Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 71-72)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } . قال الحسن : هذا صلة قوله : { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ } ، فيقول : أي : يوم ندعو كل أناس بإمامهم . ثم اختلف في قوله : { بِإِمَامِهِمْ } . قال بعضهم : ندعو بإمامهم ، أي : بدينهم الذي دانوا به وذبوا عنه ، ويدعى كل بدينه الذي دان به وذبّ عنه . وقال بعضهم : { بِإِمَامِهِمْ } ، أي : برؤسائهم وأئمتهم الذين أضلّوهم ، أي : يدعى الأتباع بأئمتهم ورؤسائهم الذين أضلّوهم حتى يلوم بعضهم على بعض ، ويلعن بعضهم على بعض ، ويتبرأ بعضهم من بعض ؛ كقوله : { إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ … } الآية [ البقرة : 166 ] ، وقوله : { وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً } [ العنكبوت : 25 ] ، وقوله : { يَقُولُ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ } [ سبأ : 31 ] يدعى الأتباع بالمتبوعين . وقال بعضهم : يدعى كل أناس بداعيهم الذي دعاهم : إن كان رسولاً فبالرسول ، وإن كان شيطاناً فبالشيطان ، وهو قريب مما ذكرنا . وقال بعضهم : { بِإِمَامِهِمْ } : كتابهم الذي كتب الملائكة أعمالهم فيه . وقال بعضهم : يدعى بكتابهم الذي أنزل عليهم ، يدعى كل بما ذكر ؛ ليعلموا أن الحجة قد قامت عليهم ، ووجب لهم العذاب باتباعهم ما اتبعوا بلا حجة ولا برهان . وحاصل أقاويل هؤلاء ترجع إلى وجوه ثلاثة : أحدها : يوم ندعو إمام كل أناس : كان إمامهم في خير أو شر فيجزى له جزاؤه ، ثم يكلف هو دعاء أتباعه إلى ما أعد لهم من الثواب والعقاب . والثاني : يدعى كل إمام ورئيس في خير أو شرّ بأتباعه الذين يتبعونه فيما يدعوهم إليه نحو كل رسول يدعى بقومه الذين اتبعوه ، وكل رئيس وشيطان استتبعهم . والثالث : { بِإِمَامِهِمْ } : كتابهم الذي كتب لأعمالهم الذي كتبوا ؛ كقوله : { وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً } [ الإسراء : 13 ] ، ونحوه . وقوله - عز وجل - : { فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ يَقْرَؤونَ كِتَابَهُمْ } : كلهم قد يقرءون كتابهم ، غير أن المؤمن إذا نظر في الكتاب - فرح به واستبشر بما فيه ، فسهل عليه القراءة ، وهانت لما كان يتبع حجج الله . وأمّا الكافر إذا نظر في الكتاب ، حزن واغتم به ؛ فعسر عليه قراءة كتابه ، وهو كقوله : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـٰبَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُواْ كِتَـٰبيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } الآية [ الحاقة : 19 - 20 ] ، ويقول الكافر : { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ … } الآية [ الحاقة : 25 ] ؛ لأنه اتبع ما اتبع بلا حجة . أو أن يكون المؤمن إذا نظر في كتابه ، رأى سيئاته مغفورة ، كقوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ } [ الأحقاف : 16 ] - فرح بذلك ، والكافر إذا رأى سيئاته باقية عليه ، وحسناته قد بطلت - حزن بذلك واغتم ؛ لذلك قال ما قال ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } . قال بعضهم : من كان في هذه الدنيا أعمى عن توحيد الله والإيمان به مع كثرة آياته ودلالته على وحدانيته - فهو عن الإيمان بالآخرة والبعث بعد الموت - أعمى . وقال بعضهم : من كان في هذه الدنيا أعمى عن الحق - فهو في الآخرة أعمى عن حججه ؛ لأنه إذا عمي عن الحق نفسه فهو عن حججه أعمى ؛ فتكون ( في ) بمعنى ( عن ) ؛ إذ الآيات والدلالات على وحدانية الله أكثر وأظهر من الدلالة على البعث والآخرة ؛ إذ ليس شيء إلا وفيه أثر وحدانيته ودلالة ألوهيته ، ولا كذلك الآخرة ؛ فهو عن الإيمان بها أشد عمى . وقال بعضهم : من عمي في هذه الدنيا عن الإيمان بالله - فهو في الآخرة أعمى عن الإيمان به ؛ لأن الدنيا مما يقبل فيها الإيمان ، وفي الآخرة لا يقبل ؛ وهو ما قال : { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } [ سبأ : 54 ] ، أي : حيل بينهم وبين ما يشتهون من الإيمان به ، { كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ } [ سبأ : 54 ] ، أي : كما حيل بين أشياعهم وبين الإيمان به ، عند معاينة بأس الله وعذابه ، وهو قول الحسن . وقال أبو بكر قريباً من هذا ، وهو أن من عمي عن الرشد والحق في هذه الدنيا ؛ لجهله به - فهو في الآخرة عند علمه بالرشد والحق أشد عمى ، أو كلام نحو هذا . وقال بعضهم : من عمي قلبه في الدنيا عن الإيمان بالله والتوحيد له - فهو في الآخرة يكون أعمى الوجه والحواس ؛ كقوله : { لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } [ طه : 125 ] ، وكقوله : { وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً … } الآية [ الإسراء : 97 ] : ما ذكر ذاهبة حواسهم لما تركوا الانتفاع بها في الدنيا لما جعلت لهم الحواس . ويشبه أن يكون قوله : { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ } : بالافتراء على الله { فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ } ، أي : مفتر على الله - أيضاً - كقوله : { ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ، ونحوه : يفترون في الآخرة ويكذبون كما كذبوا في الدنيا ، وكقوله : { أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } [ الأعراف : 53 ] ، ثم أخبر عنهم فقال : { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } [ الأنعام : 28 ] . وقال قتادة : { وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ } : يقول : ومن كان في الدنيا فيما أراه الله من آياته من خلق السماوات والأرض والجبال والنجوم أعمى { فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ } الغائبة عنه التي لم يرها - { أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } ، وهو قريب مما ذكرنا . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - ومن كان في هذه النعم أعمى أن يعلم أنها من الله - فهو في الآخرة أعمى عن حجته ، ويقال : عن دين الله ، وأضل طريقاً ، ويقال : أضل عن حجته . وقال غيره من أهل التأويل : من كان في هذه النعم أعمى - يعني : الكافر - عمي عنها ، وهو يعاينها ؛ فلا يعرف أنها من الله فيشكر ربها ؛ فهو في الآخرة أعمى ، يقول : عما غاب عنه من أمر الآخرة من البعث والجزاء - أعمى وأضل سبيلاً وأخطأ طريقاً ، وبعضه قريب من بعض ، والله أعلم .