Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 106, Ayat: 1-4)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } ، هذا يخرج على وجوه : أحدها : ما قال الفراء : إن اللام لام الاعتدال لأن السورة صلة لسورة { أَلَمْ تَرَ } ، قال : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [ الفيل : 5 ] ، { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } ؛ كأنه يقول : أهلكت أصحاب الفيل ، وفعلت بهم ما فعلت لتألف قريش بذلك المكان كما ألفوا به الرحلتين اللتين جعلتا لهم في الشتاء والصيف . والثاني : يحتمل أن يقول : ألزمت الخلق عبادة رب هذا البيت حتى ألفوا ذلك البيت ، وحملوا ما تحتاج إليه قريش ، وأهل ذلك المكان من الطعام ، وما يتعيشون به ؛ لتألف قريش بعبادة رب ذلك البيت ما لولا ذلك لم يتهيأ لهم المقام بذلك المكان ؛ لأنه لا زرع فيهن ولا نبات ، ولا ما يتعيش به ، وهو كما قال إبراهيم - عليه السلام - : { بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } [ إبراهيم : 37 ] ، وإنما تعيشهم في ذلك المكان بما يحمل إليهم من الآفاق والأمكنة النائية ؛ كقوله : { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا … } الآية [ القصص : 57 ] . وقال بعضهم : أمرت قريش بأن يألفوا عبادة رب هذا البيت كإيلافهم رحلة الشتاء والصيف ؛ يقول : كما ألفتم هاتين الرحلتين ، فألفوا عبادة رب هذا البيت . وقال بعضهم : إن أهل مكة كانوا يرتحلون تجارا آمنين في البلدان ، لا يخافون شيئا ؛ لحرمتهم ؛ لأن الناس يحترمونهم لمكان الحرم ، حتى لا يتعرض لهم بشيء ، ولا يؤذيهم أحد حتى إن كان الرجل منهم ليصاب في حيّ من الأحياء ؛ يقال : هذا حرمي ؛ فيخلى عنه ، وعن ماله ؛ تعظيما لذلك المكان ، وهو ما قال : { وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } . وقيل : إن العرب كانت تغير بعضهم على بعض ، ويسبي بعضهم بعضا ، وأهل مكة كانوا آمنين في حرم الله - تعالى - كقوله - تعالى - : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [ العنكبوت : 67 ] ، فذكر عظيم نعمه عليهم ومننه ؛ ليعلموا ذلك أنه منه . وأصله أن الله - تعالى - لما كان من حكمته وإرادته جعل الرسالة في قريش وإبقاؤها إلى الوقت الذي أراد أن يبقى ؛ جعل لهم من الأمن في ذلك المكان والأرزاق التي تجبى إليهم ، وما يتعيشون به في ذلك ؛ ليبقوا إلى الوقت الذي أراد بقاءهم إليه ؛ فيكون ما أراد على ما أراد ، فكما أنشأ هذا العالم للبقاء إلى الوقت الذي أراد أن يبقوا فيه جعل لهم من الأرزاق ما يبقون إلى الوقت الذي أراد ؛ ليكون ما أراد ؛ فعلى ذلك الأول . قال القتبي : الإيلاف : مصدر آلفت فلانا إيلافا ؛ كما تقول : ألزمته إلزاما . وقال الكسائي : آلفت المكان ، وألفته ؛ لغتان . وعن ابن عباس - رضي الله عنه - : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } ، أي : كصنع قريش { إِيلاَفِهِمْ } ، أي : صنيعهم ، { رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ * ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ } السنين الذي أصابهم ، { وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } العدو ، والله أعلم .