Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 102, Ayat: 1-8)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } ، أي : شغلكم التفاخر بالتكاثر ، ثم لم يقل : عماذا شغلتم ؟ فيجوز أن يكون { أَلْهَاكُمُ } ، أي : شغلكم التكاثر عن توحيد الله - تعالى - أو عن التفكر في حجج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو عن ذكر البعث . ثم قوله - تعالى - : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } يحتمل تأويلين : أحدهما : أن يكون الغرض من الخطاب بهذه الآية : آباءهم وسلفهم الذين تقدموا بالإخبار عن قبح صنيعهم واشتغالهم بالسفه ؛ فيكون هذا صلة آيات أخر ، من نحو قوله - تعالى - : { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] ، وغير ذلك ؛ فكأن الله - تعالى - يخبرهم بآبائهم ، ونهاهم عن الاقتداء بآبائهم ؛ لأنهم تعاطوا أفعالا تخرج عن الحكمة حتى ماتوا ، وذلك يقع من وجهين : أحدهما : أن من أنعم عليه نعمة ، فجحدها ، ولم يؤد شكرها ، استوجب المقت والعقوبة ؛ يقول : كيف تقتدون بآبائكم ، وإنهم كفروا بنعمة الله ، وجحدوا بها ، بل الواجب عليكم أن تتبعوا النبي الذي جاء بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم . والثاني : أن يكون فيه علامة ودلالة للبعث : أن آباءهم لما فعلوا ما يستوجب به المقت والعقوبة ، وماتوا من غير أن يصيبهم ذلك في دنياهم : أن لهم دار أخرى يعاقبون فيها بما فعلوا . وإن كان الخطاب إنما انصرف إليهم ، ففيه إخبارهم عن سفههم : أنه شغلهم التفاخر بالتكاثر حتى جحدوا آيات رسوله ، عليه السلام . أو أن يكون فيه إخبار عن سفههم من وجه آخر ، وهو أن الافتخار كيف وقع بالأموات ، والتفاخر بالأموات غير مستقيم . أو يكون فيه وجه ثالث : إنما تفاخروا بما لا صنع لهم فيه ؛ لأنهم : إنما افتخروا بالأموال والأولاد ، وذلك من لطف الله - تعالى - وجميل صنعه ؛ فيكون في هذا كله ذكرهم بما فيهم من السفه والخرق . ثم التعيير بذكر هذه الأسباب إنما واقع - والله أعلم - دون ما هم فيه من الكفر ؛ لأن هذه الأسباب مما يبتلى به المؤمن في بعض الأحوال ؛ فعيرهم الله - تعالى - بذلك ؛ ليكون فيه تذكير وموعظة للمؤمنين ، ولو خرج ذكر الكفار في هذا ، لكان لا يجتنب المؤمن شيئا من هذه الأفعال . وقد روي " أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : { أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ } ، فقال : " يقول ابن آدم : مالي ، [ مالي ] ، وما لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت … " الخبر ؛ فهذا يدل على أن الوعيد على الإطلاق من غير تصريح بأهل الكفر ؛ لموعظة المسلمين ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } يحتمل : حقيقة زيارة الموتى ، وذلك مما يذكرهم أن التكاثر مما لا ينفعهم إذا كان عاقبتهم هذا . ويحتمل : أي : صرتم إلى المقابر بعد الموت ؛ فحينئذ تذكرون حق الله - تعالى - ثم لا ينفعكم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } ، قال بعضهم : كلا ، بمعنى : النفي ، والتعطيل . وقال بعضهم : معنى قوله : { كَلاَّ } ، أي : حقا . فإن كان على الوجه الأول ، فكأنه قال : ليس كما حسبتم ، وتوهمتم ، وقدرتم عند أنفسكم وتعلمون ذلك إذا نزل بكم العذاب ، وهو على الابتداء . وإن كان على معنى : حقا ، فكأنه قال : حقا ستعلمون أنه ليس كما قدرتم عند أنفسكم ، وكل ذلك يرجع إلى الوجوه التي وصفنا أنكم ستعلمون غدا حقا يقينا : أن الذي ألهاكم ، وشغلكم عن توحيد الله تعالى والتفكر في حجج رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان بالبعث كان عبثا باطلاً ، وأنه كان من الواجب عليكم : أن تؤمنوا بالله ورسوله ، وتنظروا في حجج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتؤمنوا بالبعث . وفائدة التكرار : ما جرى من العادة في تكرار الكلام عند الوعيد أو عند الإياس أو الرجاء ؛ نحو قولهم : الويل الويل ، وقولهم : بخ بخ ، وغير ذلك ؛ فكذلك هذا . ومنهم من حمل كل لفظة من ذلك على تأويل على حدة : أن قوله - عز وجل - : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } عند الموت عندما ترون العذاب : أن الأمر ليس كما حسبتم ، وتعلمون في يوم البعث أنه حق يقين . وقوله - عز وجل - : { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } ، يعني بهذا - والله أعلم - : إبطال ما كانوا عليه من الظنون والحسبان في هذه الدنيا ؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى - : { مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } [ الجاثية : 32 ] ، فإذا نزل بهم العذاب تحقق عندهم ، وعلموا علما يقينا . وقال بعضهم : { كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } حين نزل بكم الموت ، { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } في القبر ، وكذلك روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : كنا نشك في عذاب القبر حتى نزلت هذه السورة . وفيه وجه ثان : وهو أنهم كانوا عند أنفسهم علماء ، وأنهم على حق ، ولكن الله - تعالى - بين لهم أن علمهم كان حسبانا ؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى - : { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [ الكهف : 104 ] ؛ فيظهر لهم عند ذلك : أن اليقين ما نزل بهم ، وأن الذي علموا لم يكن علم يقين ؛ بل كان شكا وحسبانا . وقوله - عز وجل - : { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } ، يحتمل وجهين : أحدهما : يرونها عند الموت . والثاني : أي : يرونها بالتفكر والنظر في آيات الله وحججه في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } ، له معنيان : أحدهما : عيانا ومشاهدة . والثاني : أن تكون رؤيتهم بعين اليقين ، ليس على ما كان عندهم : أنهم لو فتح لهم باب من السماء وعرجوا إليها ، لقالوا : { إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ } [ الحجر : 15 ] ، يقول [ الله ] تعالى : يرتفع عنهم السحر عن أبصارهم ، فيرونها عين اليقين . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } ظاهر هذا يقتضي أن يكون سؤالهم بعدما دخلوا النار ؛ لأنه قال : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ } بعدما وصف أنهم يدخلون النار ؛ فبان أنه في ذلك الوقت ، فإن كان على ذلك ، فهو في موضع التقرير عندهم : أنهم استوجبوا المقت والعقوبة ؛ لأنه كان عندهم أن من أنعم عليه بنعمة ، فلم يشكرها ، استوجب المقت والعقوبة ؛ فالله - تعالى - يسألهم في ذلك الوقت عن شكر ما أنعم عليهم ؛ ليقرر عندهم استيجاب العقوبة ، ويجوز أن يكون هذا عند الحساب ؛ لأنه قال : { يَوْمَئِذٍ } ، ولم يقل : قبل ذلك ، أو بعده ؛ بل قال على الإطلاق ؛ فيعمل به . وإذا احتمل ذلك الوجه [ أن ينصرف ] إلى المؤمنين والكافرين كان الوجه في سؤال المؤمنين تذكيرهم أن أعمالهم لم تبلغ ما يستوفي بها شكر النعمة التي أنعمها عليهم ، وليعلموا أن الله - تعالى - تفضل عليهم ، وتجاوز عنهم ، لا أن بلغت إليه حسناتهم ، فاستوجبوا رحمته بها ؛ بل بكرمه وفضله . وإن كان في الكافرين ، فهو تقرير ما استوجبوا من نقمته حيث تركوا شكر نعمه . ثم قوله - تعالى - : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } إن كان السؤال من الكفرة فإنهم يسألون عما تركوا من الإيمان بالله - تعالى - وبما أتى إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم وبغير ذلك من النعيم . وإن كان في المؤمنين فهو في سائر النعم من المأكول والمشروب والملبوس ونحوها ، والله أعلم .