله - عز وجل - : { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } ، اختلفوا في تأويل الميزان من وجوه ، ولكنَّ أقربها عندنا وجهان : أحدهما : أن يكون المراد من قوله : { ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } جملة المؤمنين ، وقوله - عز وجل - : { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } جملة الكفار ، ويكون الوجه في ذلك أن المؤمن لما عظم حق الله - تعالى - وأقام حدوده كان له ميزان وقيمة وخطر عند الله - تعالى - في ذلك اليوم ، والكافر لما ترك ذلك ، خف وزنه وقيمته وخطره ، وقد يطلق - والله أعلم - هذا الكلام على معنى الجاه والمنزلة ، يقال : لفلان عند فلان وزن وقيمة ، وليس عنده ذلك الوزن ، فكذلك هذا . والوجه الثاني : من وزن السرائر التي لم يطلع الله - تعالى - ملائكته الذين يكتبون أعمال بني آدم ذلك ، ومعلوم أن ذلك إنما يحصل من المؤمنين دون الكفرة ، وقد وصفنا مسألة الميزان وبيناها ؛ فلذلك اختصرنا الكلام في ذا الموضع ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } ، منهم من قال : مرضية ، يرضى أهل الجنة بتلك العيشة ؛ فهي مرضية . ومنهم من قال : ذات رضاء ؛ كقوله : { مَّآءٍ دَافِقٍ } [ الطارق : 6 ] ، أي : ذات اندفاق . ومنهم من قال : إنه أضاف الرضاء إلى العيش ؛ لأنه به يرضى . وقوله - عز وجل - : { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } منهم من قال : سمى النار : أما للكافر ؛ لأنه إليها يأوي . ومنهم من قال : المراد من الأم : أم رأسه ؛ أي : يلقى في جهنم على أم رأسه منكوسا . وقوله - عز وجل - : { هَاوِيَةٌ } ، أي : تهوي به ؛ حيث لا يكون له ثبات ولا قرار . وقوله - عز وجل - : { نَارٌ حَامِيَةٌ } ، أي : تحميه ، وتنضجه . ومنهم من قال : { نَارٌ حَامِيَةٌ } ، أي : شديدة الحر ، والله أعلم ، [ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ] .