Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 109, Ayat: 1-6)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ … } إلى آخرها . ذكر أنها نزلت في منابذة المتمردين المعاندين منهم ، الذين علم الله - تعالى - منهم أنهم لا يؤمنون أبدا ، ولا يرجعون عما هم عليه من عبادة الأوثان إلى التوحيد والإسلام ؛ لأنه لا كل كافر يكون على وصف أنه لا يعبد الله - تعالى - في وقت من الأوقات ؛ إذ قد يجوز أن يكون كافراً في وقت ، ثم يسلم في وقت آخر ؛ فدل ما ذكرنا أنها نزلت في المتمردين المعاندين الذين علم الله - تعالى - أنهم يثبتون على الكفر ، ولا يؤمنون أبدا ، وكان كما أخبر ، ؛ ففيه دلالة إثبات الرسالة ؛ إذ أخبر أنهم لا يؤمنون ، فلم يؤمنوا ، وماتوا على الكفر . وقوله - عز وجل - : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } أنتم الآن ، { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ } اليوم { مَآ أَعْبُدُ } فيما بعد اليوم . وقال بعضهم : الأول : فيما مضى من الوقت ، والثاني إخبار عن الحال ، والآخر فيما بقي من الوقت . ولكن لا يجيء أن يكون هكذا ؛ بل يجيء أن يكون قوله : { لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } في حادث الوقت ؛ لأن حرف " ما " إنما يستعمل في حادث الأوقات ، يقول الرجل : لا أفعل كذا ، يريد به : حادث الوقت . وقوله : { وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَآ أَعْبُدُ } كذلك - أيضا - في حادث الأوقات ، أو إخبار عن الحال . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ } إنما هو إخبار عن الماضي من الأوقات ؛ كأنه يقول : لم أكن أنا عابدا قط في وقت من الأوقات ، وهذا يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن عبد غير الله قط . وفي هذه السورة وجهان من الدلالة : أحدهما : ما ذكرنا من إثبات الرسالة . والثاني : إخبار عن الإياس لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يرجع إلى دينهم أبدا ، وقطع رجائهم وطمعهم في ذلك . وفيه - أيضا - أن من أشرك غيره في عبادة الله - سبحانه وتعالى - أو عبد غيره دونه على رجاء القربة إلى الله - تعالى - فهو ليس بعابد لله - تعالى - ولا موحد له ؛ لأن أولئك إنما عبدوا الأصنام رجاء أن تشفع لهم ، ورجاء أن تقربهم إلى الله - تعالى - زلفى ؛ أخبر أنها لا تقربهم زلفى ، وأنهم ليسوا بموحدين ، ولا عابدين لله تعالى . وقوله - عز وجل - : { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } يحتمل وجهين : أحدهما : لكم جزاء دينكم الذي دنتم ، ولي جزاء ديني الذي دنت . والثاني : على المنابذة والإياس ، لكم ما اخترتم من الدين ، ولي ما اخترت ، لا يعود واحد منا إلى دين الآخر ، وكان قبل ذلك يطمع كل فريق عود الفريق الآخر إلى دينهم الذي هم عليه . وقوله - تعالى - : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } ليس على الأمر ، على ما نذكر في سورة الإخلاص والمعوذتين ؛ إذ لو كان على الأمر فهو يلزم أن يقول كل واحد منا لكل كافر ذلك ، فإذا لم يلزم دل أنه ليس على الأمر . وفي حرف ابن مسعود - رضي الله عنه - : { قل للذين كفروا لا أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، لكم دينكم ولى دين } . وعنه أنه قال : " من قرأ هذه السورة فقد أكثر وأطنب " . وفي حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل : " إذا أويت إلى فراشك فاقرأ : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ } ؛ فإنه براءة من الشرك " . وأهل التأويل يقولون : إن سبب نزول هذه ومنابذته إياهم : أن رهطا من قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : هلم فلنعبد ما تعبد ، واعبد أنت ما نعبد نحن ؛ فيكون أمرنا أمرا واحدا ؛ فنزلت هذه السورة . قال أبو عوسجة : الدين : العادة ، تقول : هذا ديني ، أي : عادتي . ثم المعنى الذي وقع عليه التكرار لهذه الأحرف عندنا : أن التكرار حرف جرى الاستعمال به في موضع المبالغة والتأكيد لما قصد به من الكلام في أي كلام كان ، رجاء كان ، أو وعيداً أو غيره ، كقولهم : بخ بخ ، والويل الويل ، وهيهات هيهات ، وغير ذلك ، فكذلك في هذا الموضع لما وقع الإياس عن إيمانهم بالله - تعالى - بما علم النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الوحي أنهم لا يؤمنون ، كرر هذا الكلام ؛ تأكيدا للإياس وإبلاغا فيه ، والله أعلم . [ وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ] .