Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 104, Ayat: 1-9)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } ، اختلفوا في معنى الهمزة واللمزة : فقال بعضهم : معناهما واحد ، وهو الدفع والطعن . وقال بعضهم : الهمزة : هو الذي يؤذي جليسه بلسانه ، واللمزة : الذي يؤذي بعينيه وغير ذلك . وقال بعضهم : الهمزة : الذي يطعنه عند حضرته ، واللمزة : الذي يطعنه عند غيبته ، وهذا إنما يسمى به من يعتاد ذلك الفعل . وأهل اللغة وضعوا هذا المثال ، وهو " فُعَل " لمن يعتاد ذلك الفعل ويحترفه . قال أهل التأويل : إن الآية في الكفار ؛ لكن بعضهم قالوا : نزلت في الأخنس بن شريق . وقيل : نزلت في الوليد بن المغيرة . ولقائل أن يقول : إن الآية نزلت في الكفار ، وكذلك كثير من الآي من [ نحو ] قوله - تعالى - : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } [ المطففين : 1 ] ونحوها ، ومعلوم أنه وجد منهم هذا الفعل أو عدم ، استوجبوا ما ذكر من العقوبات وأشد ، مع أن الذي فيه من الكفر أقبح من هذين الفعلين ، فكيف وقع تعييرهم بذلك ؟ ! . والجواب عن هذا وأمثاله من نحو قوله - تعالى - : { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } [ المطففين : 1 ] ، وقوله : { لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } [ المدثر : 43 - 46 ] ، فهم وإن أقاموا الصلاة ، وأعطوا الزكاة ، لم تزل عنهم عقوبة النار . والجواب عنه : أن الإيمان لم يحسن لاسمه ، ولا قبح الكفر لنفس اسم الكفر ؛ لأنه ليس أحد ممن يذهب مذهبا ويدين دينا إلا وهو يكفر بشيء ويؤمن بشيء ؛ لأن المسلم مؤمن بالله - تعالى - كافر بالطاغوت ، والكافر يكفر بالرحمن ويؤمن بالطاغوت ويعبده ؛ فثبت أن الإيمان ليس يحسن لنفس اسم الإيمان ، ولا قبح الكفر ؛ لعين اسم الكفر ولكن الإيمان بالله - تعالى - إنما حسن من حيث أوجبت الحكمة الإيمان به ، وقبح الكفر ؛ لأن الحكمة أوجبت ترك الكفر بالله تعالى ؛ فالإيمان حسن ؛ لما فيه من المعنى ، والكفر قبح ، لما فيه من معنى الكفر ، وهذان الفعلان قبيحان في أنفسهما ، لا بغيرهما ؛ فكان التعيير الذي يقع بهذين الفعلين أكثر وأبلغ منه في تعييرهم بالكفر ؛ لذلك عيرهم الله - تعالى - بهذين الفعلين . ووجه آخر : أن هذا يخرج مخرج الموعظة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يهمز به ويسخر منه ؛ لما يأمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ، ولا يحمله ما كانوا يتعاطونه على ترك أمرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ؛ لئلا يمتنع أحد من أمته عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما يخشى أن يسخر به أو يستهزأ . والثالث : أن يكون هذا على وجه المكافأة والانتقام لما كانوا يفعلون [ بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ] على الزجر والردع عن ذلك ؛ إذ العقلاء يمتنعون عن الأفعال القبيحة ؛ فعلى هذه الوجوه يحتمل معنى تعييرهم . وقوله - عز وجل - : { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } ، قرئ على التخفيف { جَمَعَ } من الجمع ؛ أي : جمع ماله عنده ولم يفرقه وعدده [ وذكره ] - أي : حفظ عدده ، وذكره على الدوام - لئلا ينقصه ، وصفه بالبخل والشح . ومن قرأه بالتشديد ، فمعناه : أنه جمعه وادخره بممر الزمان ، لم يجمع ذلك في أيام قصيرة . والأصل ( جمعه ) بالتخفيف ، لكن شدده لما فيه من زيادة الجمع . وقوله - عز وجل - : { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } يتوجه وجهين : أحدهما : أن يكون على الحقيقة أنه قدر عند نفسه أنه يبقى لبقاء الأموال له ؛ لما يرى بقاءه من حيث الظاهر بها ؛ فتقرر عنده أن ما آتاه الله - تعالى - من الأموال هو رزقه ؛ فيعيش إلى أن يستوفي جميع رزقه ؛ فيجمعه ، ويدخره ؛ لكي يزيد في عمره . والوجه الثاني : أن يكون على الظن والحسبان ، كأنه يقول : جمع مالا وعدده جمع من يظن أن ماله يزيد في عمره . فإن كان على التأويل الأول فقوله : { كَلاَّ } رد عليه ؛ أي : ليس كما قدره عند نفسه . وإن كان على التأويل الثاني ، فعلى إيجاب عقوبة مبتدأة . وقيل : { وَعَدَّدَهُ } أي : أكثر عدده . وقال الحسن : عدده ، أي : صنفه ؛ فجعل ماله أصنافا ، وأنواعا من الإبل ، والغنم والبقر ، والدور ، والعقار ، والمنقول ، وغيرها . وقيل : { وَعَدَّدَهُ } ، أي : استعده ، وأعده ، وهيأه . وقوله : { لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ } : قيل : باب من أبواب النار . وقيل : هي صفة النار . والحطمة : هو الكسر ؛ فكأنه قال : النار التي يعذب بها الكفرة ، وتكسر عظامهم وتحطمهم . وقوله - عز وجل - : { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ * ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } : قيل : إن النار تأتي على جلودهم [ وعروقهم ولحومهم ] وعظامهم حتى تأكلها ، وتكسر العظام ، فتطلع على أفئدتهم ؛ فحينئذ يتبدلون جلودا غيرها ؛ ليذوقوا العذاب . وقيل : إنما تحرق النار منهم كل شيء سوى الفؤاد ؛ لأن الفؤاد إذا احترق ، لم يتألم بعد ذلك ، ولم يشعر بالعذاب ، والمراد من الإحراق إلحاق الألم والضرر بهم . وقوله - عز وجل - : { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ } ، قرئ : { عُمُد } : برفع العين والميم ، وقرئ بالنصب فيهما . وذكر عن الفراء أنه قال : العَمَد والعُمُد : جماعات للعمود ، والعماد . وقال بعضهم : العَمَد : جمع العَمَدَة ؛ نحو : بقرة ، وبقر . وقال الكلبي : { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ } ، أي : النار عليهم مطبقة ؛ يقول : طبقها ممدة في عمد من نار ممددة عليهم من فوقهم ، والعمد كعمد أهل الدنيا ، غير أنها من نار تمد عليهم ، والله أعلم ، [ والحمد لله رب العالمين ] .