Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 222-223)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } . دل جوابه على أن السؤال كان عن قربان النساء في الحيض ، أو كان عن موضع الحيض . فأخبر . - عز وجل - أنه { أَذًى } . والعرب تفعل ذلك - ربما أن تفهم من الجواب مراد السؤال ، وربما تبين المراد في السؤال - وإذا جاز أن يتبع غير وقت الأذى وقت الأذى بالاتصال [ ومن بعد انقطاع الدم قبل أن تغستل يجوز أن تتبع غير مكان الأذى مكان الأذى بالاتصال ] ، والله أعلم ، ولا يحتمل أن يكون الأمر بالاعتزال يقع على اعتزال الأبدان والأشخاص بالاتفاق ؛ إذ كل يجمع أن له أن يمسها باليد وأن يقبلها وغير ذلك ، إلا أنهم اختلفوا في موضع الاستمتاع : قال أ بو حنيفة - رضي الله تعالى عنه - : يستمتع بها ما فوق السرة ما تحت الركبة ، ويجتنب غير ذلك . وقال محمد - رضي الله تعالى عنه - : يجتنب شعار الدم ، على ما جاء عن عائشة ، رضي الله تعالى عنها ، أنها قالت : " يتقي شعار الدم ، وله ما سوى ذلك " . ثم دل هذا الخبر على أن النهي في الموضع الذي فيه الأذى . دليله : أول الآية : { قُلْ هُوَ أَذًى } . وحجة أبي حنيفة ، رضي الله تعالى عنه ، ما روي أنه قال : لها ما تحت السرة ، وله ما فوقها ، وما روي أن أزواج الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حضن أمرهن أن يتزرن ثم يضاجعهن . وأما محمد ، رحمه الله تعالى ، فإنه ذهب إلى ما ذكرنا : أنه ينهى عن قربان ذلك الموضع للأذى ، وأما الموضع الذي لا أذى فيه فلا بأس . ويجوز أن ينهى عن قربان هذه الأعضاء من نحو الفخذ وغيرها ؛ لاتصالها بالموضع الذي فيه الأذى . ويحتمل أن يكون ذكر الإزار كناية عن الموضع الذي فيه الأذى ؛ وعلى ذلك روي عن عائشة ، رضى الله تعالى عنها ، أنها سئلت : عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض ؟ فقالت : " يحل له كل شيء إلا النكاح " . وسئلت : عما يحل للمحرم من امرأته ؟ فقالت : لا يحل له شيء إلا الكلام . وقوله : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ } أي : لا تجامعوهن . { حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } فيه لغتان : في حرف بعضهم { يَطْهُرْنَ } بضم الهاء وتخفيفها ، وفي حرف آخرين بتشديد الهاء وفتحها : فمن قرأ بالتخفيف فهو عبارة عن انقطاع الدم ، ومن قرأ بالتشديد فإنه عبارة عن حل قربانها بعد الاغتسال . ثم من قول أصحابنا - رحمهم الله تعالى - : إن المرأة إذا كانت أيامها عشرا تحل لزوجها أن يقربها قبل أن تغتسل ، وإذا كانت أيامها دون العشر لم يحل له أن يقربها إلا بعد الاغتسال . ويحتمل : أن تكون الآية فيما كانت أيامها دون العشر في اللغتين ؛ إذ الغالب كان على أن الحيض لا يحيط بكل وقت ، على ما روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال لحمنة بنت جحش : " تحيَّضِي في علم الله من الشهر ستا أو سبعاً " فعلى ذلك أنه إنما يحل قربانها بالاغتسال . قال الشيخ - رحمه الله تعالى - في قوله : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } : إنه على ما دون العشر من المدة [ بما ] الغالب كان على ألا يمتد إلى أكثر الوقت ولا يقصر عن الأقل ، على ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال في النساء : " هن ناقصات عقل ودين " وصف نقصان دينهن : أن تحيض إحداهن في الشهر ستّاً أو سبعاً ، ووصفهن جملة بنقصان دينهن ، ثم ذكر ما بين في التفسير عن الجملة ، ثبت أن ذلك كان الغالب في الجملة حتى خرج عليه الجواب أنه لا يمتد إلى الأكثر ولا يقصر عن الأقل . والله أعلم . وأيد هذا ما أخبر عن ابتداء الآية أنه الأذى ، وأمر بالاعتزال ، ثم جعل لها بعد الانقطاع قبل الاغتسال حكم الأذى ؛ فلم يجز أن يجعل الحكم لما ليس بحقيقة حكم الأذى ، فيجعل للطهر الذي هو ضده ذلك الحكم ، والله أعلم ، وبما [ أنه ] ليس لذلك حكم الأذى في العشر إن كان الوقت يضيق عنه في رفع الصلاة ، فكذا في أمر القربان . والله أعلم . وعلى ما ذكرت من العرف ينصرف أمر الوقت : أنها لو أخرت الاغتسال عن وقت الصلاة فإن للزوج أن يقربها بما لزمها من قضاء الصلاة ، وهذا النوع من الأذى لا يمنع لزوم القضاء . وحصل الخطاب على الوقت بالعرف أنهن لا يتأخرن ، وبما ذكرت عن لزوم القضاء الذي يمنعه حكم الأذى ، وبذلك صار غسل الحيض كغسل غيره من الأحداث ، وهو لا يمنع القربان . والله أعلم . وحرم إتيان الأدبار ، بما عليه اتفاق الآثار ، وبما خص المكان بالأمر بالقربان ، وبما أمر بالاعتزال للحُيَّضِ ، ولو كان يحل غِشْيانهن في الأدبار لم يكن للأمر بالاعتزال معنى ؛ إذ قد بقي أحد الموضعين من المقصود بالغِشْيان لو احتمل . والله أعلم . والأصل في ذلك : أن الحل في الابتداء لم يتعلق بقضاء الشهوات ، ولا كان هذا لها ، وإنما القضاء للشهوات خاصة الجنة ، فأما الدنيا فإنما جعلت لقضاء الحاجات ؛ إذ بها يكون بقاء النسل والأبدان ، وبها يكون قوام الأبدان ودوام الحياة إلى انقضاء الأعمار ، وركبت فيهم الشهوات لتبعثهم على قضاء تلك الحاجات ؛ إذ لولا الشهوات لكان كل أمر من ذلك على الطباع يكون كالأدوية الكريهة والمحنة الشديدة ، فخلق الله تعالى فيهم الشهوات ليدوم ما به جرى تدبيره في أمر العالم ، ولا تتعلق الحاجات بإتيان الأدبار . ولو أحلت لكان الحل لحق الشهوة خاصة ، والدنيا لم يتخلق لها ؛ فلذلك لم تجعل بها حل مع ما لو كان يحتمل ذلك لاحتمل التناكح في نوع ؛ فإذا لم يحتمل بان أن ذلك إنما جعل للنسل . والله الموفق . وقال بشر : إذ حرم الغشيان للحُيَّضِ بما هو أذى ، وهو يكون على ما يتقذر ، فالذي مجراه الدبر والذي منه يخرج من الأذى أوحش وأخبث ، وذلك قائم في كل الأوقات ، كقيام الحيض في أوقاته ، فالحرمة لذلك أشد ، ذكر بوجه ، أمكن أن يبسط ما قال على الذي وصفته . والله أعلم . وقوله : { فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } . قيل فيه بوجوه : قيل : معنى قوله : { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } : لا تأتوهن صائمات ، ولا معتكفات ، ولا مصليات . ويحتمل : لا تأتوهن حُيَّضاً ، ولكن { فَأْتُوهُنَّ } طهرا . وقيل : { فَأْتُوهُنَّ } في الموضع الذي أباح لكم إتيانها ، وهو القبل ، ولا تأتوهن في أدبارهن . ويشبه - إذ " حيث " يعبر به عن المكان - أن يكون { مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } أن تبتغوا الولد ، بقوله : { وَٱبْتَغُواْ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ } . وقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ } من الذنوب . { وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } . من الأحداث والأذى . والثاني : ممن فعل هذا قبل النزول { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } أنفسهم بالتكفير ، والتواب هو الرجاع عما ارتكب ، والتارك عن العود إلى ذلك ، غير مصر على الذنب . ويحتمل : التواب : الذي لا يرتكب الذنب . وقوله : { نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ } . الحرث : هو الزرع . وفيه دليل النهي عن الاعتزال عنها ؛ لأن الزرع إذا ترك سُدىً فيضيع ويخرب . وفيه دليل أن الإباحة في إتيان النساء طلب التناسل والتوالد ، لا قضاء الشهوة ؛ لأنه سمى ذلك حرثاً ، والحرث ما يحرث فيتولد من ذلك الولد . وفيه دليل أن الإتيان في غير موضع الحرث يحرم منهن ، وعلى ذلك جاءت الآثار أنها سميت اللوطية الصغرى ، ما جاء أنه نهى عن إتيان النساء في محاشهن ، يعني : في أدبارهن ، وفي بعض الأخبار : إتيان النساء في أدبارهن كفر . وقوله : { فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ } . يعني : على أي جهة شئتم بعد أن يكون ذلك في المزرع ، ولا بأس بالاعتزال عنها إذا أذنت ؛ لما ذكرنا أن الأمر بذلك أمر بطلب النسل ، لا قضاء الشهوة . فإذا كان كذلك فلها ألا تتحمل مشقة تربية الولد ، وأما الزوج فإنما عليه المؤنة ، وذلك مما ضمن الله لكل ذي روح بقوله : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا } [ هود : 6 ] ؛ لذلك نُهِي هو عن الاعتزال دون إذنها ، ولم تنه هي عن الإذن عن ذلك . والله أعلم . وأما الاعتزال عن الإماء وملك اليمين فإنه لا بأس ؛ لأنه لا يطلب النسل من الإماء في المتعارف ؛ لذلك لم يكره ، ولأن في إحبالهن إتلافاً ، وللرجل ألا يتلف ملكه ؛ لذلك افترقا . والله أعلم . والأصل : أن الشهوات مجعولة لما بها إمكان قضاء الحاجات التي يقضي بها جرى تدبير العالم ، وبه يكون دوام النسل ، وبقاء الأبدان ، والحاجة لا تحتمل الوقوع في الأدبار ؛ لذلك لم يجعل فيها . وقوله : { وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ } . قيل فيه بوجهين : قيل : { وَقَدِّمُواْ } العمل الصالح . وقيل : { وَقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُمْ } من الولد تحفظونه عند الزيغ عما لا يجب . وقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } . يحتمل قوله : { أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ } ، أي : ما قدمتم من العمل الصالح فتجزون على ذلك ؛ كقوله : { وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ } [ البقرة : 110 ] . ويحتمل : { أَنَّكُمْ مُّلاَقُوهُ } ، أي : ملاقو ربكم بوعده ووعيده .