Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 51-56)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـٰهٌ وَاحِدٌ } . لا نعلم الخطاب بهذا أنه [ لمن كان ] الخطاب بهذا ألأهل مكة ؛ فهم [ قد ] اتخذوا آلهة بقولهم : { أَجَعَلَ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً … } الآية [ ص : 5 ] إلا أن يخاطب به الثنوية والزنادقة ، فإنهم يقولون باثنين ، ويشبه أن يكون أهل مكة وإن اتخذوا آلهة فإنهم في الحقيقة عباد إلهين ؛ لأنهم إنما كانوا يعبدون تلك الأصنام بأمر الشيطان وطاعتهم إياه ، فنسب العبادة إليه ؛ لما بأمره يعبدون هذه الأصنام والله أعلم ؛ ألا ترى أن إبراهيم قال لأبيه : { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } [ مريم : 44 ] وإن كان في الظاهر لا يعبد الشيطان ، لكن لما بأمره يعبد الأصنام أضاف العبادة إليه ، أو أن يكون المراد من ذكر اثنين : إنما هو على الزيادة على الواحد ، كأنه قال : لا تتخذوا ولا تعبدوا أكثر من إله واحد . وقوله - عز وجل - : { فَإيَّايَ فَٱرْهَبُونِ } . لا تخافون الأصنام التي تعبدونها ؛ فإنكم إن تركتم عبادتها لا تضركم . وقوله - عز وجل - : { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . أي : وله يخضع ما في السماوات والأرض وأنتم لا تخضعون ، أو ما في السماوات والأرض كلهم عبيده وإماؤه ؛ فكيف أشركتم عبيده في ألوهية الله تعالى وربوبيته ؟ وقوله - عز وجل - : { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } . قال بعضهم : دائماً ؛ لأن غيره من الأديان كلها يبطل ويضمحل ، ويبقى دينه في الدارين جميعاً . وقال بعضهم : { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } أي : مخلصاً ، من الوصب [ والنصب ] والتعب ، وتأويله - والله أعلم - : أي : وله دين لا يوصل إليه إلا بتعب وجهد ؛ فاجتهدوا واتعبوا ؛ لتخلصوا له الدين ؛ هذا معنى قوله : ( مخلصا ) . وقوله - عز وجل - : { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ } . أي : أمخالفة غير الله تتقون ؛ أي : لا تخافوا ولكن اتقوا مخالفة [ الله لا تتقوا مخالفة ] غيره . أو يقول : لا تخافوا غير الله ولا تتقوا سواه ، ولكن اتقوا الله واتقوا نقمته . وقوله - عز وجل - : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } . أي : تتضرعون ؛ يخبر عن سفههم وقلة عقلهم أنهم يعلمون أن له ما في السماوات والأرض ، وأن كل ذلك ملكه ، وأن ما لهم من النعمة منه ، وأن ما يحل بهم من البلاء والشدة هو الكاشف لهم والدافع عنهم ، ثم يكفرونه ويصرفون شكرها منه إلى غيره في حال الرخاء والسعة ، ويؤمنون به في حال الشدة والبلاء ؛ فيقول : أنا المنعم عليكم تلك النعم ، وأنا المالك للكشف عنكم لا الأصنام التي عبدتموها ، فكيف كفرتم بي في وقت الرخاء والسّعة وآمنتم بي في وقت الضيق والبلاء ؟ ! كانوا يخلصون له الدين في وقت ويشركون غيره في وقت ، فيقول : أديموا لي الدين بقوله : { وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً } ولا تتركوا الإيمان بي في وقت وتؤمنوا بي في وقت ، وكذلك كان عادتهم : كانوا يكفرون بربهم في حال الرخاء والسعة ، ويؤمنون به في حال البلاء والشدة ؛ كقوله : { فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ … } [ العنكبوت : 65 ] الآية . ويحتمل أن يكون فرض الجهاد على المسلمين والقتال معهم لهذا المعنى ؛ لأن من عادتهم الإيمان في وقت البلاء والشدة والخوف ، ففرض عليهم القتال معهم ؛ ليضطروا إلى الإيمان فيؤمنوا ويديموا الإيمان ، ومنذ فرض القتال معهم كثر أهل الإسلام فدخلوا فيه فوجاً فوجاً ، وكان قبل ذلك يُدخَل فيه واحداً واحداً . وفيه دلالة إثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم [ حيث ] قال : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ } فإنما أخبر عما عرفوا وتقرر عندهم أن كل ذلك من عند الله ؛ ليعلموا أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى . وقوله - عز وجل - : { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } . هذا يحتمل وجهين : أحدهما : أن يجعلوا ما آتاهم الله وأنعم عليهم سبب كفرهم بالله . والثاني : يكفرون بنعم الله - تعالى - بعبادتهم الأصنام ، وصرفهم الشكر عنه . ويشبه أن يكون إخباره عن سفههم من وجه آخر ؛ وهو أنهم لم يروا في البشر أحداً يطاع ويخضع إلا أحد رجلين : دافع بلاء عنه ، أو جارّ نفع إليه ، فالأصنام التي عبدوها ليس منها دفع بلاء ولا جرّ منفعة ، فلماذا يعبدونها ؟ وقال أبو بكر : { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } : [ أي ] بالقرآن . وقوله - عز وجل - : { فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } . هذا وعيد من الله لهم ، يقول : فسوف تعلمون ما ينزل بكم من كفران نعمة وصرف الشكر عنه أنه مهلكهم ومنزل بهم عذابه . وفي قوله : { وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ ٱلضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ } . أي : تتضرعون ، موعظة للمؤمنين أيضاً ؛ لأنهم يجعلون يتضرعون إلى الله إذا أصابهم الضر والبلاء ، وإذا انكشف ذلك عنهم تركوا ذلك التضرع ونسوا ربهم ؛ فيعظهم لئلا يصنعوا مثل صنيع أولئك ، يقول والله أعلم ؛ أي : تعلمون أن ما بكم من نعمة فمن الله ؛ فكيف تصرفون شكرها إلى غيره في حال ؟ ! . وقوله - عز وجل - : { وَيَجْعَلُونَ } أي : يقولون { لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ } . [ قال بعضهم : يجعلون للأصنام والأوثان التي يعبدونها نصيباً مما رزقناهم ] من الأنعام والحرث وغيره الذي جعل الله لهم . ولا يعلمون لهم نصيباً في ذلك ؛ وهو كقوله : { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا } [ الأنعام : 136 ] حرموا على أنفسهم ما جعل الله لهم وجعلوه لآلهتهم . ويحتمل قوله : { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً } وهو الشيطان ؛ أي : ما يجعلون للأوثان ، فذلك للشيطان في الحقيقة ، لأنه هو الذي أمرهم بذلك ، وهو الذي دعاهم إلى ذلك ، وهو كقوله : { يٰأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ ٱلشَّيْطَانَ } [ مريم : 44 ] ولا أحد يقصد قصد عبادة الشيطان ، لكنهم إذا عبدوا الأوثان فكأن قد عبدوا الشيطان ؛ لأنه هو أمرهم بذلك ، وهو دعاهم إلى ذلك ، فعلى ذلك ما يجعلون للأوثان ذلك للشيطان لما ذكرنا ، لكن لا يعلمون أن ذلك له نصيب . ويحتمل قوله : { وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً } أي : يعلمون أن ليس لها نصيب في ذلك ، ولكن يجعلون ذلك لها على علم منهم أن لا نصيب للأوثان في ذلك ، وهو كقوله : { قُلْ أَتُنَبِّئُونَ ٱللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ } [ يونس : 18 ] أي : أتنبئون الله بما يعلم أنه ليس ونحوه ، أي : يعلم غير الذي تنبئون ، وقد ذكرنا قوله : { وَيَجْعَلُونَ } على القول ، أي : يقولون : وإلا لا يملكون جعل ذلك . وقوله - عز وجل - : { تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } . يحتمل قوله : { تَفْتَرُونَ } : تسميتهم الأصنام آلهة ، ويحتمل افتراؤهم على الله ما قالوا : { وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَآ آبَاءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] زعموا [ أن ما ] فعل آباؤهم [ وفعلوا هم ] كان بأمر من الله ورضاه ؛ حيث تركهم على ذلك ، فذلك افتراؤهم . وقوله : { تَٱللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ } . يحتمل السؤال الجزاء ؛ أي : تالله لتجزون عما كنتم تفترون ، ويحتمل السؤال سؤال حجة ، يسألون على ما ادعوا على الله من الأمر الحجة على ذلك ، والله أعلم .